الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (28) قوله : كافة : فيه أوجه ، أحدها : أنه حال من كاف " أرسلناك " والمعنى : إلا جامعا للناس في الإبلاغ .

                                                                                                                                                                                                                                      والكافة بمعنى الجامع ، والهاء فيه للمبالغة كهي في : علامة وراوية . قاله الزجاج . وهذا بناء منه على أنه اسم فاعل من كف يكف . وقال الشيخ : " أما قول الزجاج : إن كافة بمعنى جامعا ، والهاء فيه للمبالغة ; فإن اللغة لا تساعده على ذلك ; لأن كف ليس معناه محفوظا بمعنى جمع " يعني : أن المحفوظ في معناه منع . يقال : كف يكف أي : منع . والمعنى : إلا مانعا لهم من الكفر ، وأن يشذوا من تبليغك ، ومنه الكف لأنها تمنع خروج ما فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن " كافة " مصدر جاء على الفاعلة كالعافية والعاقبة . وعلى هذا فوقوعها حالا : إما على المبالغة ، وإما على حذف مضاف أي : ذا كافة للناس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] الثالث : أن " كافة " صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرسالة كافة . قال الزمخشري : " إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم ; لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم " . قال الشيخ : " أما كافة بمعنى عامة ، فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالا ، ولم يتصرف فيها بغير ذلك ، فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا ، ولا يحفظ أيضا استعمالها صفة لموصوف محذوف " .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : أن قوله : " كافة " حال من " للناس " أي : للناس كافة . إلا أن هذا قد رده الزمخشري فقال : " ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ ; لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار . وكم ترى ممن يرتكب مثل هذا الخطأ ، ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى ، لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني ، فلا بد له أن يرتكب الخطأين معا " . قال الشيخ : " أما قوله كذا فهو مختلف فيه : ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز ، وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون إلى جوازه " . قال : " وهو الصحيح " . قال : " ومن أمثلة أبي علي : " زيد خير ما يكون خير منك " . التقدير : زيد خير منك خير ما يكون ، فجعل " خير ما يكون " حالا من الكاف في " منك " وقدمها عليها وأنشد : [ ص: 187 ]


                                                                                                                                                                                                                                      3742 - إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه شديد



                                                                                                                                                                                                                                      أي : فمطلبها عليه كهلا . وأنشد أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                      3743 - تسليت طرا عنكم بعد بينكم     بذكراكم حتى كأنكم عندي



                                                                                                                                                                                                                                      أي : عنكم طرا . وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به قال :


                                                                                                                                                                                                                                      3744 - مشغوفة بك قد شغفت وإنما     حتم الفراق فما إليك سبيل



                                                                                                                                                                                                                                      أي : قد شغفت بك مشغوفة . وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      3745 - غافلا تعرض المنية للمر     ء فيدعى ولات حين إباء



                                                                                                                                                                                                                                      أي : تعرض المنية للمرء غافلا " . قال : " وإذا جاز تقديمها على صاحبها وعلى العامل فيه ، فتقديمها على صاحبها وحده أجوز " . قال : " وممن حمله على الحال ابن عطية فإنه قال : " قدمت للاهتمام " والمنقول [ ص: 188 ] عن ابن عباس قوله : إلى العرب والعجم وسائر الأمم ، وتقديره إلى الناس كافة . قال : " وقول الزمخشري : لا يستوي له الخطأ الأول إلخ فشنيع ; لأن القائل بذلك لا يحتاج إلى جعل اللام بمعنى إلى لأن أرسل يتعدى باللام قال تعالى : وأرسلناك للناس رسولا و " أرسل " مما يتعدى باللام ، وبـ " إلى " أيضا . وقد جاءت اللام بمعنى " إلى " و " إلى " بمعناها " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : أما " أرسلناك للناس " فلا دلالة فيه ; لاحتمال أن تكون اللام لام العلة المجازية . وأما كونها بمعنى " إلى " والعكس فالبصريون لا يتجوزون في الحروف . و " بشيرا ونذيرا " حالان أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية