الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          1216 (ع) : الحسن بن أبي الحسن واسمه يسار [ ص: 96 ] البصري ، أبو سعيد ، مولى زيد بن ثابت ، ويقال : مولى جابر بن عبد الله ، ويقال : مولى جميل بن قطبة بن عامر بن حديدة ، ويقال : مولى أبي اليسر ، وأمه خيرة مولاة أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          قال محمد بن سعد : واسم أبي الحسن يسار ، يقال : إنه من سبي ميسان ، وقع إلى المدينة ، فاشترته الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك ، فأعتقته ، وذكر عن الحسن أنه قال : كان أبواي لرجل من بني النجار ، فتزوج امرأة من بني سلمة ، فساقهما [ ص: 97 ] إليها من صداقها فأعتقتهما ، وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب ، فيذكرون أن أمه كانت ربما غابت فيبكي ، فتعطيه أم سلمة ثديها ، تعلله به إلى أن تجيء أمه ، فدر عليه ثديها فشربه ، فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك .

                                                                          ونشأ الحسن بوادي القرى ، وكان فصيحا .

                                                                          رأى علي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، وعائشة ، ولم يصح له سماع من أحد منهم ، وحضر يوم الدار ، وله أربع عشرة سنة ، وكان كاتبا للربيع بن زياد الحارثي ، والي خراسان من جهة عبد الله بن عامر ، في عهد معاوية بن أبي سفيان ، وكان له من الإخوة : سعيد بن أبي الحسن ، وعمار بن أبي الحسن ، وكان عمار من البكائين ، حتى صار في وجهه جحران من البكاء فيما ذكر عمرو بن علي .

                                                                          روى عن : أبي بن كعب (ع) ولم يدركه ، وأحمر بن جزء السدوسي (دق) ، والأحنف بن قيس (خ م ق) ، وأسامة بن زيد الكلبي (س) ، على خلاف فيه ، والأسود بن سريع (س) ، وأسيد بن المشمس (ق) ، وأنس بن حكيم الضبي (دق) ، وأنس بن مالك (ع) ، وثوبان (س) ، ولم يلقه ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (ع) ، وجارية بن قدامة التميمي (عس) ، وجندب بن عبد الله البجلي (خ م ت س ق) ، وجندب الخير الأزدي قاتل الساحر (ت) ، وحريث بن قبيصة (ت س) ، ويقال : قبيصة بن [ ص: 98 ] حريث (د س ق) ، وأبي ساسان حطين بن المنذر الرقاشي (د س ق) ، وحطان بن عبد الله الرقاشي (م د ت س) ، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان (ت) ، ودغفل بن حنظلة النسابة (تم) ، والزبير بن العوام (س) ، وزياد بن رياح (م) ، وسعد بن عبادة ، مرسل (د س) ، وسعد بن هشام بن عامر الأنصاري (م د س) ، وسعد مولى أبي بكر الصديق (ق) ، وسلمة بن المحبق (د س ق) ، وسمرة بن جندب الفزاري (خ ع) ، وصعصعة بن معاوية التميمي (بخ س ق) ، عم الأحنف بن قيس ، وضبة بن محصن العنزي (م د ت) ، وعائذ بن عمرو المزني (م) ، وعبد الله بن عباس (د ت س) ، وعبد الله بن عثمان الثقفي (د س) ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (س ق) ، وعبد الله بن عمرو بن العاص (س) ، وأبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (س ق) ، وعبد الله بن مغفل المزني (ع) ، وعبد الرحمن بن سمرة القرشي (ع) ، وعتبة بن غزوان (ت) ، وعتي بن ضمرة السعدي (بخ ت س ق) ، وعثمان بن أبي العاص الثقفي (د ت ق) ، وقيل : لم يسمع منه ، وعثمان بن عفان (بخ ق) ، وعقبة بن عامر الجهني (د س ق) ، وعقيل بن أبي طالب (س ق) ، وأخيه علي بن أبي طالب (ت س) ، وعمار بن ياسر (د) ، ولم يسمع منه ، وعمر بن الخطاب (د) ، ولم يدركه ، وعمرو بن تغلب (خ س ق) ، وعمرو بن العاص (س) ، وعمران بن الحصين (د ت س) ، وقيس بن عاصم المنقري (بخ) ، وقيس بن عباد (د س) ، ومطرف بن [ ص: 99 ] عبد الله بن الشخير (س ق) ، ومعاوية بن أبي سفيان (س) ، ومعقل بن سنان الأشجعي (س) ، وقيل : لم يسمع منه ، ومعقل بن يسار المزني (ع) ، والمغيرة بن شعبة (د) ، وأبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي ، والنعمان بن بشير (س) ، وأبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي (خ ع) ، ونفيع أبي رافع الصائغ (خ م د س ق) ، والهياج بن عمران البرجمي (د) ، وأبي هريرة (خ ع) وقيل : لم يسمع منه ، وابن المغيرة بن شعبة (م) ، وأمه أم الحسن خيرة (م ع) .

                                                                          روى عنه : أبان بن صالح (ق) ، وأبان بن أبي عياش ، وأبان بن يزيد العطار ، وإسحاق بن الربيع (ق) أخو حمزة العطار ، وأبو موسى إسرائيل بن موسى (خ س) ، وإسماعيل بن مسلم العبدي ، وإسماعيل بن مسلم المكي (ت ق) ، وأشعث بن براز الهجيمي البصري ، وأشعث بن سوار المكي (ت ق) ، وأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني الأعمى (ع) ، وأشعث بن عبد الملك الحمراني (خت ع) ، وإياس بن دغفل الحارثي (د) ، وأيوب السختياني (خ م س) ، وبريد بن أبي مريم السلولي (سي) ، وبسطام بن مسلم العوذي (ل) ، وبشير بن المهاجر (س) ، وبكر بن عبد الله المزني (م د ت س) ، وتمام بن نجيح الأسدي (ت) ، وثور بن زيد المدني (د) ، وجرير بن حازم (خ م) ، وأبو الأشهب جعفر بن حيان العطاردي (خ م مد فق) ، وحبيب بن الشهيد (خ ت س) ، وحبيب المعلم (مد) ، وحريث بن السائب (بخ مد ت) ، وحزم بن أبي حزم القطعي (خ) ، والحسن بن [ ص: 100 ] دينار ، والحسن بن ذكوان ، وحصين بن نافع (س) ، وحفص بن سليمان المنقري (بخ) ، وحكيم الأثرم (س) ، وأبو غسان حكيم بن عبد الرحمن البصري ، وحمزة بن دينار (قد) ، وأبو عمارة حمزة بن نجيح (بخ) ، وحميد الطويل (م د) ، وحوشب بن عقيل ، وحوشب بن مسلم ، وأبو خلدة خالد بن دينار (قد) ، وخالد بن عبد الرحمن بن بكير ، وخالد بن مهران الحذاء (م) ، والخصيب بن زيد (مد) ، والخليل بن عبد الله (ت) ، وخيثمة بن أبي خيثمة البصري (ت) ، وداود بن أبي هند (م) ، والربيع بن صبيح (خت ت) ، والربيع بن عبد الله بن خطاف (بخ) ، وربيعة بن كلثوم ، وزياد بن أبي زياد الجصاص (ت) ، وزياد الأعلم (خ د س) ، وزيد بن درهم (قد) والد حماد بن زيد ، وزيد التميمي (عخ) ، وسالم الخياط المكي (ت ق) ، والسري بن يحيى الشيباني (بخ س) ، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (ق) ، وسعيد بن إياس الجريري (ق) ، .وسعيد بن أبي خيرة (د س ق) ، وسالم بن أبي الذيال (بخ) ، وسليمان التيمي (م) ، وسماك بن حرب (خت) ، وسماك بن عطية (خت م) ، وسهل بن أبي الصلت السراج (قد) ، وأبو قزعة سويد بن حجير (س) ، وسلام بن مسكين (مد) ، وشبيب بن شيبة المنقري (ت) ، وشعيب بن الحبحاب ، وشميط بن عجلان ، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي (م) ، وصالح بن رستم أبو عامر الخزاز (ق) ، والصعق بن حزن [ ص: 101 ] (مد) ، وضابي بن عمرو البصري ، وطارق بن أبي الحسناء (قد) ، وطالوت بن أبي الحجاج القرشي ، وطريف أبو سفيان السعدي ، وأبو سفيان طلحة بن نافع ، وعباد بن راشد (خ د س ق) ، وعباد بن ميسرة المنقري (س فق) ، وعبد الله بن جابر البصري (ت) ، وأبو حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان (بخ) ، وعبد الله بن عون (خ م ق) ، وعبد الحميد بن مهران (ت) ، وعبد السلام بن أبي الجنوب (ق) ، وعبد العزيز بن مهران (ت) ، وعبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي (قد فق) ، وعبيد بن مهران الوزان (سي) ، وعبيد الصيد (قد) ، وعثمان البتي (ت) ، وعذافر البصري (مد) ، وعطاء بن السائب (س) ، وعقبة بن خالد العبدي ، وعلي بن زيد بن جدعان (ت س) ، وعلي بن علي الرفاعي (ت ق) ، وعمارة بن زاذان الصيدلاني ، وعمر بن سليم الباهلي (مد) ، وعمرو بن عبيد (قد فق) ، وعمران القصير (مد) ، وعنبسة بن سعيد البصري (د) ، وعوف الأعرابي (خ ت س ق) ، والعلاء بن خالد القرشي (ق) ، والعلاء بن زياد العدوي (س) ، والعلاء بن عبد الله بن بدر (قد) ، وغالب القطان ، والفضل بن دلهم (د ت ق) ، وقتادة بن دعامة (ع) ، وقرة بن خالد (خ د) ، وكثير بن زياد البرساني (مد) ، وليث أبو المشرقي الواسطي ، ومالك بن دينار ، ومبارك بن فضالة (خت قد ت ق) ، ومحرز (مد) ، ومحمد بن الزبير [ ص: 102 ] الحنظلي (س) ، وأبو هلال محمد بن سليم الراسبي (بخ) ، وأبو رجاء محمد بن سيف الأزدي (مد س) ، وأبو فروة مسلم بن سالم الجهني (س) ، ومطر الوراق (م س) ، ومعاوية بن عبد الكريم الضال (خت) ، ومعبد بن هلال (خ م) ، والمعلى بن زياد (خت م دس) ، ومنصور بن زاذان (بخ م ع) ، ومنصور بن عبد الرحمن الغداني (قد) ، ومنصور بن المعتمر (س) ، والمهلب بن أبي حبيبة البصري (د س) ، وميمون بن موسى المرئي (ت ق) ، ونوح بن ذكوان (ت) ، وهشام بن حسان (ع) ، وأبو المقدام هشام بن زياد (ت) ، والهياج بن بسام (بخ) ، وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري (م ق س) ، والوليد بن دينار العبدي (بخ) ، والوليد بن أبي هشام (س) ، وابن أخيه يحيى بن سعيد بن أبي الحسن ، ويحيى بن عتيق (خت) ، ويحيى بن المختار الصنعاني (س) ، ويحيى بن مسلم (ت) ، ويزيد بن إبراهيم التستري (فق) ، ويزيد بن حازم أخو جرير بن حازم ، وأبو الفتاح يزيد بن حميد الضبعي ، ويوسف بن عبدة (بخ) ، ويونس بن أبي إسحاق (خد) ، ويونس بن عبيد (ع) ، وأبو ربيعة الإيادي (ت) ، وأبو سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز (مد) ، وأبو طارق البصري (ت) ، وأبو عثمان (مد) ، وأبو هاشم الزعفراني (قد) .

                                                                          قال موسى بن إسماعيل : سألت محمد بن عبد الله [ ص: 103 ] الأنصاري ، قلت : الحسن من أين كان أصله ؟ قال : من ميسان .

                                                                          وقال عبد السلام بن مطهر ، عن غاضرة بن قرهد العوقي : كان أبو الحسن بن أبي الحسن ، مولى أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري ، وكانت أمه مولاة لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال أبو الحسن المدائني : قال الحسن : كان أبي وأمي لرجل من بني النجار ، فتزوج امرأة من بني سلمة ، فساق أبي وأمي في مهرها ، فأعتقتنا السلمية .

                                                                          وقال إسماعيل ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن : قال لي الحجاج : كم أمدك يا حسن ؟ قلت : سنتان من خلافة عمر ، قال : لعينك أكبر من أمدك .

                                                                          وقال محمد بن سلام الجمحي : حدثنا أبو عمرو الشعاب بإسناد له ، قال : كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تبعث أم الحسن في الحاجة ، فيبكي وهو صبي ، فتسكته بثديها ، قال : وكانت أم سلمة [ ص: 104 ] تخرج الحسن إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو صغير ، وكانت أمه منقطعة إليها ، فكانوا يدعون له ، فأخرجته إلى عمر بن الخطاب ، فدعا له ، فقال : اللهم فقهه في الدين ، وحببه إلى الناس .

                                                                          وقال عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن أمه : أنها كانت ترضع لأم سلمة .

                                                                          وقال حماد بن زيد ، عن عقبة بن أبي ثبيت الراسبي : كنت عند بلال بن أبي بردة ، فذكروا الحسن ، فقال بلال : سمعت أبي يقول : والله لقد أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فما رأيت أحدا أشبه بأصحاب محمد من هذا الشيخ ، يعني : الحسن .

                                                                          وقال جرير بن حازم ، عن حميد بن هلال : قال لنا أبو قتادة : الزموا هذا الشيخ ، فما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر بن الخطاب منه يعني : الحسن .

                                                                          وقال أبو هلال الراسبي ، عن خالد بن رباح الهذلي : سئل أنس بن مالك عن مسألة ، فقال : سلوا مولانا الحسن ، قالوا : يا أبا حمزة نسألك ، تقول : سلوا الحسن مولانا ؟ ، قال : سلوا مولانا الحسن ، فإنه سمع وسمعنا ، فحفظ ونسينا .

                                                                          وقال القاسم بن الفضل الحداني ، عن عمرو بن مرة : إني [ ص: 105 ] لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين : الحسن ومحمد بن سيرين .

                                                                          وقال موسى بن إسماعيل ، عن المعتمر بن سليمان : كان أبي يقول : الحسن شيخ أهل البصرة .

                                                                          وقال عبد الرزاق ، عن معمر : قال لي عمرو بن دينار : أبو الشعثاء عندكم أعلم أو الحسن ؟ قال : قلت : ما تقول ! ؟ إن من عندنا يزعم أن الحسن أعلم من ابن عباس ، قال : وهل كان الحسن إلا من صبيان ابن عباس ؟ قال : فقلت : وهل كان أبو الشعثاء إلا من صبيان الحسن ! ؟ قال : وما هو عندنا بأعلم منه .

                                                                          قال عبد الرزاق : فقلت لمعمر : أفرطت ، قال : إنه أفرط فأفرطت .

                                                                          وقال همام بن يحيى ، عن مطر الوراق : كان رجل أهل البصرة جابر بن زيد ، فلما ظهر الحسن جاء رجل كأنما كان في الآخرة ، فهو يخبر عما رأى وعاين .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن الأصبغ بن زيد : سمعت العوام بن حوشب يقول : ما أشبه الحسن إلا بنبي أقام في قومه ستين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل .

                                                                          وقال عبيد الله بن عمر القواريري ، عن هشيم : أخبر مجالد عن الشعبي ، قال : ما رأيت الذي كان أسود من الحسن ، قال : [ ص: 106 ] فلما فرغ هشيم من الحديث . قال : لا أعلمه إلا مجالد .

                                                                          وقال أيضا عن هشيم : أخبرنا الأشعث بن سوار ، قال : أردت أن أقدم البصرة لألقى الحسن ، فأتيت الشعبي فسألته . فقلت : يا أبا عمرو إني أريد أن آتي البصرة ، قال : وما تصنع بالبصرة ؟ قلت : أريد أن ألقى الحسن فصفه لي ، قال : نعم ، أنا أصفه لك : إذا دخلت البصرة ، فادخل مسجد البصرة ، فارم ببصرك ، فإذا رأيت في المسجد رجلا ليس في المسجد مثله ، أو لم تر مثله ، فهو الحسن ، قال الأشعث : فأتيت مسجد البصرة ، فما سألت عن الحسن أحدا حتى جلست إليه بنعت الشعبي .

                                                                          وقال محمد بن فضيل ، عن عاصم الأحول : قلت للشعبي : لك حاجة ؟ قال : نعم ، إذا أتيت البصرة فأقرئ الحسن مني السلام .

                                                                          قلت : ما أعرفه ، قال : إذا دخلت البصرة فانظر إلى أجمل رجل تراه في عينيك ، وأهيبه في صدرك ، فأقرئه مني السلام ، قال : فما عدا أن دخل المسجد فرأى الحسن ، والناس حوله جلوس ، فأتاه وسلم عليه .

                                                                          وقال موسى بن إسماعيل ، عن عاصم بن سيار الرقاشي : أخبرتني أمة الحكم ، قالت : كان الحسن يجيء إلى حطان بن عبد الله الرقاشي ، فما رأيت شابا قط كان أحسن وجها منه .

                                                                          وقال موسى أيضا : حدثنا جرثومة أبو محمد مولى بلال بن أبي بردة ، قال : رأيت الحسن يصفر لحيته في كل جمعة ، أرى أثر الصفرة في يده ولحيته .

                                                                          [ ص: 107 ] وقال قريش بن حيان العجلي ، عن عمرو بن دينار : سمعت قتادة يقول : ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء ، إلا وجدت له فضلا عليه ، غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء ، كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله .

                                                                          وقال أبو عوانة عن قتادة : ما جالست فقيها قط ، إلا رأيت فضل الحسن عليه .

                                                                          وقال جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار : لقيت معبدا الجهني بمكة ، فقال : لقيت العلماء ، ولقيت الناس فلم أر مثل الحسن .

                                                                          وقال عبيد الله بن عمر القواريري ، عن حاتم بن وردان : كنا عند أيوب فسأله رجل عن حديث من حديث الحسن في كذا وكذا ، ثم ضحك فغضب أيوب غضبا ما رأيته غضب مثله ، قال : مم ضحكت ؟ قال : لا شيء يا أبا بكر ، قال : ما ضحكت لخير ، ثم قال أيوب : إنه والله ما رأت عيناك رجلا قط كان أفقه من الحسن .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن المبارك ، عن حماد بن زيد : سمعت أيوب يقول : كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج ما يسأله عن مسألة هيبة له .

                                                                          وقال غالب القطان ، عن بكر بن عبد الله المزني : من سره أن [ ص: 108 ] ينظر إلى أعلم عالم أدركناه في زمانه ، فلينظر إلى الحسن ، فما أدركنا الذي هو أعلم منه ليتمنين الذي رآه أنه ازداد من علمه ، والذي لم يره أنه رآه .

                                                                          وقال يحيى بن أيوب المقابري ، عن معاذ بن معاذ : قلت للأشعث : قد لقيت عطاء ، وعندك مسائل ، أفلا سألته ؟ قال : ما لقيت أحدا - يعني بعد الحسن - إلا صغر في عيني .

                                                                          وقال موسى بن إسماعيل عن أبي هلال : كنا في بيت قتادة ، فجاء الخبر أن الحسن توفي ، فقلت : لقد كان غمس في العلم غمسته ، فقال قتادة : لا والله ، ولكن نبت فيه وتحقبه وتشربه ، لا والله لا يبغض الحسن إلا حروري .

                                                                          وقال موسى أيضا ، عن سلام بن مسكين : سمعت عمران ، قال : قل ما كانا يختلفان في الفتيا ، وفي الشيء - يعني : الحسن وسعيد بن المسيب - .

                                                                          وقال موسى أيضا : حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال للحسن : ما تفتي به الناس شيء [ ص: 109 ] سمعته ، أو شيء تقوله برأيك ؟ قال : لا ، والله ما كل ما نفتي به سمعناه ، ولكن رأينا خير لهم .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن أبي همام سعد بن الحسن ، قدم أبو سلمة بن عبد الرحمن البصرة ، فلما رأى تعظيم أهل البصرة للحسن ، قال : يا أبا سعيد إني أرى قوما - يعني أنهم يأخذون برأيه - فاتق رأيك .

                                                                          وقال محمد بن سلام الجمحي ، عن عبد الله بن عمر الصبيري : قال يونس بن عبيد : إن كان الرجل ليرى الحسن لا يسمع كلامه ، ولا يرى عمله ، فينتفع به .

                                                                          وقال الجمحي أيضا ، عن همام ، عن قتادة : يقال : ما خلت الأرض من سبعة رهط ، يسقون ، وبهم يدفع عنهم ، قال قتادة : وإني أرجو أن يكون أحد السبعة .

                                                                          وقال أيضا ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة : ما أحد كان أكمل مروءة من الحسن .

                                                                          وعن حماد بن سلمة ، قال : قال يونس ، وحميد الطويل : رأينا الفقهاء فما رأينا أحدا أكمل مروءة من الحسن .

                                                                          وعن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، قال : سمعت من سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، [ ص: 110 ] وعروة بن الزبير ، ويحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، وأم جعدة أم هاني بنت أبي طالب فما رأيت فيهم مثل الحسن ، ولو أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله مثل أسنانهم ما تقدموه .

                                                                          وقال حماد بن زيد ، عن الحجاج بن أرطاة : سألت عطاء عن القراءة على الجنازة ، قال : ما سمعنا ولا علمنا أنه يقرأ عليها ، فقلت : إن الحسن يقول : يقرأ عليها ، قال : عليك بذاك ، ذاك إمام ضخم يقتدى به .

                                                                          وقال حماد بن زيد أيضا : سمعت يحيى بن عتيق يقول لأيوب ، - وذكر الحسن - : يا أبا بكر ، ازدرينا علماء الناس بالحسن إذا راضاهم .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن عبد الله بن شوذب ، قال : مطرف بن الشخير : لا أؤمن على دعاء من لا أعرفه ، إلا على دعاء الحسن فإني أثق به .

                                                                          وقال ضمرة أيضا ، عن رجاء بن أبي سلمة : سمعت يونس بن عبيد يقول : أما أنا فإني لم أر أقرب قولا من فعل الحسن .

                                                                          [ ص: 111 ] وقال الصلت بن مسعود ، عن إبراهيم بن سعد : سمعت خالد بن صفوان وسألوه : ألك علم بالحسن ؟ قال : أنا أهل خبرة به ، كانت داره ملعبي صغيرا ، ومجلسه مجلسي كبيرا ، قالوا : فما عندك فيه ؟ قال : كان أحد الناس ، وما رأيته زاحم على شيء من الدنيا قط .

                                                                          وقال زائدة بن قدامة ، عن هشام بن حسان ، قال الحسن : كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في بصره وتخشعه ولسانه ويده وصلاته وصلته وزهده ، قال : وكان الحسن يقول : لا تجالسوا أصحاب الأهواء ، ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم .

                                                                          وقال إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله ، فليس من يوم إلا أسمع منه ، ما لم أسمع قبل ذلك .

                                                                          وقال حماد بن زيد ، عن يزيد بن حازم : قام الحسن يوما من المسجد الجامع فذهب إلى أهله فاتبعه ناس ، فالتفت إليهم فقال : إن خفق النعال حول الرجال قل ما يلبث الحمقى .

                                                                          وقال جعفر بن سليمان : سمعت حوشبا يقول : سمعت الحسن يقول : والله يا ابن آدم ، لئن قرأت القرآن ، ثم آمنت به [ ص: 112 ] ليطولن في الدنيا حزنك ، وليشتدن في الدنيا خوفك ، وليكثرن في الدنيا بكاؤك .

                                                                          أخبرنا بذلك أحمد بن أبي الخير ، قال : أنبأنا القاضي أبو المكارم اللبان ، قال : أخبرنا أبو علي الحداد ، قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا علي بن مسلم ، قال : حدثنا سيار بن حاتم ، قال : حدثنا جعفر . فذكره .

                                                                          وبه : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري ، قال : ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن ، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة .

                                                                          وبه : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : حدثنا أبو حميد أحمد بن محمد الحمصي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد ، قال : انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين ، فأما الحسن بن أبي الحسن فما رأينا أحدا من الناس كان أطول حزنا منه ، وما كنا نراه إلا أنه حديث عهد بمصيبة ، ثم قال : نضحك ، ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا ، فقال : لا أقبل منكم شيئا ، ويحك يا ابن آدم هل لك بمحاربة الله طاقة ؟ إنه من عصى الله فقد حاربه ، والله لقد أدركت سبعين بدريا ، أكثر لباسهم الصوف ، لو رأيتموهم قلتم مجانين ، ولو رأوا [ ص: 113 ] خياركم لقالوا : ما لهؤلاء من خلاق ، ولو رأوا شراركم لقالوا : ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب ، والله لقد رأيت أقواما كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه ، ولقد رأيت أقواما يمسي أحدهم ولا يجد عنده إلا قوتا ، فيقول : لا أجعل هذا كله في بطني ، لأجعلن بعضه لله عز وجل ، فيتصدق ببعضه ، وإن كان هو أحوج ممن يتصدق به عليه .

                                                                          وبه : عن علقمة بن مرثد قال : لما ولي عمر بن هبيرة العراق . أرسل إلى الحسن وإلى الشعبي ، فأمر لهما ببيت ، وكانا فيه شهرا أو نحوه ، ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال : إن الأمير داخل عليكما ، فجاء عمر يتوكأ على عصا له ، فسلم ثم جلس مفطما لهما ، فقال : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إلي كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلكة ، فإن أطعته عصيت الله ، وإن عصيته أطعت الله ، فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا ؟ فقال الحسن : يا أبا عمرو أجب الأمير ، فتكلم الشعبي فانحط في حبل ابن هبيرة ، قال : ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : أيها الأمير ، قد قال الشعبي ما قد سمعت : قال : ما تقول أنت ؟ قال : أقول : يا عمر بن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله فظ غليظ لا يعصي الله ما أمره ، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، يا عمر بن هبيرة ، إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ، ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله ، يا عمر بن [ ص: 114 ] هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك نظرة مقت ، فيغلق بها باب المغفرة دونك ، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة كانوا والله عن الدنيا وهي مقبلة أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة ، يا عمر بن هبيرة إني أخوفك مقاما خوفك الله تعالى ، فقال : ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد يا عمر بن هبيرة ، إن تك مع الله في طاعته كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك ، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله ، وكلك الله إليه ، قال : فبكى عمر وقام بعبرته ، فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما ، فأكثر منها للحسن ، وكان في جائزة الشعبي بعض الإقتار ، فخرج الشعبي إلى المسجد فقال : يا أيها الناس ، من استطاع منكم أن يؤثر الله على خلقه فليفعل ، فوالذي نفسي بيده ما علم منه الحسن شيئا فجهلته ، ولكن أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه . قال : وقام المغيرة بن مخادش ذات يوم إلى الحسن فقال : كيف نصنع بأقوام يخوفوننا ، حتى تكاد قلوبنا تطير ؟ فقال الحسن : والله لئن تصحب أقواما يخوفونك حتى يدركك أمن ، خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف ، فقال له بعض القوم : أخبرنا صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فبكى ، ثم قال : ظهرت فيهم علامات الخير في السيماء والسمت والصدق ، وحسنت [ ص: 115 ] ملابسهم بالاقتصاد ، وممشاهم بالتواضع ، ومنطقهم بالعمل ، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق ، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى ، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا ، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم ، ظمئت هواجرهم ، ونحلت أجسامهم ، واستخفوا بسخط المخلوقين لرضى الخالق ، لم يفرطوا في غضب ، ولم يحيفوا في جور ، ولم يجاوزوا حكم الله في القرآن ، شغلوا الألسن بالذكر ، بذلوا لله دماءهم حين استنصرهم ، وبذلوا لله أموالهم حين استقرضهم ، لم يكن خوفهم من المخلوقين ، حسنت أخلاقهم ، وهانت مؤنتهم ، وكفاهم اليسير من الدنيا إلى آخرتهم .

                                                                          وقال محمد بن الحسين البرجلاني : حدثني نوح بن يحيى الزراد ، قال : حدثنا قثم العابد ، عن حمزة الأعمى ، قال : ذهبت بي أمي إلى الحسن ، فقالت : يا أبا سعيد ، ابني هذا قد أحببت أن يلزمك ، فلعل الله أن ينفعه بك ، قال : فكنت أختلف إليه ، فقال لي يوما : يا بني أدم الحزن على خير الآخرة ، لعله أن يوصلك إليه ، وابك في ساعات الخلوة لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك ، فتكون من الفائزين ، قال : وكنت أدخل عليه منزله وهو يبكي ، وآتيه مع الناس وهو يبكي ، وربما جئت وهو يصلي ، فأسمع بكاءه ونحيبه ، قال : فقلت له يوما : يا أبا سعيد ، إنك لتكثر من البكاء . قال : فبكى ، ثم قال : يا بني ، فما يصنع المؤمن إذا لم يبك ، يا بني ، إن البكاء داع إلى الرحمة فإن استطعت أن لا تكون عمرك إلا باكيا فافعل ، لعله يراك على حالة فيرحمك بها ، فإذا أنت قد نجوت من النار .

                                                                          [ ص: 116 ] وقال طالوت بن عباد : حدثنا عبد المؤمن بن عبيد الله ، عن الحسن ، قال : يا ابن آدم ، عملك عملك ، فإنما هو لحمك ودمك ، فانظر على أي حال تلقى عملك ، إن لأهل التقوى علامات ، يعرفون بها ، صدق الحديث ، ووفاء بالعهد ، وصلة الرحم ، ورحمة الضعفاء ، وقلة الفخر والخيلاء ، وبذل المعروف ، وقلة المباهاة للناس ، وحسن الخلق ، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله ، يا ابن آدم ، إنك ناظر إلى عملك يوزن خيره وشره ، فلا تحقرن من الخير شيئا ، وإن هو صغر ، فإنك إذا رأيته سرك مكانه ، ولا تحقرن من الشر شيئا ، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه ، رحم الله رجلا كسب طيبا وأنفق قصدا ، وقدم فضلا ليوم فقره وفاقته ، هيهات ، هيهات ، ذهبت الدنيا بحال بالها ، وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم ، أنتم تسوقون الناس ، والساعة تسوقكم ، وقد أسرع بخياركم ، فماذا تنتظرون ، المعاينة فكأن قد ، إنه لا كتاب بعد كتابكم ، ولا نبي بعد نبيكم ، يا ابن آدم ، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ، ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا .

                                                                          أخبرنا بذلك ابن أبي الخير ، عن اللبان ، عن الحداد ، عن أبي نعيم ، عن أبي محمد بن حيان ، عن محمد بن عبد الملك بن رستة ، عن طالوت بن عباد .

                                                                          وبه : قال أبو نعيم : حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب ، قال : حدثنا الحسن بن علي الطوسي ، قال : حدثنا [ ص: 117 ] محمد بن عبد الكريم ، قال : حدثنا الهيثم بن عدي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، قال : كنا عند الحسن ، فأتاه آت فقال : يا أبا سعيد ، دخلنا آنفا على عبد الله بن الأهتم ، فإذا هو يجود بنفسه ، فقلنا : أبا معمر كيف تجدك ؟ قال : أجدني والله وجعا ، ولا أظنني إلا لما بي ، ولكن ما تقولون في مائة ألف في هذا الصندوق ، لم تؤد منها زكاة ؟ ولم توصل منها رحم ؟ قلنا : يا أبا معمر ، فلمن كنت تجمعها ؟ قال : كنت والله أجمعها لروعة الزمان ، وجفوة السلطان ، ومكاثرة العشيرة ، فقال الحسن : البائس ، انظروا أنى أتاه شيطانه فحذره روعة رفاته ، وجفوة سلطانه ، عما استودعه الله إياه ، وعمره فيه ، خرج - والله - منها سليبا حريبا ذميما مليما ، إيها عنك أيها الوارث ، لا تخدع كما خدع صويحبك أمامك ، أتاك هذا المال حلالا ، فإياك وإياك أن يكون وبالا عليك ، أتاك - والله - ممن كان له جموعا منوعا ، يدأب فيه الليل والنهار ، ويقطع فيه المفاوز والقفار ، من باطل جمعه ، ومن حق منعه ، جمعه فأوعاه ، وشده فأوكاه ، لم تؤد منه زكاة ولم توصل منه رحم ، إن يوم القيامة ذو حسرات ، وإن أعظم الحسرات غدا أن يرى أحدكم ماله في ميزان غيره ، أوتدرون كيف ذاكم ؟ رجل آتاه الله مالا ، فأمره بإنفاقه في صنوف حقوق الله ، فبخل به ، فورثه هذا الوارث ، فهو يرى ماله في ميزان غيره ، فيا لها عثرة لا تقال ، وتوبة لا تنال .

                                                                          [ ص: 118 ] وبه : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن شبل ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة عن سفيان ، عن عمران القصير ، قال : سألت الحسن عن شيء فقلت : إن الفقهاء يقولون كذا وكذا ، فقال : وهل رأيت فقيها بعينك ؟ إنما الفقيه : الزاهد في الدنيا ، البصير بدينه ، المداوم على عبادة ربه .

                                                                          وبه حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي كامل ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، قال : كان الحسن ابنا لجارية لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعثت أم سلمة جاريتها في حاجتها ، فبكى الحسن بكاء شديدا ، فرقت عليه أم سلمة ، فأخذته فوضعته في حجرها ، فألقمته ثديها ، فدر عليه ، فشرب منه ، وكان يقال : إن المبلغ الذي بلغه الحسن من الحكمة بذلك اللبن الذي شربه من أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وبه : حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، قال : حدثنا محمد بن عبدوس الهاشمي ، قال : حدثنا عباس بن يزيد ، قال : سمعت حفص بن غياث يقول : سمعت الأعمش يقول : ما زال الحسن البصري يعي الحكمة ، حتى نطق بها ، وكان إذا ذكر عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال : ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء .

                                                                          [ ص: 119 ] وبه : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن ذكوان ، قال : حدثنا خالد بن صفوان ، قال : لما لقيت مسلمة بن عبد الملك بالحيرة ، قال : يا خالد أخبرني عن حسن أهل البصرة ، قلت : أصلح الله الأمير ، أخبرك عنه بعلم ، أنا جاره إلى جنبه ، وجليسه في مجلسه ، وأعلم من قبلي به ، أشبه الناس سريرة بعلانية ، وأشبه قولا بفعل ، إن قعد على أمر قام به ، وإن قام على أمر قعد عليه ، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به ، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له ، رأيته مستغنيا عن الناس ، ورأيت الناس محتاجين إليه ، قال : حسبك يا خالد ، كيف يضل قوم هذا فيهم ؟

                                                                          وبه : حدثنا أحمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثنا علي بن مسلم ، قال : حدثنا سيار ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا هشام ، قال : سمعت الحسن يحلف بالله : ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله عز وجل .

                                                                          وبه : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا بشر بن موسى ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا أبو موسى - يعني إسرائيل بن موسى - قال : سمعت الحسن يقول - وأتاه رجل - فقال : إني أريد السند فأوصني - ، [ ص: 120 ] قال : حيث ما كنت فأعز الله يعزك ، قال : فحفظت وصيته ، فما كان بها أحد أعز مني حتى رجعت .

                                                                          وبه ، قال : سمعت الحسن يقول : الإسلام ، وما الإسلام ، السر والعلانية فيه مشتبهة ، وأن يسلم قلبك لله ، وأن يسلم منك كل مسلم ، وكل ذي عهد .

                                                                          وبه : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، قال : حدثنا جويرية ، عن حميد الطويل ، قال : خطب رجل إلى الحسن ، فكنت أنا السفير بينهما ، قال : فكأن قد رضيه ، فذهبت يوما أثني عليه بين يديه ، فقلت : يا أبا سعيد ، وأزيدك أن له خمسين ألف درهم ، قال : له خمسون ألفا ما اجتمعت من حلال ! قلت : يا أبا سعيد ، إنه ما علمت لورع مسلم ، قال : إن كان جمعها من حلال ، فقد ضن بها عن حق ، لا ، والله لا يجري بيننا وبينه صهر أبدا .

                                                                          وبه : حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، قال : حدثني محمد بن النعمان السلمي ، قال : حدثنا هدبة ، قال : حدثنا [ ص: 121 ] حزم بن أبي حزم ، قال : سمعت الحسن يقول : بئس الرفيقان الدينار والدرهم ، لا ينفعانك حتى يفارقاك .

                                                                          وبه : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، قال : حدثنا محمد بن المغيرة ، قال : حدثنا عمران بن خالد ، عن الحسن ، وسأله رجل : يا أبا سعيد ما الإيمان ؟ قال : الصبر ، والسماحة ، فقال رجل : يا أبا سعيد ما الصبر والسماحة ؟ ، قال : الصبر عن معصية الله ، والسماحة بأداء فرائض الله .

                                                                          وقال حماد بن سلمة : أخبرنا أبو حمزة إمام التمارين ، قال : قال الحسن : غائلة العلم النسيان ، وحياته المذاكرة .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن عبد الله بن شوذب ، عن الحسن : لولا النسيان ، كان العلماء كثيرا .

                                                                          وقال هشيم عن ابن عون ، كان الشعبي والحسن يحدثان بالمعاني .

                                                                          وقال مهدي بن ميمون ، عن غيلان بن جرير ، قلت للحسن : الرجل يسمع الحديث ، فيحدث به لا يألو فتكون فيه - يعني الزيادة والنقصان - ، قال : ومن يطيق ذاك ! .

                                                                          وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد : ربما حدث الحسن [ ص: 122 ] بالحديث ، فأقول : يا أبا سعيد ، ممن سمعت هذا ؟ فيقول : لا أدري ، غير أني أخذته من ثقة ، فأقول : أنا حدثتك به .

                                                                          وقال حماد أيضا عن حميد الطويل : ذهبت أنا والحسن إلى أبي نضرة ، فحدثنا أن عمر بن الخطاب كان في مسير له ، فأتى عليه علقمة بن علاثة ليلا ، ثم ذكر الحديث بطوله ، قال : فكان الحسن يحدث به بعد ذلك ، وما سمعته رواه قبل ذلك ، وكان أحسن سياقا له من أبي نضرة ، ولا يذكر أبا نضرة .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن صالح بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : سمع الحسن من ابن عمر ، وأنس ، وابن مغفل ، وعمرو بن تغلب ، قال عبد الرحمن : ذكرت قول أحمد لأبي . فقال : قد سمع من هؤلاء الأربعة ، ويصح له السماع من أبي برزة ، ومن غيرهم ، ولا يصح له السماع من جندب ولا من معقل بن يسار ، ولا من عمران بن حصين ، ولا من أبي هريرة .

                                                                          وقال همام بن يحيى عن قتادة : والله ما حدثنا الحسن عن بدري واحد مشافهة .

                                                                          وقال جرير بن حازم ، عن الحسن : حدثنا جندب بن سفيان [ ص: 123 ] البجلي في هذا المسجد ، فما نسينا منذ حدثنا ، وما نخشى أن يكون كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن : سافرت مع عبد الرحمن بن سمرة إلى كابل .

                                                                          وقال أيوب ، عن الحسن : دخلت على عثمان بن أبي العاص .

                                                                          وقال أبو عامر الخزاز عن الحسن : كنا نأتي عثمان بن أبي العاص ، وكان له بيت قد أخلاه للحديث .

                                                                          وقال أبو قلابة الرقاشي ، عن قريش بن أنس ، عن حبيب بن الشهيد : قال لي محمد بن سيرين : سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته ، فقال : من سمرة بن جندب ، قال : فقلت : حدثنا قريش بن أنس ، قال حدثنا حبيب بن الشهيد ، فذكر هذا الحديث ، فقال لي : لم يسمع الحسن من سمرة ، قال : فقلت : على من يطعن ، على قريش بن أنس ؟ على حبيب بن الشهيد ! ؟ فسكت .

                                                                          وقال محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي : [ ص: 124 ] سمعت علي ابن المديني ، يقول : مرسلات يحيى بن أبي كثير ، شبه الريح ، ومرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ما أقل ما يسقط منها .

                                                                          وقال أبو أحمد بن عدي : سمعت الحسن بن عثمان يقول : سمعت أبا زرعة يقول : كل شيء قال الحسن : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وجدت له أصلا ثابتا ، ما خلا أربعة أحاديث .

                                                                          وقال أبو موسى محمد بن المثنى : حدثنا الهيثم بن عبيد : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، فلو كنت تسنده إلى من حدثك ، قال : يقول الحسن : أيها الرجل ما كذبنا ولا كذبنا ، ولقد غزونا غزوة إلى خراسان ، ومعنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان الرجل منهم يصلي بنا ، وكان يقرأ الآيات من السورة ثم يركع .

                                                                          وقال محمد بن موسى الحرشي : حدثنا ثمامة بن عبيدة قال : حدثنا عطية بن محارب ، عن يونس بن عبيد ، قال : سألت الحسن ، قلت : يا أبا سعيد إنك تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه ؟ قال : يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ، إني في زمان كما ترى - وكان في عمل الحجاج - كل شيء سمعتني أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو عن علي بن أبي طالب ، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا .

                                                                          [ ص: 125 ] أخبرنا بذلك أبو إسحاق ابن الدرجي ، عن أبي جعفر الصيدلاني إذنا ، قال : أخبرنا أبو علي الحداد ، قال : أخبرنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا الأطروش ، قال : حدثنا أبو حنيفة محمد بن حنيفة الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن موسى الحرشي ، فذكره .

                                                                          وقال محمد بن سعد : قالوا : وكان الحسن جامعا عالما ، رفيعا ، فقيها ، ثقة ، مأمونا ، عابدا ، ناسكا ، كثير العلم ، فصيحا ، جميلا ، وسيما ، وكان ما أسند من حديثه وروى عن من سمع منه ، فحسن حجة ، وما أرسل من الحديث فليس بحجة ، وقدم مكة فأجلس على سرير ، واجتمع الناس إليه فحدثهم ، وكان فيمن أتاه مجاهد وعطاء وطاوس ، وعمرو بن شعيب ، فقالوا : أو قال بعضهم : لم نر مثل هذا قط .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا أبو عمر الصفار ، عن مالك بن دينار ، قال : دخلت مع الحسن السوق ، فمر بالعطارين ، فوجد تلك الرائحة ، فبكى ثم بكى ، ثم بكى ، حتى خفت أن يغشى عليه ، ثم قال لي : يا مالك ، والله ما هو إلا حلول القرار من الدارين جميعا ، الجنة أو النار ، ليس هناك منزل ثالث ، من أخطأته - والله - الرحمة صار إلى عذاب الله ، قال : ثم جعل يبكي فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات .

                                                                          [ ص: 126 ] وقال حماد بن زيد ، عن هشام بن حسان : كنا عند محمد - يعني ، ابن سيرين - عشية يوم الخميس ، فدخل عليه رجل بعد العصر ، فقال : مات الحسن ، قال : فترحم عليه محمد ، وتغير لونه ، وأمسك عن الكلام ، فما حدث بحديث ، ولا تكلم حتى غربت الشمس ، وأمسك القوم عنه ، مما رأوا من وجده عليه .

                                                                          وقال محمد بن سلام الجمحي : مات الحسن في خلافة هشام .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن السري بن يحيى : مات الحسن سنة عشر ومائة .

                                                                          وقال أحمد بن حنبل ، عن إسماعيل ابن علية : مات الحسن في رجب سنة عشر ومائة .

                                                                          وقال سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن البصري : هلك الحسن البصري ، وهو ابن نحو من ثمان وثمانين سنة .

                                                                          وقال أبو نصر الكلاباذي : بلغ تسعا وثمانين سنة .

                                                                          ومناقبه وفضائله كثيرة جدا ، اقتصرنا منها على هذا القدر طلبا للتخفيف ، وبالله التوفيق .

                                                                          [ ص: 127 ] روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية