الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 283 ] المسألة السابعة: معاوضة المريض مرض الموت:

        المريض غير ممنوع عن المعاوضة; لأنه كامل الأهلية، ومن حقه أن يبيع ويشتري ويعقد الصفقات، قال الباجي: "وله أن يتصرف في ماله بالبيع والشراء; لأن حق الورثة لم يتعلق بعين المال، وإنما تعلق بمقداره".

        وقال: "إذا ثبت أن حكم الحجر يلحق المريض في ثلثي ماله لحق الورثة، فقد قال القاضي أبو محمد في معونته: إنه يتعلق به حكم الحجر فيما زاد على قدر حاجته من الإنفاق في الأكل والكسوة والتداوي والعلاج، وشراء ما يحتاج إليه من الأشربة والأدوية وأجرة الطبيب، ومنع السرف وما خرج عن العادة".

        وفيها أمور:

        الأمر الأول: المعاوضة مع الوارث بثمن المثل.

        إذا باع المريض مرض الموت عينا من أعيان ماله لوارث بثمن المثل، ونحو ذلك، فللعلماء قولان في حكم تصرفه:

        القول الأول: ينفذ بيع المريض لوارث إذا لم يكن فيه محاباة من رأس المال، ولا يتوقف على إجازة الورثة.

        وهو قول أبي يوسف، ومحمد، وهو قول المالكية ، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، وهي الصحيح من المذهب. [ ص: 284 ]

        وحجته:

        1- قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا .

        وهذا يشمل بيع المريض لوارث إذا لم تكن محاباة.

        2- أن الأصل في العقود الصحة.

        3- أنه ليس في تصرفه إبطال حق الورثة عن شيء مما يتعلق حقهم به وهو المالية، فكان الوارث والأجنبي فيه سواء.

        4- أن هذا التصرف لا تبرع فيه ولا تهمة; لأنه بيع بثمن المثل .

        القول الثاني: أنه موقوف على رضا الورثة.

        وهو قول لأبي حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.

        وحجته:

        1- تعلق حق الورثة بمال المريض.

        2- أن للناس في الأعيان أغراضا خاصة، فالمحاباة كما تكون بالتنازل عن بعض المال تكون بتخصيص الوارث بعين من الأعيان.

        القول الثالث: لا يجوز بيعه لوارث، وإن كان بثمن المثل.

        وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، وذكره صاحب الإنصاف من الحنابلة [ ص: 285 ] احتمالا، وقال: هو لأبي الخطاب.

        وحجته:

        1- أن المريض آثر بعض ورثته بعين من أعيان ماله، وهو محجور عليه لحق سائر الورثة، فلا يجوز كما في الوصية له.

        2- أن حق الورثة متعلق بعين المال، كما هو متعلق بماليتها فيما بينهم، فكما لو قصد إيثار البعض بشيء من المالية رد عليه قصده، فكذلك إذا قصد إيثاره بالعين.

        ونوقش هذان الدليلان من وجهين:

        الوجه الأول: أن حق الورثة يتعلق بمالية التركة لا بعينها.

        الوجه الثاني: أن تصرفه بالبيع من الوارث بمثل القيمة ليس فيه إبطال لحق الورثة من شيء تعلق به حقهم; إذ قد انتقل حقهم هنا إلى الثمن.

        سبب الخلاف:

        هو هل حق الورثة متعلق بعين التركة أو بماليتها؟

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه أصحاب القول الأول: أنه ينفذ بيع المريض إذا لم يكن محاباة من رأس المال; وذلك لأن الحجر على المريض يكون فيما فيه ضرر على الورثة، وبيعه بثمن المثل ليس فيه ضرر على أحد، وحق الورثة يتعلق حينئذ بالثمن لقيامه مقام العين المبيعة، لكن إذا كان لهذه العين خصوصية فيتوجه التوقف على إذن الورثة، والله أعلم.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية