الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وليس له أن يفتح في حائط جاره ، ولا الحائط المشترك روزنة ، ولا طاقا إلا بإذن صاحبه ) . يحرم عليه التصرف في ذلك حتى بضرب وتد ، ولا يحدث سترة . قال في الفروع : ذكره جماعة . وحمل القاضي قول الإمام أحمد رحمه الله " يلزم الشريك النفقة مع شريكه على السترة " على سترة قديمة انهدمت . واختار في المستوعب وجوبها مطلقا على نصه . فقال : وعندي أن السترة واجبة على كل حال على ما نص عليه من وجوبها .

فائدة : يلزم للأعلى بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل ، على الصحيح من [ ص: 262 ] المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . ونقله ابن منصور . وجزم به في المغني ، والشرح ، والمحرر ، والحاويين ، والرعاية الصغرى ، وتجريد العناية ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى . وهو من مفردات المذهب . وقيل : يشاركه الأسفل . وأما إذا تساويا ، فإن الممتنع يلزم بالمشاركة . قوله ( وليس له وضع خشبه عليه ) يعني على حائط جاره ، أو الحائط المشترك . ( إلا عند الضرورة ، بأن لا يمكنه التسقيف إلا به ) . إذا أراد أن يضع خشبه على جدار جاره ، أو الجدار المشترك ، فلا يخلو : إما أن يتضرر الحائط بذلك أو لا . فإن تضرر بذلك : منع بلا نزاع . وإن لم يتضرر فلا يخلو : إما أن يكون صاحب الخشب مستغنيا عن ذلك ، لإمكانه وضعه على غيره أو لا . فإن كان مستغنيا عن وضعه ، وأراد وضعه عليه : منع منه . على الصحيح من المذهب . نص عليه . قال المصنف ، والشارح : عليه أكثر الأصحاب . وقدمه في الفروع . وصححه في الرعاية ، وغيرها . وجزم به في الهداية . والمذهب ، والخلاصة ، والمستوعب ، والوجيز ، وغيرهم . وقال ابن عقيل : يجوز . وأطلق الإمام أحمد رحمه الله الجواز . وكذا صاحب المحرر وغيره . وإن لم يكن مستغنيا ، ودعت الضرورة إلى ذلك عند الأكثر وفي المغني ، والشرح : ودعت الحاجة إلى ذلك فالصحيح من المذهب : له وضعه عليه . نص عليه . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم . وهو من المفردات . فعلى هذا لا يجوز لرب الجدار منعه ، وإن منعه أجبره الحاكم . [ ص: 263 ] وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على عدم اعتبار إذنه في الوضع . ولو صالحه عنه بشيء جاز . قال في الرعاية : جاز في الأصح انتهى .

وقيل : لا يجوز له وضعه بغير إذنه . وخرجه أبو الخطاب من رواية المنع من وضعه على جدار المسجد . وهو قول المصنف . وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره ; لأن له في المسجد حقا . وحق الله مبني على المساهلة . وكذا قال في الهداية ، والمستوعب ، والحاويين .

فائدة : ذكر أكثر الأصحاب الضرورة ، مثل أن يكون للجار ثلاثة جدر ، وله جدار واحد . منهم القاضي . وابن عقيل . وجزم به في المستوعب . والرعاية . وقال المصنف ، والشارح : وليس هذا في كلام الإمام أحمد رحمه الله ، إنما قال في رواية أبي داود " لا يمنعه إذا لم يكن ضرر ، وكان الحائط يبقى " ولأنه قد يمتنع التسقيف على حائطين ، إذا كانا غير متقابلين ، أو كان البيت واسعا يحتاج أن يجعل فيه جسرا ، ثم يضع الخشب على ذلك الجسر . قال المصنف : والأولى اعتباره بما ذكرنا ، من امتناع التسقيف بدونه . ولا فرق فيما ذكرنا بين البالغ واليتيم والعاقل والمجنون .

تنبيه : ظاهر قوله ( وعنه ليس له وضع خشبه على جدار المسجد ) . أن المقدم : جواز وضعه عليه . وهو ظاهر ما قدمه في الحاويين . وهو إحدى الروايتين أو الوجهين . وهو المذهب عند ابن منجى في شرحه . وجزم به في المنور . وهو احتمال في المذهب . والرواية الأخرى : ليس له وضعه على جدار المسجد ، وإن جاز وضعه على جدار غيره . وهي التي ذكرها المصنف هنا . واختارها أبو بكر . وأبو محمد الجوزي . [ ص: 264 ] وصححه في الرعايتين . وجزم به في الخلاصة . وقدمه في المذهب . وأطلقهما في التلخيص ، والشرح ، والمحرر ، والفروع ، والفائق ، والكافي .

فوائد : إحداها : لو كان له حق ماء يجري على سطح جاره : لم يجز له تعلية سطحه ليمنع الماء . ذكره ابن عقيل ، وغيره . وليس له تعليته لكثرة ضرره . الثانية : يجوز له الاستناد إلى حائط جاره وإسناد قماشه إليه . وذكر في النهاية في منعه احتمالين . وله الجلوس في ظله ، ونظره في ضوء سراجه . ونقل المروذي : يستأذنه أعجب إلي . فإن منعه حاكمه . ونقل جعفر قيل له : أيضعه ، ولا يستأذنه ؟ قال : نعم ، إيش يستأذنه ؟ ، . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة : لا يصح أن يرد عليها عقد بيع وإجارة اتفاقا ، كمسألتنا . . الثالثة : لو ملك وضع خشبه على حائط . فزال لسقوطه ، أو قلعه أو سقوط الحائط ، ثم أعيد . فله إعادة خشبه إن حصل له ضرر بتركه ولم يخش على الحائط من وضعه عليه ، وإن خيف سقوط الحائط بعد وضعه عليه : لزمه إزالته .

التالي السابق


الخدمات العلمية