الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 3770 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب إملاء ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا ، والمروة ليري المشركين قوته .

رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن عبدة .

[ ص: 493 ]

ورواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان .

وروينا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة وقد وهنتهم حمى يثرب ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ليري المشركين جلدهم ، وكان ذلك في عمرة القضية .

وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : فيم الرملان الآن ، والكشف عن المناكب ، وقد أظهر الله الإسلام ، ونفى الكفر وأهله ؟ ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروينا في بدء السعي بين الصفا ، والمروة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن إبراهيم عليه السلام جاء بأم إسماعيل وابنها إسماعيل عليه السلام ، وهي ترضعه [ ص: 494 ] فوضعها عند البيت ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل ، وقالت : يا إبراهيم! أين تذهب ؟ تتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ؟ قالت ذلك ثلاث مرات ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعنا ، ثم رجعت ، وانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهذه الدعوات ، ورفع يده وقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) الآية .

فجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب مرة من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ، وعطش ابنها ، وجاع ، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال : يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا ، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها وسعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ، فنظرت هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فلذلك سعي الناس بينهما " .

فلما أشرفت على المروة ، سمعت صوتا ، فقالت : صه - تريد نفسها - ثم تسمعت أيضا فسمعت فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم يبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وجعلت تغرف الماء في سقائها ، وهو يفور بقدر ما تغرف قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يرحم الله أم إسماعيل! لو تركت زمزم - أو قال : لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا " .

فشربت ، وأرضعت ولدها . وقال لها الملك : لا تخافي من الضيعة ، فإن هاهنا بيت (الله) يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله . . .
وذكر الحديث بطوله في بناء البيت وغيره .

وقد ذكرناه في الخامس من دلائل النبوة . [ ص: 495 ]

[ 3771 ] أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الحسن بن منصور ، حدثنا هارون بن يوسف ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن كثير بن كثير بن المطلب ، وأيوب - يزيد أحدهما على الآخر - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . . . فذكره .

وهو مخرج في كتاب البخاري بطوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية