الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الرابع : المناسبة والإخالة ، وتسمى تخريج المناط ، وهو تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة من ذاته ، لا بنص ولا غيره ، كالإسكار في التحريم ، والقتل العمد العدوان في القصاص .

            والمناسب : وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع مفسدة .

            [ ص: 111 ] فإن كان خفيا أو غير منضبط ، اعتبر ملازمه ، وهو المظنة ; لأن الغيب لا يعرف الغيب ، كالسفر للمشقة ، والفعل المقضي عليه عرفا بالعمد في العمدية .

            وقال أبو زيد : المناسب ما لو عرض على العقول تلقته بالقبول .

            التالي السابق


            ش - المسلك الرابع : المناسبة ، ويرادفها : الإخالة ، وتخريج المناط ، وهو عبارة عن تعيين العلة في الأصل بمجرد إبداء المناسبة من ذات الوصف ، لا تعيين العلة بنص وغيره ، كإجماع ، وذلك كتعيين الإسكار لتحريم الخمر بمجرد إبداء المناسبة من ذات الإسكار ، وكتعيين القتل العمد العدوان لوجوب القصاص بمجرد إبداء المناسبة من ذات القتل العمد العدوان .

            والأول مثال للعلة البسيطة ، والثاني للعلة المركبة . والمناسبة لغوية ، فلا يلزم دور .

            والمناسب : وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه - أي على ذلك الوصف - ما يصلح أن يكون مقصودا [ ص: 112 ] من حصول مصلحة ، أو دفع مفسدة .

            وقوله : " ظاهر منضبط " احتراز عن الوصف الخفي والغير المنضبط . وقوله : " ما يصلح أن يكون مقصودا " احتراز عن الوصف المستبقى في السبر ، وعن الوصف المدار في الدوران وعن غيرهما . وقوله : " من حصول مصلحة أو دفع مفسدة " بيان لقوله : ما يصلح .

            فإن كان الوصف خفيا ، أو غير منضبط ، اعتبر ملازمه ، وهو المظنة .

            وإنما لم يعتبر الخفي وغير المنضبط ; لأنه لا يجوز التعليل بكل منهما ; لأن كلا منهما غيب عن العقل للخفاء وعدم الضبط ، والغيب عن العقل لا يعرف الغيب عنه ، أعني الحكم .

            مثال المظنة : السفر للمشقة ، فإن المشقة ما لم تكن منضبطة ، اعتبر السفر الذي هو مظنتها ، ولم يعتبرها .

            والفعل الذي قضي عليه في العرف بالعمدية في الجناية العمدية ، فإن العمد لما كان خفيا ، اعتبر مظنته ، وهو الفعل المذكور ، والأول مثال لغير المنضبط ، والثاني للخفي .

            [ ص: 113 ] ومن الشارحين من جعل المظنة قسما من المناسب ، والظاهر من كلام المصنف هاهنا أنها قسيم للمناسب ، وقد جعلها المصنف قسيما للمناسب صريحا حيث بين أن العدم لا يجوز أن يكون علة للحكم الثبوتي .

            وقال أبو زيد الدبوسي من أصحاب أبي حنيفة : المناسب ، ما لو عرض على العقول السليمة ، تلقته بالقبول ، أي لو عرض على العقول السليمة أن هذا الحكم لأجل هذا الوصف ، تلقته بالقبول .




            الخدمات العلمية