الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          285 - (ع - ) : الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين ، وهو مقاعس بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار التميمي السعدي ، أبو بحر البصري ، ابن أخي صعصعة بن معاوية ، والأحنف لقب ، [ ص: 283 ] واسمه الضحاك ، وقيل : صخر .

                                                                          أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم . ولم يره . وروي : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له .

                                                                          روى عن : الأسود بن سريع (قد) ، وجارية بن قدامة السعدي ، والزبير بن العوام (س) ، وسعد بن أبي وقاص (س) ، وطلحة بن عبيد الله (س) ، والعباس بن عبد المطلب (د ت ق) ، وعبد الله بن مسعود (م د) ، وعثمان بن عفان (س) ، وعلي بن أبي طالب (س) ، وعمر بن الخطاب ، وأبي بكرة الثقفي (خ م د س) ، وأبي ذر الغفاري (خ م) .

                                                                          روى عنه : الحسن البصري (خ م ق) ، وحميد بن هلال العدوي ، وخالد أبو إدريس البصري ، وخليد العصري (م) ، وطلق بن حبيب العنزي (م د) ، وعبد الله بن عميرة (د ت ق) ، وعبد الله بن يزيد الباهلي ، وعمر ويقال : عمرو بن جاوان (س) ، ومالك بن دينار ، وهارون بن رئاب ، وأبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير (خ م) .

                                                                          قال علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن البصري ، عن الأحنف بن قيس : بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان بن عفان ، إذ لقيني رجل من بني ليث ، فأخذ بيدي ، فقال : ألا أبشرك ؟ قلت : بلى . قال : تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني [ ص: 284 ] سعد ، فجعلت أعرض عليهم الإسلام ، وأدعوهم إليه ، فقلت أنت : إنه ليدعو إلى خير ، وما أسمع إلا حسنا ، فإني ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اللهم اغفر للأحنف " .

                                                                          فما شيء عندي أرجى من ذلك .

                                                                          وقال معمر عن الحسن : ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف .

                                                                          وقال عبد الله بن عون ، عن الحسن : ذكروا عند معاوية شيئا ، فتكلموا والأحنف ساكت ، فقال معاوية : تكلم يا أبا بحر .

                                                                          فقال : أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت .

                                                                          وقال ابن عون ، عن الحسن : قال الأحنف : لست بحليم ولكني أتحالم .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن السري ، عن يحيى : عاشت بنو تميم بحلم الأحنف أربعين سنة .

                                                                          وقال محمد بن سلام الجمحي ، عن مسلمة بن محمد الثقفي : قالت بنو تميم للأحنف : سودناك ورفعناك ، قال : فمن سود شبل بن معبد ولا عشيرة له ؟ !

                                                                          [ ص: 285 ] وقال أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس : قال سفيان : ما وزن عقل الأحنف بعقل إلا وزنه .

                                                                          وقال جرير عن مغيرة : قال الأحنف : ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد .

                                                                          وقال سلام بن مسكين ، عن بعض أصحاب الحسن ، عن الحسن : نعم السيدان الجارود والأحنف .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن حفص بن عمر : قال رجل للأحنف : يا أبا بحر هل زنيت قط ؟ قال : أما منذ أسلمت فلا ، ثم لقيه بعد ذلك ، فقال له : يا أبا بحر تعرفني ؟ قال : أعرفك جليس سوء .

                                                                          وقال علي بن زيد ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس : قدمت على عمر بن الخطاب ، فاحتبسني حولا ، فقال : يا أحنف ، إني قد بلوتك وخبرتك ، وخبرت علانيتك ، فلم أر إلا خيرا ، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك ، وإنا كنا نتحدث أنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم ، وكتب إلى أبي موسى : أن انظر الأحنف فأدنه ، وشاوره ، واسمع منه .

                                                                          وقال ضمرة ، عن ابن شوذب : وفد الأحنف على عمر ، فاحتبسه بالمدينة سنة ، ثم أذن له . قال : تدري لم حبستك ؟ قال : لا ، قال : لأني كنت - يعني - أخاف أن تكون منافقا عليم اللسان ، فإذا أنت مؤمن عليم اللسان .

                                                                          وقال أحمد بن عبد الله العجلي : بصري تابعي ثقة ، [ ص: 286 ] وكان سيد قومه ، وكان أعور أحنف دميما قصيرا كوسجا ، له بيضة واحدة . قال له عمر : ويحك يا أحينف ، لما رأيتك ازدريتك ، فلما نطقت ، قلت : لعله منافق فيء صنع اللسان ، فلما اختبرتك حمدتك ، ولذلك حبستك - حبسه سنة يختبره - فقال عمر : هذا والله السيد .

                                                                          وروي عنه أنه قال : ما رددت عن حاجة قط . قيل له : ولم ؟ قال : لأني لا أطلب المحال .

                                                                          وأنه قال : إني لأدع كثيرا من الكلام مخافة الجواب .

                                                                          وذكر أن عينه أصيبت بسمرقند ، وقيل : إنما ذهبت بالجدري .

                                                                          وقال يعقوب بن شيبة : كان جوادا حليما ، وكان رجلا صالحا ، أدرك أمر الجاهلية ، وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فاستغفر له .

                                                                          وقال سليمان بن أبي شيخ : كان أحنف الرجلين جميعا ، ولم يكن له إلا بيضة واحدة ، وكان اسمه صخر بن قيس ، وأمه امرأة من باهلة ، وكانت ترقصه وتقول :


                                                                          والله لولا حنف برجله * وقلة أخافها من نسله     ما كان في فتيانكم من مثله

                                                                          .

                                                                          وذكره محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل البصرة ، [ ص: 287 ] قال : وكان ثقة مأمونا قليل الحديث .

                                                                          وذكر الحاكم أبو عبد الله : أنه هو الذي افتتح مرو الروذ ، قال : وكان الحسن ومحمد بن سيرين في جيشه .

                                                                          وقال عبيد الله بن عمر القواريري : حدثنا شريك بن الخطاب العنبري شيخ بلعنبر ، وكان معاذ يروي عنه هذه الأحاديث ، عن عتبة بن صعصعة ، قال : رأيت مصعب بن الزبير في جنازة الأحنف متقلدا سيفا ليس عليه رداء ، وهو يقول : ذهب اليوم الحزم والرأي .

                                                                          قيل : مات سنة سبع وستين .

                                                                          وقيل : سنة اثنتين وسبعين بالكوفة .

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية