الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 28 ] المبحث الرابع: اشتراط الرجوع في العمرى

        إذا أعمر شخص آخر شيئا ما، واشترط رجوع العين التي أعمرها إلى ملكه بعد موت المعمر بأن يقول مثلا: لك عمرك فإذا مت أنت فهي رد علي، أو يقول: هي لك عمري، فإذا مت أنا فهي رد على ورثتي.

        فهل هذا شرط صحيح نافذ، أو أنه شرط باطل؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

        القول الأول: أنه شرط صحيح، وعلى هذا فليس للمعمر أن يتصرف برقبة العين المعمرة ببيع أو هبة، وغير ذلك، وإنما يتصرف في منفعتها فقط، وإن كانت أمة فليس له وطؤها، وإذا مات المعمر رجعت هذه العين إلى صاحبها إن كان حيا، أو لورثته إن كان ميتا.

        وبه قال المالكية، وبعض الشافعية، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وبه قال القاسم بن محمد، وزيد بن قسيط، والزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن أبي ذئب، [ ص: 29 ] وبه قال داود الظاهري.

        القول الثاني: أنه شرط باطل، وعلى هذا فللمعمر أن يتصرف في العين المعمرة بما شاء من بيع أو هبة، أو غير ذلك.

        وهذا هو قول الحنفية، وهو قول الشافعي في الجديد، وهو الأصح عند الشافعية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة، وبه قال بعض الظاهرية.

        الأدلة:

        استدل أصحاب القول الأول بما يلي:

        1- قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .

        والأمر بإيفاء العقد يتضمن إيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه.

        (241) 2- ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "إنما العمرى التي أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها".

        وجه الاستدلال من هذا الحديث: هو أنه صريح في صحة اشتراط رجوع [ ص: 30 ] العمرى إلى صاحبها بعد موت المعمر، وهذا لا يكون في تمليك الرقاب، وإنما يكون في تمليك المنافع.

        ونوقش الاستدلال بهذا الحديث:

        بأن قوله: "فأما إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها" هو من كلام جابر نفسه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

        ويحتمل أن يكون مدرجا من كلام الزهري; لأنه روي عن جابر من طرق أخرى وليس فيه قوله: "فأما إذا قال..." إلخ.

        الجواب عن هذه المناقشة:

        يجاب عن قولهم: بأن قوله: "فأما إذا قال... هو من كلام جابر... " وجابر -رضي الله عنه- أعلم بمعنى ما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وهذا منه تفسير لما رواه، فيتعين الأخذ به.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية