الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( الحكم الثالث : بيع الحاكم ماله ) . يعني إن كان من غير جنس الدين ( وقسم ثمنه ) . [ ص: 303 ] يعني يجب ذلك على الحاكم . ويكون على الفور . قوله ( وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء ) يعني يستحب . ذكره الأصحاب قوله ( ويبيع كل شيء في سوقه ) بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر . ذكره الشيخ تقي الدين وغيره . واقتصر عليه في الفروع . قوله ( ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته : من مسكن ) بلا نزاع . لكن إن كان واسعا يفضل عن سكنى مثله : بيع ، واشتري له مسكن مثله . ولابن حمدان احتمال : أن من ادان ما اشترى به مسكنا : أنه يباع ، ولا يترك له . انتهى .

ولو كان المسكن عين مال بعض الغرماء : أخذه بالشروط المتقدمة . قوله ( وخادم ) بلا نزاع . لكن بشرط أن لا يكون نفيسا . وكذا المسكن . نص عليهما .

فائدة :

يترك له أيضا آلة حرفة . فإن لم يكن صاحب حرفة : ترك له ما يتجر به . نص عليه . وجزم به ناظم المفردات ، وغيره ، وهو منها . وقال في الموجز ، والتبصرة : ويترك له أيضا فرس يحتاج إلى ركوبها . وقال في الروضة : يترك له دابة يحتاجها . ونقل عبد الله : يباع الكل إلا المسكن ، وما يوازيه من ثياب وخادم يحتاجه .

تنبيه :

مراد المصنف وغيره بترك المسكن والخادم وغيرهما : إذا لم يكن عين مال الغرماء . [ ص: 304 ] وأما إن كان عين ما لهم : فإنه لا يترك له منه شيء ، ولو كان محتاجا إليه . جزم به في المغني ، والشرح ، وغيرهما . وهو واضح . فكلامهم هنا مخصوص بما تقدم . قوله ( وينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه ) يعني : عليه وعلى عياله . ومن النفقة : كسوته وكسوة عياله . وهذا الصحيح من المذهب مطلقا . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع . وغيره . وقال المصنف ، والشارح : محل هذا إذا لم يكن له كسب . وأما إن كان يقدر على التكسب : لم يترك لهم شيء من النفقة . وقطعا به . وهو قوي .

فائدة :

لو مات جهز من ماله كنفقة . قاله في الفائق وغيره . قوله ( ويعطي المنادي ) يعني ونحوه ( أجرته من المال ) والمراد : إذا لم يوجد متطوع . وهذا المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . منهم ابن عقيل . وجزم به في المحرر ، والوجيز ، والمنور ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، والرعاية الصغرى ، والفروع ، والفائق وغيرهم . وقيل : إنما يعطي من بيت المال إن أمكن ; لأنه من المصالح . جزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، وإدراك الغاية . وقدمه في التلخيص ، والرعاية الكبرى . قال في الحاويين : وحق المنادي من الثمن ، إن فقد من يتطوع بالنداء وتعذر من بيت المال . وقدمه في التلخيص ، والرعاية الكبرى . قال في الفائق : وأجرة المنادي : من الثمن ، إن فقد المتطوع . وقيل : من بيت المال إن تعذر . وقال ابن عقيل : هي من مال المفلس ابتداء . انتهى .

[ ص: 305 ] وفي القول الثاني : نظر . ولعل النسخة مغلوطة .

تنبيه :

مراده بقوله ( ويبدأ بالمجني عليه ) إذا كان الجاني عبدا لمفلس بدليل قوله ( فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني ) . سواء كانت الجناية عليه قبل الحجر أو بعده . جزم به في الفروع وغيره . وأما إن كان الجاني هو المفلس فالمجني عليه أسوة الغرماء . لأن حقه متعلق بالذمة . قوله ( ثم بمن له رهن . فيختص بثمنه ) ظاهره : إنه سواء كان الرهن لازما أو لا . وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والمغني ، والشرح ، والوجيز ، وغيرهم . قال في الفروع : ولم يقيده جماعة باللزوم . والصحيح من المذهب : أنه لا يختص بثمنه إلا إذا كان لازما . قدمه في الفروع . وعنه : إذا مات الراهن أو أفلس ، فالمرتهن أحق به . ولم يعتبر وجود قبضه بعد موته أو قبله . وقال في الفائق : ثم يختص من له رهن بثمنه . في أصح الوجهين . وقال في الرعاية الصغرى : يختص بثمن الرهن ، على الأصح . فحكى الخلاف روايتين . وذكرهما ابن عقيل وغيره في صورة الموت ; لعدم رضاه بذمته ، بخلاف موت بائع وجد متاعه .

وقال في الرعاية الكبرى بعد أن قدم المذهب وعنه : أنه بعد الموت أسوة الغرماء مطلقا . قوله ( فإن فضل له فضل : ضرب به مع الغرماء . وإن فضل منه فضل : رد على المال ) [ ص: 306 ] وتقدم : أن الفاضل يرد على المال . على الصحيح من المذهب . كما جزم به هنا ، وأن القاضي اختار : أن بائعه أحق بالفاضل . وله الرجوع فيه . قوله ( ثم بمن له عين مال يأخذها ) يعني بالشروط المتقدمة . وكلامه هنا أعم . فيدخل عين القرض ، ورأس مال السلم ، وغيرهما . كما تقدم . وكذا المستأجر من المفلس أحق بالمنافع مدة الإجارة من بقية الغرماء ، على ما تقدم قريبا . قوله ( ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم . فإن كان فيهم من له دين مؤجل : لم يحل ) هذا إحدى الروايات . وهو المذهب . قال الزركشي : هذا المذهب المشهور . قال ابن منجى في شرحه : هذا المذهب . وهو أصح .

قال القاضي : لا يحل الدين بالفلس . رواية واحدة . قال في التلخيص : لا يحل الثمن المؤجل بالفلس ، على الأصح . قال في الخلاصة : وإن كان له دين مؤجل لم يشارك على الأصح . وقدمه في المستوعب ، والكافي ، والمغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاويين ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وجزم به في العمدة وغيره . وعنه : يحل . ذكرها أبو الخطاب . قال ابن رزين : وليس بشيء . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب . وعنه لا يحل إذا وثق برهن ، أو كفيل مليء ، وإلا حل . نقلها ابن منصور . فمتى قلنا : يحل ، فهو كبقية الديون الحالة . ومتى قلنا : لا يحل ، لم يوقف لربه شيء ، ولا يرجع على الغرماء به إذا حل . [ ص: 307 ] لكن إن حل قبل القسمة شارك الغرماء . وإن حل بعد قسمة البعض شاركهم أيضا . وضرب بجميع دينه وباقي الغرماء ببقية ديونهم . قاله الزركشي وغيره من الأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية