الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 504 ] من اسمه أسد وإسرائيل

                                                                          399 - (ص ) : أسد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري البجلي القسري ، أبو عبد الله ، ويقال : أبو المنذر الشامي الدمشقي ، أخو خالد بن عبد الله القسري ، وقسر فخذ من بجيلة .

                                                                          روى عن : أبيه عبد الله بن يزيد ، عن جده يزيد ، وله صحبة ، وعن يحيى بن عفيف الكندي (ص) ، عن أبيه : " جئت في الجاهلية إلى مكة ... " الحديث بطوله في ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وخديجة عند الكعبة .

                                                                          [ ص: 505 ] وقيل : عن ابن يحيى بن عفيف الكندي ، عن جده عفيف .

                                                                          روى عنه : سعيد بن خثيم الهلالي (ص) ، وسالم بن قتيبة بن مسلم الباهلي ، وسليمان بن صالح المروزي المعروف بسلمويه .

                                                                          وكان جوادا ممدحا وشجاعا مقداما .

                                                                          قال البخاري : أثنى عليه سعيد بن خثيم خيرا ، ويقال : كان على خراسان .

                                                                          وقال في موضع آخر : كان على خراسان ، لم يتابع في حديثه .

                                                                          وقال أبو أحمد بن عدي : وأسد بن عبد الله معروف بهذا الحديث ، وما أظن أن له غير هذا إلا الشيء اليسير ، وله أخبار تروى عنه ، فأما المسند من أخباره ، فهذا الذي ذكرته يعرف به .

                                                                          وقال أبو بكر الخرائطي : سمعت محمد بن يزيد المبرد يقول : سأل رجل أسد بن عبد الله ، فاعتل عليه ، فقال له [ ص: 506 ] السائل : والله لقد سألتك من غير حاجة ، قال : فما الذي حملك على هذا ؟ قال : رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء ، فأردت أن أتعلق منك بحبل مودة . فوصله وأكرمه .

                                                                          وقال خليفة بن خياط : ولى خالد بن عبد الله أخاه أسد بن عبد الله خراسان . وفيها - يعني سنة ثمان ومائة - غزا أسد بن عبد الله غور ، فلقوه في جمع كثير ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم هزم الله العدو ، ثم عزله هشام سنة ثمان ومائة ، وولى أشرس بن عبد الله السلمي ، ثم عزله سنة ثلاث عشرة ومائة ، وولى الجنيد بن عبد الرحمن ، ثم عزله سنة خمس عشرة ومائة ، وولى عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي ، ثم جمعت لخالد بن عبد الله الثانية ، فولى أخاه أسد بن عبد الله ، فمات أسد سنة عشرين ومائة .

                                                                          وقال في سنة سبع عشرة ومائة : وفيها جاشت الترك بخراسان ، ومعهم الحارث بن سريج ، فانتهى خاقان ومعه الحارث إلى الجوزجان ، وأغارت الترك حتى أتوا مرو الروذ ، فحدثني من سمع أبا الذيال يقول : فسار أسد بن عبد الله ، فلقيهم ، فهزمهم الله ، وقتلهم المسلمون قتلا ذريعا .

                                                                          [ ص: 507 ] وقال محمد بن جرير الطبري : وفيها - يعني سنة عشرين ومائة - كانت وفاة أسد بن عبد الله في قول المدائني ، وكان سبب ذلك أنه كانت به - فيما ذكر - دبيلة في جوفه ، فحضر المهرجان وهو ببلخ ، فقدم عليه الأمراء والدهاقين بالهدايا ، فكان فيمن قدم عليه إبراهيم بن عبد الرحمن الحنفي عامله على هراة ، وخراسان دهقان هراة فقدما عليه بهدية ، فقومت ألف ألف ، فكان فيما قدما به قصران من ذهب وقصر من فضة ، وأباريق من ذهب وفضة ، وصحاف من ذهب وفضة ، فأقبلا وأسد جالس على سرير ، وأشراف خراسان على الكراسي ، فوضعا القصرين ، ثم وضعا خلفهما الأباريق والصحاف والديباج والمروي والقوهي والهروي وغير ذلك ، حتى امتلأ السماط . وكان فيما حبا به الدهقان أسدا كرة من ذهب ، ثم قام الدهقان خطيبا ، فقال : أصلح الله الأمير ، إنا معشر العجم أكلنا الدنيا أربع مائة سنة ، أكلناها بالحلم والعقل [ ص: 508 ] والوقار ، ليس فينا كتاب ناطق ، ولا نبي مرسل ، وكانت الرجال عندنا ثلاثة : فرجل ميمون النقيبة أينما توجه فتح الله عليه ، والذي يليه رجل تمت مروءته في بيته ، فإن كان رجي وعظم وقود ، ورجل رحب صدره وبسط يده ، فرجي ، فإذا كان كذلك قود وقدم . وإن الله جعل صفات هؤلاء الرجال الثلاثة فيك أيها الأمير ، فما نعلم أحدا هو أتم كنداجية منك . إنك ضبطت أهل بيتك وحشمك ومواليك ، فليس أحد منهم يستطيع أن يتعدى على صغير ولا كبير ، ولا غني ولا فقير ، فهذا تمام الكنداجية ، ثم بنيت الإيوانات في المفاوز ، فيجيء الجائي من المشرق والآخر من المغرب ، فلا يجدان عيبا إلا أن يقولا : سبحان الله ما أحسن ما بني ، ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان ، وهو في مائة ألف معه الحارث بن سريج ، فهزمته ، وفللته ، وقتلت أصحابه ، وأبحت عسكره ، وأما رحب صدرك ، وبسط يدك ، فإنا لا ندري أي المالين أقر لعينك ؟ أمال قدم عليك ، أم مال خرج من عندك ، بل أنت بما خرج أقر عينا .

                                                                          [ ص: 509 ] قال : فضحك أسد ، وقال : أنت خير دهاقيننا ، وأحسنهم هدية ، وناوله تفاحة كانت في يده ، فسجد له خراسان دهقان هراة ، وأطرق أسد ينظر إلى تلك الهدايا ، فنظر عن يمينه ، فقال : يا عذافر بن زيد ، مر بحمل هذا القصر الذهبي ، فحمل ، ثم قال : يا معن بن أحمد رأس قيس - أو قال : قنسرين - مر بهذا القصر يحمل . ثم قال : يا فلان ، خذ إبريقا ، ويا فلان خذ إبريقا ، وأعطى الصحاف حتى بقيت صحفتان ، ثم قال : قم يا ابن الصيداء ، فخذ صحفة ، فقام فأخذ واحدة ، فرزنها فوضعها ، ثم أخذ الأخرى ، فرزنها ، فقال له أسد : ما لك ؟ قال : آخذ أرزنهما قال : خذهما جميعا ، وأعطى العرفاء ، وأصحاب البلاء ، فقام أبو العقوق - وكان يسير أمام صاحب خراسان في المغازي - فنادى : هلم إلى الطريق . فقال أسد : ما أحسن ما ذكرت [ ص: 510 ] بنفسك ، خذ ديباجتين . قال : وقام ميمون بن الفرات ، فقال : إني على يساركم إلى الجادة . قال : ما أحسن ما ذكرت بنفسك ، خذ ديباجة . قال : وأعطى ما كان في السماط كله ، فقال نهار بن توسعة :


                                                                          تقلون إن نادى لروع مثوب * وأنتم غداة المهرجان كثير

                                                                          .

                                                                          ثم مرض أسد ، فأفاق ، فخرج يوما ، فأتي بكمثرى أول ما جاء ، فأطعم الناس منه واحدة واحدة ، ثم أخذ كمثراة ، فرمى بها إلى خراسان دهقان هراة ، فانقطعت الدبيلة فهلك . واستخلف جعفر بن حنظلة البهراني سنة عشرين ومائة ، فعمل أربعة أشهر ، وجاء عهد نصر بن سيار في رجب سنة إحدى وعشرين ومائة ، فقال ابن عرس العبدي :


                                                                          نعى أسد بن عبد الله ناع *     فريع القلب للملك المطاع
                                                                          ببلخ وافق المقدار يسري *     وما لقضاء ربك من دفاع
                                                                          فجودي عين بالعبرات سحا *     ألم يحزنك تفريق الجماع
                                                                          أتاه حمامه في جوف صنع *     وكم بالصنع من بطل شجاع
                                                                          [ ص: 511 ] كتائب قد يحبون المنايا     على جرد مسومة سراع
                                                                          سقيت الغيث إنك كنت غيثا     مريعا عند مرتاد النجاع

                                                                          .

                                                                          وقال سليمان بن قتة مولى بني تيم بن مرة ، وكان صديقا لأسد بن عبد الله :


                                                                          سقى الله بلخا حزن بلخ وسهلها     ومروي خراسان السحاب المجمما
                                                                          وما بي لتسقاه ولكن حفرة     بها غيبوا شلوا كريما وأعظما
                                                                          مراجم أقوام ومردي عظيمة     وطلاب أوتار عفرني عثمثما
                                                                          لقد كان يعطي السيف في الروع حقه     ويروي السنان الزاغبي المقوما

                                                                          .

                                                                          وزاد غيره بعد البيت الثالث :


                                                                          أبا ضاريات ما ترام غريبة     نفى الضيم عنه العز أن يتهضما

                                                                          .

                                                                          وقال أبو عبد الرحمن الطائي ، عن الضحاك بن زمل : كنا عند خالد بن عبد الله ، فبكى حتى اشتد نحيبه ، ثم قال : رحم الله أخي ، والله ما مشيت نهارا قط وهو معي إلا مشى خلفي ، ولا مشيت ليلا قط وهو معي إلا مشى بين يدي ، ولا علا بيته قط وأنا تحته .

                                                                          روى له النسائي في " خصائص علي " .

                                                                          [ ص: 512 ]

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية