الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          1248 - (ع) : الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي ، أبو محمد المدني ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة .

                                                                          ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، هذا أصح ما قيل فيه إن شاء الله .

                                                                          روى عن : جده رسول الله صلى الله عليه وسلم (ع) ، وعن أخيه الحسين بن [ ص: 221 ] علي بن أبي طالب (تم) ، وأبيه علي بن أبي طالب ، وخاله هند بن أبي هالة التميمي (تم) .

                                                                          روى عنه : إسحاق بن بزرج الفارسي مولى أم حبيبة ، وإسحاق بن يسار المدني والد محمد بن إسحاق بن يسار ، والأصبغ بن نباتة ، وبدر شيخ لأبي إسحاق السبيعي ، وجابر أبو خالد ، وجبير بن نفير الحضرمي ، وابنه الحسن بن الحسن بن علي ، وأبو الحوراء ربيعة بن شيبان (ع) ، ورجاء بن ربيعة والد إسماعيل بن رجاء ، وسفيان بن الليل ، وسويد بن غفلة ، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي ، وطحرب العجلي ، وطلحة بن عبيد الله بن كريز ، وعاصم الطائي ، وعامر الشعبي ، وعبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (س) ، ومولاه عبد الله بن رافع (د) ، وعبد الرحمن بن أبي عوف الكوفي ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وعمرو بن قيس الكوفي ، وعمير بن إسحاق ، وعمير بن سعيد النخعي ، وعمير بن مأموم (ت) ، ويقال : مأموم بن زرارة ، والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، وقيس أبو مريم الثقفي ، ومحمد بن سيرين (س) ، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (تم س) ، والمسيب بن نجبة ، وهبيرة بن يريم ، وأبو مجلز لاحق بن حميد (س فق) ، ويوسف بن سعد (ت) ، ويوسف بن مازن ، وعائشة أم المؤمنين .

                                                                          [ ص: 222 ] قال الواقدي ، وخليفة بن خياط ، وغير واحد : ولد للنصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة . وكذلك روي عن الأصبغ بن نباتة .

                                                                          وقال زهير بن العلاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : ولدت فاطمة الحسن بعد أحد بسنتين ، وكان بين وقعة أحد وبين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سنتان وستة أشهر ونصف ، فولدته لأربع سنين وتسعة أشهر ونصف من التاريخ .

                                                                          وقال محمد بن فضيل ، عن علي بن ميسر ، عن عمر بن عمير ، عن عروة بن فيروز ، عن سوغة بنت مسرح ، قالت : كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضربها المخاض ، قالت : فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كيف هي ابنتي فديتها " ، قالت : قلت : إنها لبجهد يا رسول الله ، قال : " فإذا وضعت فلا تسبقيني به بشيء " قالت : فوضعت ، فسررته ، ولففته في خرقة صفراء ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما فعلت ابنتي فديتها ، وما حالها ، وكيف هي ؟ " فقلت : يا رسول الله وضعته ، وسررته وجعلته في خرقة صفراء ، فقال : " لقد عصيتيني " ، قالت : قلت : أعوذ بالله من معصية الله ومعصية رسوله ، سررته يا [ ص: 223 ] رسول الله ولم أجد من ذلك بدا ، قال : " إيتيني به " قالت : فأتيته به ، فألقى عنه الخرقة الصفراء ولفه في خرقة بيضاء ، وتفل في فيه ، وألباه بريقه ، قالت : فجاء علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما سميته يا علي ؟ " قال : سميته جعفرا يا رسول الله ، قال : لا ، ولكنه حسن وبعده حسين ، وأنت أبو الحسن والحسين ، وفي رواية : وأنت أبو الحسن الخير .

                                                                          وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن علي : لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أروني ابني ، ما سميتموه " ؟ ، قلت : سميته حربا ، قال : " بل هو حسن " ، فلما ولد الحسين ، قال : " أروني ابني ، ما سميتموه ؟ " قلت : سميته حربا ، قال : " بل هو حسين " ، فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أروني ابني ما سميتموه " ؟ قلت : حربا ، قال : " بل هو محسن " ثم قال : " إني سميتهم بأسماء ولد هارون شبر ، وشبير ، ومشبر " .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج بن أبي عمر بن قدامة ، وأبو الحسن ابن البخاري المقدسيان ، وأبو الغنائم بن علان ، وأحمد بن شيبان ، قالوا : أخبرنا حنبل بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، قال : أخبرنا أبو علي بن المذهب ، قال : أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا إسرائيل ، فذكره .

                                                                          [ ص: 224 ] وقال سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة : لما ولدت فاطمة حسنا أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه حسنا ، فلما ولدت حسينا أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا أحسن من هذا ، فشق له من اسمه ، فقال : هذا حسين .

                                                                          وقال محمد بن سعد في الطبقة الخامسة : الحسن بن علي بن أبي طالب أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولد الحسن : محمدا الأكبر وبه كان يكنى ، وذكر ولده حسن بن حسن ، وزيد بن حسن .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بالإسناد المذكور آنفا : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدثنا عمر بن سعيد - هو ابن أبي حسين - ، عن ابن أبي مليكة ، قال : أخبرني عقبة بن الحارث ، قال : خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليال ، وعلي يمشي إلى جنبه ، فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول :


                                                                          وابأبي شبيه النبي ليس شبيها بعلي

                                                                          قال : وعلي يضحك .

                                                                          وقال علي بن عابس ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن البهي مولى الزبير ، قال : دخل علينا عبد الله بن الزبير ونحن نتذاكر شبه النبي [ ص: 225 ] صلى الله عليه وسلم من أهله ، فقال : أنا أخبركم : أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي .

                                                                          وقال في موضع آخر : قد رأيت الحسن بن علي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج بن قدامة ، وأبو الحسن ابن البخاري وغير واحد ، قالوا : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، قال : أخبرنا أبو طالب بن غيلان ، قال : أخبرنا أبو بكر الشافعي ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، قال : حدثنا محمد بن حسان السمتي ، قال : حدثنا علي بن عابس ، فذكره .

                                                                          وقال معمر ، عن الزهري ، عن أنس : كان الحسن بن علي أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : أهل البيت .

                                                                          وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي حجيفة : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب ، وكان الحسن بن علي يشبهه .

                                                                          وقال أبو إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن علي : كان [ ص: 226 ] الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته ، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسفل من ذلك .

                                                                          أخبرنا بذلك : أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا أبو المكارم اللبان ، وأبو جعفر الصيدلاني ، قالا : أخبرنا أبو علي الحداد ، قال : أخبرنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا يونس بن حبيب ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، فذكره .

                                                                          وقال أبو عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن ، فيقول : " اللهم إني أحبهما فأحبهما " .

                                                                          وفي رواية : " اللهم إني أرحمهما فارحمهما
                                                                          " .

                                                                          وقال سفيان بن عيينة : حدثني عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسن : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج ابن أبي عمر ، وأبو الحسن ابن البخاري ، وأبو الغنائم بن علان ، وأحمد بن شيبان ، وزينب بنت مكي ، قالوا : أخبرنا حنبل بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، قال : أخبرنا أبو علي بن المذهب ، قال : أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، [ ص: 227 ] قال : حدثنا سفيان ، فذكره .

                                                                          رواه مسلم ، وأبو داود ، عن أحمد بن حنبل فوافقناهما فيه بعلو .

                                                                          وقد روي عن سفيان أتم من هذه الرواية ، أخبرنا به أحمد بن هبة الله ، قال : أخبرنا عبد المعز بن محمد إذنا ، قال : أخبرنا تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس ، قال : أخبرنا أبو سعد الكنجروذي ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان ، قال : أخبرنا أبو يعلى ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبي هريرة ، قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة فخرجت معه فقال : " أثم لكع ؟ قال : فاحتبس ، فظننت أنها تلبسه سخابا أو تغسله ، قال فجاء الحسن يشتد فاعتنقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " .

                                                                          وقال نصر بن علي الجهضمي : أخبرني علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي ، قال : حدثني أخي موسى بن [ ص: 228 ] جعفر ، عن أبيه حسين ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن والحسين ، فقال : " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج بن أبي عمر وغير واحد ، قالوا : أخبرنا حنبل ، قال : أخبرنا ابن الحصين ، قال : أخبرنا ابن المذهب ، قال : أخبرنا القطيعي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني نصر بن علي ، فذكره .

                                                                          رواه الترمذي عن نصر بن علي ، فوقع لنا موافقة بعلو .

                                                                          وقال عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر : بينما الحسن بن علي يخطب بعد ما قتل علي إذ قام رجل من الأزد آدم طوال ، فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعه في حبوته يقول : " من أحبني فليحبه ، فليبلغ الشاهد الغائب " ، ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثتكم .

                                                                          وقال الحجاج بن دينار ، عن جعفر بن إياس ، عن عبد الرحمن بن مسعود ، عن أبي هريرة : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين ، هذا على عاتقه ، وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة ، حتى انتهى إلينا ، فقال له رجل : يا رسول الله ، [ ص: 229 ] إنك لتحبهما ، فقال : " من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني " .

                                                                          وقال شهر بن حوشب ، عن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل عليا ، وحسنا ، وحسينا ، وفاطمة كساء ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " . قالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله ، أنا منهم ؟ قال : إنك إلى خير .

                                                                          وقال أبو سعيد الخدري وغير واحد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . زاد بعضهم : " وأبوهما خير منهما " .

                                                                          وقال كامل أبو العلاء ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء فجعل الحسن والحسين يثبان على ظهره ، فلما قضى الصلاة ، قال أبو هريرة : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال : " لا " ، فبرقت برقة ، فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا على أمهما .

                                                                          [ ص: 230 ] أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري في جماعة ، قالوا : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري ، قال : أخبرنا والدي ، قال : أخبرنا أبو الحسن بن الصلت ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد ، قال : حدثنا عبيد بن أسباط الكوفي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا كامل أبو العلاء ، فذكره .

                                                                          وقال عبد الله بن عون ، عن عمير بن إسحاق : أن أبا هريرة لقي الحسن بن علي ، فقال : ارفع ثوبك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل . فرفع عن بطنه فوضع فمه على سرته .

                                                                          وقال حريز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ، عن معاوية : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه ، أو قال شفتيه - يعني : الحسن بن علي - وأنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال حاتم بن إسماعيل ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن إسحاق بن أبي حبيبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة : أن مروان بن الحكم أتى أبا هريرة في مرضه الذي مات فيه ، فقال مروان لأبي هريرة : ما وجدت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلا في حبك الحسن والحسين قال : فتحفز أبو هريرة [ ص: 231 ] فجلس ، فقال : أشهد لخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع رسول الله صوت الحسن والحسين وهما يبكيان وهما مع أمهما ، فأسرع السير حتى أتاهما ، فسمعته يقول : ما شأن ابني ؟ فقالت : العطش ، قال : فأخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى شنة يتوضأ بها فيها ماء وكان الماء يومئذ إعذارا والناس يريدون الماء ، فنادى : هل أحد منكم معه ماء ؟ فلم يبق أحد إلا أخلف يده إلى كلاله يبتغي الماء في شنة ، فلم يجد أحد منهم قطرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناوليني أحدهما فناولته إياه من تحت الحذر ، فرأيت بياض ذراعيها حين ناولته فأخذه ، فضمه إلى صدره وهو يضغو ما يسكت ، فأدلع له لسانه فجعل يمصه حتى هدأ وسكن ، فلم أسمع له بكاء ، والآخر يبكي كما هو ما يسكت ، فقال : " ناوليني الآخر " فناولته إياه ، ففعل به كذلك ، فسكتا ، فما أسمع لهما صوتا ثم قال : سيروا ، فصدعنا يمينا وشمالا عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق ، فأنا لا أحب هذين ، وقد رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو إسحاق ابن الدرجي ، قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني وغير واحد ، قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة ، قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، قال : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، قال : حدثنا يوسف بن سلمان المازني ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، فذكره .

                                                                          [ ص: 232 ] وقال الحسن البصري ، عن أبي بكرة : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن حتى صعد المنبر فقال : " إن ابني هذا سيد ، وإن الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين .

                                                                          قال : ونظر إليهم أمثال الجبال في الحديد ، فقال : أضرب هؤلاء بعضهم ببعض في ملك من ملك الدنيا لا حاجة لي به ؟ ! .

                                                                          وفي رواية عن الحسن ، قال : لما سار الحسن بن علي إلى معاوية بالكتائب ، قال عمرو بن العاص لمعاوية : أرى كتيبة لا تولي حتى تدبر أخراها ، قال معاوية : من لذراري المسلمين ؟ ، فقال : أنا ، فقال عبد الله بن عامر ، وعبد الرحمن بن سمرة : نلقاه ، فنقول له : الصلح .

                                                                          قال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة ، قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن فقال : ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .

                                                                          وفي رواية : قال الحسن : فما عدا أن ولي ما أهريق فيما كان من أمره محجمة دم .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عنأبيه : أن عمر بن الخطاب لما دون الديوان وفرض العطاء ، ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 233 ] ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم .

                                                                          وقال عبد الرزاق ، عن عبد الله بن مصعب : كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكى ، وإذا ذكر عليا نال منه ، قال : فقلت : ثكلتك أمك ، لروحة من علي أو غدوة في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات ، ولقد أخبرني أبي أن عبد الله بن عروة أخبره ، قال : رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء فأراه ، قال : فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا فغاظني ذلك ، فقمت إليه فقلت : يا عم ، قال : ما تشاء ؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت حتى تفسخ جبينك عرقا ، قال : يا ابن أخي : إنه ابن فاطمة ، لا ، والله ما قامت النساء عن مثله .

                                                                          وقال جعفر بن محمد ، عن أبيه : حج الحسن ماشيا ونجائبه تقاد إلى جنبه .

                                                                          وقال محمد بن سعد ، عن علي بن محمد المدائني ، عن خلاد بن عبيد ، عن علي بن زيد بن جدعان : حج الحسن بن علي خمس عشرة حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه ، وخرج من ماله لله مرتين ، وقاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ، ويعطي خفا ويمسك خفا .

                                                                          [ ص: 234 ] وقال أبو مسهر : حدثنا سعيد بن عبد العزيز : أن الحسن بن علي سمع رجلا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف ، فانصرف فبعث بها إليه .

                                                                          وقال هشام بن حسان ، عن ابن سيرين : إن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف .

                                                                          وقال أبو إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي ، أنه خطب الناس ثم قال : إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالا وهو يريد أن يقسمه بينكم ، فحضر الناس ، فقام الحسن فقال : إنما جمعته للفقراء ، فقام نصف الناس ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس .

                                                                          وقال عبد الله بن المبارك : أخبرنا عبيد الله بن الوليد الوصافي ، عن أبي جعفر ، قال : جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به على حاجة فوجده معتكفا ، فقال : لولا اعتكافي لخرجت معك فقضيت حاجتك ، ثم خرج من عنده فأتى الحسن بن علي فذكر له حاجته ، فخرج معه لحاجته ، فقال : أما إني قد كرهت أن أعنيك في حاجتي ، ولقد بدأت بحسين ، فقال : لولا اعتكافي لخرجت معك . فقال الحسن : لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج بن أبي عمر في جماعة ، قالوا : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو غالب ابن البناء ، قال : [ ص: 235 ] أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، قال : أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك ، فذكره .

                                                                          وقال سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء : لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته ، فقال له حسين : أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه ؟ فقال : إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا ، وأشار بيده إلى الجبل .

                                                                          وقال عبد الله بن عون ، عن عمير بن إسحاق : ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي ، وما سمعت منه كلمة فحش قط ، إلا مرة ، فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان خصومة في أرض فعرض حسين أمرا لم يرضه عمرو ، فقال الحسن : فليس له عندنا إلا ما يرغم أنفه . قال : فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، قال : حدثنا أبو عثمان ، عن سهل بن شعيب ، عن قنان النهمي ، عن جعيد بن همدان : أن الحسن بن علي ، قال له : يا جعيد بن همدان ، إن الناس أربعة : فمنهم من له خلاق وليس له خلق ، ومنهم من له خلق وليس له خلاق ، ومنهم من ليس له خلق ولا [ ص: 236 ] خلاق فذاك أشر الناس ، ومنهم من له خلق وخلاق فذاك أفضل الناس .

                                                                          وقال جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال علي : يا أهل العراق لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان : والله لنزوجنه ، فما رضي أمسك ، وما كره طلق .

                                                                          وقال ابن عون ، عن ابن سيرين : خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن زبان الفزاري ابنته فقال : والله إني لأنكحك وإني لأعلم أنك غلق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتا وأكرمه نسبا .

                                                                          وقال علي بن محمد المدائني ، عن ابن جعدبة ، عن ابن أبي مليكة : تزوج الحسن بن علي خولة بنت منظور ، فبات ليلة على سطح أجم ، فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها ، فقام من الليل ، فقال : ما هذا ؟ قالت : خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط ، فأكون أشأم سخلة على العرب ، فأحبها ، فأقام عندها سبعة أيام ، فقال ابن عمر : لم نر أبا محمد منذ أيام فانطلقوا بنا إليه ، فقالت له خولة : احتبسهم حتى نهيئ لهم غداء ، قال ابن عمر : فابتدأ الحسن ، حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا به ، حتى جاءنا الطعام .

                                                                          قال المدائني : وقال قوم : التي شدت خمارها برجله : هند بنت سهيل بن عمرو ، وكان الحسن أحصن تسعين امرأة .

                                                                          [ ص: 237 ] وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال ، قال : سمعت عبد الله بن حسن يقول : كان حسن بن علي قل ما تفارقه أربع حرائر ، وكان صاحب ضرائر ، وكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري ، وعنده امرأة من بني أسد من آل فطلقهما وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم ، وزقاق من عسل متعة ، وقال لرسوله يسار أبي سعيد وهو مولاه : احفظ ما تقولان لك ، فقالت الفزارية : بارك الله فيه وجزاه خيرا . وقالت الأسدية ، متاع قليل من حبيب مفارق ، فرجع فأخبره فراجع الأسدية ، وترك الفزارية .

                                                                          وقال أيضا : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني علي بن عمر ، عن أبيه ، عن علي بن حسين ، قال : كان حسن بن علي مطلاقا للنساء ، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه .

                                                                          وقال هشام بن حسان ، عن ابن سيرين : تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم .

                                                                          وقال القاسم بن الفضل ، عن أبي هارون العبدي : انطلقنا حجاجا فدخلنا المدينة ، فقلنا : لو دخلنا على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن فسلمنا عليه ، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا ، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربعمائة ، أربعمائة ، فقلنا للرسول : إنا أغنياء وليس بنا حاجة . فقال : لا تردوا عليه معروفه ، فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا ، فقال : لا تردوا علي معروفي ، [ ص: 238 ] فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيرا .

                                                                          وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري : حدثنا بدر بن الهيثم الحضرمي ، قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد الزيات ، قال : حدثنا أبو رجاء محمد بن عبد الله الحبطي من أهل تستر ، قال : حدثنا شعبة بن الحجاج الواسطي ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن الحارث الأعور : أن عليا عليه السلام سأل ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة ، فقال : يا بني ، ما السداد ؟ قال : يا أبة ، السداد دفع المنكر بالمعروف . قال : فما الشرف ؟ قال : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة . قال : فما المروءة ؟ قال : العفاف ، وإصلاح المرء ماله . قال : فما الدقة ؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير . قال : فما اللؤم : قال : إحراز المرء نفسه وبذله عرسه من اللؤم . قال : فما السماحة ؟ قال : البذل في اليسر والعسر . قال : فما الشح ؟ قال : أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا . قال : فما الإخاء ؟ قال : الوفاء في الشدة والرخاء . قال : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو . قال : فما الغنيمة ؟ قال : الرغبة في التقوى ، والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة . قال : فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ ، وملك النفس . قال : فما الفقر ؟ قال : شره النفس في كل شيء . قال : فما المنعة ؟ قال : [ ص: 239 ] شدة البأس ، ومقارعة أشد الناس ، قال : فما الذل ؟ قال : الفزع عند المصدوقة . قال : فما الجرأة ؟ قال : مواقفة الأقران . قال : فما الكلفة ؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك . قال : فما المجد ؟ قال : أن تعطي في الغرم ، وأن تعفو عن الجرم . قال : فما العقل ؟ قال : حفظ القلب كل ما استرعيته . قال : فما الخرق ؟ قال : معاداتك إمامك ، ورفعك عليه كلامك . قال : فما السناء ؟ قال : إتيان الجميل ، وترك القبيح . قال : فما الحزم ؟ قال : طول الأناة ، والرفق بالولاة ، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم . قال : فما الشرف ؟ قال : موافقة الإخوان ، وحفظ الجيران . قال : فما السفه ؟ قال : اتباع الدناءة ، ومصاحبة الغواة . قال : فما الغفلة ؟ قال : تركك المسجد ، وطاعتك المفسد . قال : فما الحرمان ؟ قال : تركك حظك ، وقد عرض عليك . قال : فما السيد ؟ قال : الأحمق في ماله المتهاون في عرضه ، يشتم فلا يجيب ، المتحزن بأمر عشيرته هو السيد .

                                                                          قال : ثم قال علي عليه السلام : يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أعود من العقل ، ولا وحشة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا [ ص: 240 ] عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكف ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا إيمان كالحياء والصبر ، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن ، وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب الفخر " ، يا بني : لا تستخفن برجل تراه أبدا ، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك ، وإن كان مثلك فهو أخوك ، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك . قال : فهذا ما سأل علي بن أبي طالب ابنه الحسن عن أشياء من المروءة ، قال : وأجابه الحسن .

                                                                          قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا : في هذا الخبر من جوابات الحسن أباه عما ساءله عنه من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه ورعاه ، وعمل به ، وأدب نفسه بالعمل عليه وهذبها بالرجوع إليه ، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده ، وفيما رواه في أضعافه أمير المؤمنين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مالا غنى لكل لبيب عليم ، ومدره حكيم عن حفظه وتأمله ، والمسعود من هدي لتقبله ، والمجدود من وفق لامتثاله وتقبله .

                                                                          تابعه أبو عمر خشيش بن أصرم البصري ، عن محمد بن عبد الله الحبطي .

                                                                          أخبرنا به أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا أبو سعد ابن الصفار ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الفزاري ، قال : أخبرنا أبو عثمان الصابوني ، قال : حدثنا الأستاذ أبو منصور محمد بن عبد الله بن حمشاذ ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله [ ص: 241 ] الجرجاني ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد المؤمن الجرجاني بجرجان ، قال : أحسب عليكم هذا الحديث بمائة حديث ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهلب البجلي العابد ، قال : أخبرنا أبو عمر خشيش بن أصرم البصري ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الحبطي ، عن شعبة ، فذكره بمعناه ، وزاد ونقص فما زاد بعد قوله : " وملك النفس " قال : فما الغنى ؟ قال : رضى النفس بما قسم الله لها : وبعد قوله : " كلامك فيما لا يعنيك " ، قال : فما العي ؟ ، قال : العبث باللحية ، وكثرة التبزق ، وبعد قوله : " وآفة الجمال الخيلاء " : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ينبغي للعاقل إذا كان عاقلا أن يكون له من النهار أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يأتي أهل العلم الذين يبصرونه أمر دينه وينصحونه ، وساعة يخلي بين نفسه ولذتها من النساء فيما يحل ويحمل . وقد ينبغي أن لا يكون شاخصا إلا في ثلاث : مرمة لمعاش ، أو خلوة لمعاد ، أو لذة في غير محرم . وقد ينبغي للعاقل أن ينظر في شأنه فيحفظ فرجه ولسانه ، ويعرف أهل زمانه . والعلم خليل الرجل ، والعقل دليله ، والحلم وزيره ، والعمل قيمه ، والصبر أمير جنده ، والرفق والده ، والبر أخوه . ولم يذكر : " قال : فما الحرمان " ؟ ، ولا قوله : " قال : فما السيد " ؟ ولا قوله : " ولا حسن كحسن الخلق " ، ولا قوله : " وآفة الحلم السفه " ، ولا قوله : " وآفة الحسب الفخر " .

                                                                          وقال الأصمعي ، عن عيسى بن سليمان : سأل معاوية الحسن بن علي ، عن الكرم والنجدة والمروءة ، فقال الحسن : [ ص: 242 ] الكرم التبرع بالمعروف ، والعطاء قبل السؤال ، وإطعام الطعام في المحل ، وأما النجدة فالذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، والإقدام عند الكريهة ، وأما المروءة فحفظ الرجل دينه ، وإحراز نفسه من الدنس ، وقيامه بضيفه ، وأداء الحقوق ، وإفشاء السلام .

                                                                          وقال أيضا عن عيسى بن سليمان ، عن أبيه ! قال معاوية يوما في مجلسه : إذا لم يكن الهاشمي سخيا لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الزبيري شجاعا لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن المخزومي تائها لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه حسبه ، فبلغ ذلك الحسن بن علي ، فقال : والله ما أراد الحق ولكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيغنوا أموالهم ويحتاجون إليه ويغري آل الزبير بالشجاعة فيغنوا بالقتل ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس ! .

                                                                          وقال يونس بن عبد الله بن أبي فروة ، عن شرحبيل بن سعد : دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه ، فقال : يا بني وبني أخي ، إنكم صغار قوم توشكوا أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه ، وليضعه في بيته .

                                                                          وقال مطلب بن زياد ، عن محمد بن أبان : قال الحسن بن علي ، فذكر نحو ذلك .

                                                                          وقال أبو إسحاق الهمداني عن عمرو بن الأصم : قلت للحسن بن علي : إن هذه الشيعة تزعم أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة ، [ ص: 243 ] قال : كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ، ولا اقتسمنا ماله .

                                                                          وقال وهب بن جرير بن حازم ، عن أبيه : لما قتل علي بايع أهل الكوفة الحسن بن علي ، وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه .

                                                                          وقال إسماعيل بن علي الحنطبي : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبو علي سويد الطحان ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، قال : أخبرنا أبو ريحانة ، عن سفينة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخلافة من بعدي ثلاثون سنة " ، قال رجل كان حاضرا في المجلس : قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية ، فقال : من ها هنا أتت تلك الشهور ، كانت البيعة للحسن بن علي ، بايعه أربعون ألفا أو اثنان وأربعون ألفا .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب : لما قتل علي ساد الحسن في أهل العراق وساد معاوية في أهل الشام ، والتقوا فكره [ ص: 244 ] الحسن القتال ، وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده ، وكان أصحاب الحسن يقولون : يا عار المؤمنين ! فيقول لهم : العار خير من النار .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن العباس بن هشام ابن الكلبي ، عن أبيه : لما قتل علي بايع الناس الحسن بن علي فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوما .

                                                                          قال : وقال غير عباس : بايع الحسن بن علي أهل الكوفة ، وبايع أهل الشام معاوية بإيلياء بعد قتل علي ، وبويع بيعة العامة ببيت المقدس يوم الجمعة آخر ذي الحجة من سنة أربعين ، ثم لقي الحسن بن علي معاوية بمسكن من سواد الكوفة في سنة إحدى وأربعين ، فاصطلحا ، وبايع الحسن معاوية .

                                                                          وقال زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق : كان صلح معاوية والحسن بن علي ودخول معاوية الكوفة في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين .

                                                                          وقال زياد بن عبد الله ، عن عوانة بن الحكم : بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن ، وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات ، وهم اثنا عشر ألفا ، وكانوا يسمون شرطة الخميس ، قال : فبينا الحسن بالمدائن ، إذ نادى مناد في عسكر الحسن : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل ، فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ، ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد ، فطعنه بالخنجر ، ووثب الناس على الأسدي فقتلوه ، ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض بالمدائن ، وكتب إلى معاوية في الصلح . قال : ثم قام [ ص: 245 ] الحسن - فيما بلغني - الناس ، فقال : يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث : في قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي .

                                                                          قال حجاج بن أبي منيع عن جده ، عن الزهري : قتل علي وبايع أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة ، فطفق يشترط عليهم حين بايعوه : إنكم لي سامعون مطيعون ، تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت ، فارتاب أهل العراق في أمره حين اشترط هذا الشرط ، قالوا : ما هذا لكم بصاحب ، وما يريد هذا القتال ، فلم يلبث حسن بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته ، فازداد لهم بغضا ، وازداد منهم ذعرا .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عبيد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، وعن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، وعن أبي السفر وغيرهم ، قالوا : بايع أهل العراق الحسن بن علي بعد قتل علي بن أبي طالب ، ثم قالوا له : سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله ، وارتكبوا العظيم ، وابتزوا الناس أمورهم فإنا نرجو أن يمكن الله منهم ، فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفا وكانوا يسمون شرطة الخميس .

                                                                          قال : وقال غيره : وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد ، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها ، وسار الحسن حتى نزل المدائن ، وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج ، فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في [ ص: 246 ] عسكره : ألا إن قيس بن سعد قد قتل ، قال : فشد الناس على حجرة الحسن ، فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه ، وأخذوا رداءه من ظهره ، وطعنه رجل من بني أسد ، يقال له : ابن أقيصر ، بخنجر مسموم في أليته ، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ، ونزل الأبيض قصر كسرى ، وقال : عليكم لعنة من أهل قرية ، فقد علمت أن لا خير فيكم ، قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا ؟ ! ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي ، فأرسله ، وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال : يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ، ومواعيده التي عليه : ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته ، ولا يسب علي وهو يسمع ، وأن يحمل إليه خراج فسا ودرابجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي ، فأجابه معاوية إلى ذلك ، وأعطاه ما سأل . قال : ويقال : بل أرسل الحسن بن علي عبد الله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل ، فأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ، فقدما المدائن إلى الحسن ، فأعطاه ما أراد ، ووثقا له ، فكتب إليه الحسن أن أقبل ، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل اليوم السادس ، فسلم إليه الحسن الأمر وبايعه ثم سارا جميعا حتى قدما الكوفة ، فنزل الحسن القصر ونزل معاوية [ ص: 247 ] النخيلة ، فأتاه الحسن في عسكره غير مرة ووفى معاوية للحسن ببيت المال ، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم فاحتملها الحسن ، وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة ، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع ، ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن ، وقالوا : لا نحمل فيئنا إلى غيرنا - يعنون : خراج فسا ودرابجرد - ، فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم ، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين .

                                                                          قال محمد بن سعد : وأخبرنا عبد الله بن بكر السهمي ، قال : حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن عمرو بن دينار : أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة ، فلما توفي علي بعث إلى الحسن ، فأصلح الذي بينه وبينه سرا ، وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه ، وليجعلن هذا الأمر إليه ، فلما توثق منه الحسن قال عبد الله بن جعفر : والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبي ، وقال : يا هناه ، اجلس ، فجلست ، قال : إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه . قال : قلت : ما هو ؟ قال : قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها ، وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث ، فقد طالت الفتنة ، وسفكت فيها الدماء وقطعت فيها الأرحام ، وقطعت السبل ، وعطلت الفروج - يعني الثغور - ، فقال ابن جعفر : جزاك الله عن أمة محمد خيرا ، فأنا معك ، وعلى هذا الحديث ، فقال الحسن : ادع لي [ ص: 248 ] الحسين ، فبعث إلى حسين فأتاه ، فقال : أي أخي ، إني قد رأيت رأيا ، وإني أحب أن تتابعني عليه ، قال : ما هو ؟ فقص عليه الذي قال لابن جعفر ، قال الحسين : أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره وتصدق معاوية ! فقال الحسن : والله ما أردت أمرا قط إلا خالفتني إلى غيره ، والله لقد هممت أن أقذفك ، في بيت فأطينه عليك حتى أقضي أمري ، فلما رأى الحسين غضبه ، قال : أنت أكبر ولد علي ، وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع ، فافعل ما بدا لك . فقام الحسن ، فقال : يا أيها الناس إني كنت أكره الناس لأول هذا الحديث ، وأنا أصلحت آخره لذي حق أديت إليه حقه أحق به مني ، أو حق جدت به لصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن الله قد ولاك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندك أو لشر يعلمه فيك وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل .

                                                                          وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، قال : سمعت الحسن يقول : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها ، فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين - : أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين ؟ من لي [ ص: 249 ] بنسائهم ؟ من لي بضعفتهم ؟ فبعث إليهم برجلين من قريش من بني عبد شمس : عبد الرحمن بن سمرة ، وعبد الله بن عامر ، فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما ، فقالا له وطلبا إليه ، فقال لهما الحسن بن علي : إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها ، قالا : فإنه يعرض عليك كذا وكذا ، ويطلب إليك ويسألك ، قال : فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئا إلا قالا : " نحن لك به " فصالحه ، قال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .

                                                                          وقال جميع بن عمر ، عن مجالد بن سعيد ، عن طحرب العجلي ، عن الحسن بن علي : لا أقاتل بعد رؤيا رأيتها ، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يده على العرش ، ورأيت أبا بكر واضعا يده على النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأيت عمر واضعا يده على أبي بكر ، ورأيت عثمان واضعا يده على عمر ، ورأيت دماء دونهم ، فقيل : ذا دم عثمان يطلب الله به .

                                                                          وقال أسود بن عامر : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا أبو [ ص: 250 ] روق الهمداني ، قال : حدثنا أبو الغريف ، قال : كنا مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الحد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطة ، فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ ، فلما قدم الحسن بن علي الكوفة ، قال له رجل منا يقال له : أبو عامر سفيان بن الليل : السلام عليك يا مذل المؤمنين ، فقال : لا تقل ذلك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين ، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو العز ابن المجاور ، قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، قال : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب ، قال : حدثنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي ، قال : حدثنا عباس بن محمد ، قال : حدثنا أسود بن عامر ، فذكره .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، قلت للحسن بن علي : إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة . فقال : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ، ويحاربون من حاربت ، فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز ؟ ! .

                                                                          وقال محمد بن سعد عن علي بن محمد ، عن إبراهيم بن [ ص: 251 ] محمد ، عن زيد بن أسلم : دخل رجل على الحسن بالمدينة وفي يده صحيفة ، فقال : ما هذه ؟ قال : من معاوية يعد فيها ويتوعد ، قال : قد كنت على النصف منه ، قال : أجل ، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا أو أكثر أو أقل ، كلهم تنضح أوداجهم دما ، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه ؟ .

                                                                          وقال سلام بن مسكين عن عمران بن عبد الله بن طلحة : رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيهقل هو الله أحد ففرح بذلك ، فبلغ سعيد بن المسيب فقال : إن كان رأى هذه الرؤيا ، فقل ما بقي من أجله ، قال : فلم يلبث الحسن بعدها إلا أياما حتى مات .

                                                                          وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق : دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ، ثم خرج فقال : لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود ، ولقد سقيت السم مرارا ، وما سقيته مرة هي أشد من هذه . قال : وجعل يقول لذلك الرجل : سلني قبل أن لا تسألني ، قال : ما أسألك شيئا ، يعافيك الله ، قال : فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من غد وقد أخذ في السوق ، فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال : أي أخي ، من صاحبك ؟ قال : تريد قتله ؟ قال : نعم ، قال : لئن كان صاحبي الذي أظن ، لله أشد لي نقمة ، وإن لم يكنه ما أحب أن [ ص: 252 ] تقتل بي بريئا .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن أم بكر بنت المسور ، قالت : كان الحسن بن علي سقي مرارا كل ذلك يفلت ، حتى كان المرة الآخرة التي مات فيها فإنه كان يختلف كبده ، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا .

                                                                          وقال أيضا : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الله بن حسن ، قال : كان الحسن بن علي رجلا كثير نكاح النساء ، وكن قل ما يحظين عنده ، وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وصبت به ، فيقال : إنه كان سقي ثم أفلت ، ثم سقي فأفلت ، ثم كانت الآخرة توفي فيها ، فلما حضرته الوفاة ، قال الطبيب وهو يختلف إليه : هذا رجل قد قطع السم أمعاءه ، فقال الحسين : يا أبا محمد ، خبرني من سقاك ؟ قال : ولم يا أخي ؟ قال : أقتله والله قبل أن أدفنك ، أو لا أقدر عليه ، أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه . فقال : يا أخي ، إنما هذه الدنيا ليال فانية ، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله ، فأبى أن يسميه .

                                                                          قال : وقد سمعت بعض من يقول : كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما .

                                                                          وقال أيضا : أخبرنا يحيى بن حماد ، قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أم موسى : أن جعدة بنت الأشعث بن [ ص: 253 ] قيس سقت الحسن السم ، فاشتكى منه شكاة ، وكان توضع تحته طست وترفع أخرى نحوا من أربعين يوما .

                                                                          وقال محمد بن سلام الجمحي ، عن ابن جعدبة : كانت جعدة بنت الأشعث بن قيس تحت الحسن بن علي ، فدس إليها يزيد أن سمي حسنا إنني زوجك ، ففعلت ، فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها ، فقال : إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا ؟ فقال كثير - وقد تروى للنجاشي - :


                                                                          يا جعد بكيه ولا تسأمي     بكاء حق ليس بالباطل
                                                                          لن تستري البنت على مثله     في الناس من حاف ومن ناعل
                                                                          أعني الذي أسلمه أهله     للزمن المستخرج الماحل
                                                                          كان إذا شبت له ناره     يرفعها بالسبب الماثل
                                                                          كيما يراها بائس مرمل     أو فرد قوم ليس بالآهل
                                                                          يغلي بنيء اللحم حتى إذا     أنضج لم يغل على آكل

                                                                          وقال سفيان بن عيينة ، عن رقبة بن مصقلة : لما حضر الحسن بن علي الموت ، قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار حتى أنظر في ملكوت السماوات ، فأخرجوا فراشه ، فرفع رأسه إلى السماء فنظر ، ثم قال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك ، فإنها أعز الأنفس علي . فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده [ ص: 254 ] وقال عباس الدوري ، عن يحيى بن معين : لما ثقل الحسن بن علي دخل عليه الحسين ، فقال : يا أخي ، لأي شيء تجزع ؟ تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى علي بن أبي طالب وهما أبواك ، وعلى خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وهما أماك ، وعلى حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب وهما عماك . قال : يا أخي أقدم على أمر لم أقدم على مثله ! .

                                                                          وقال أبو عوانة ، عن حصين ، عن أبي حازم : لما حضر الحسن قال للحسين : ادفنوني عند أبي - يعني : النبي صلى الله عليه وسلم - إلا أن تخافوا الدماء ، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دما ، ادفنوني عند مقابر المسلمين . قال : فلما قبض تسلح الحسين ، وجمع مواليه ، فقال له أبو هريرة : أنشدك الله وصية أخيك ، فإن القوم لن يدعوك ، حتى يكون بينكم دماء ، قال : فلم يزل به حتى رجع ، قال : ثم دفنوه في بقيع الغرقد ، فقال أبو هريرة : أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه فمنع ، أكانوا قد ظلموه ؟ قال : فقالوا : نعم ، قال : فهذا ابن نبي الله قد جيء به ليدفن مع أبيه .

                                                                          وقال سفيان الثوري عن سالم بن أبي حفصة ، سمعت أبا حازم يقول : إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص ويطعن في عنقه ، تقدم ، فلولا أنها سنة ما قدمت ، وكان بينهم شيء ، فقال أبو هريرة : أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنوه فيها ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ص: 255 ] "من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني " .

                                                                          وقال محمد بن سعد ، عن علي بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن عمرو بن بعجة : أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي .

                                                                          وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني مساور مولى بني سعد بن بكر ، قال : رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات الحسن بن علي يبكي وينادي بأعلى صوته : يا أيها الناس ! مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابكوا .

                                                                          وقال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا : حدثنا أحمد بن العباس العسكري ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي حمزة ، قال : حدثني حمزة بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، قال : حدثنا محمد بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر بن علي بن أبي طالب ، قال : لما قبض الحسن بن علي بن أبي طالب وقف على قبره أخوه محمد بن علي ، فقال : يرحمك الله أبا محمد فإن عزت حياتك ، لقد هدت وفاتك ، ولنعم الروح روح تضمنه بدنك ، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك ، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام ، [ ص: 256 ] ورضعت ثدي الإيمان ، وطبت حيا وميتا ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة لك ، يرحمك الله . ثم انصرف عن قبره .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا داود بن سنان ، قال : سمعت ثعلبة بن أبي مالك قال : شهدنا حسن بن علي يوم مات ، ودفناه بالبقيع ، فلقد رأيت البقيع ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان .

                                                                          وقال سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين ، ومات لها الحسن ، وقتل لها الحسين .

                                                                          وقال شعبة ، عن أبي بكر بن حفص : توفي سعد بن أبي وقاص ، والحسن بن علي في أيام بعدما مضى من إمارة معاوية عشر سنين .

                                                                          وقال معروف بن خربوذ وغير واحد عن أبي جعفر محمد بن علي : مات الحسن بن علي وهو ابن سبع وأربعين سنة . زاد بعضهم : وصلى عليه سعيد بن العاص ، وهو أمير المدينة .

                                                                          وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : توفي سنة ثمان وأربعين ، ويقال : سنة تسع .

                                                                          [ ص: 257 ] وقال الواقدي ، وخليفة بن خياط ، وغير واحد : مات سنة تسع وأربعين ، زاد بعضهم : في ربيع الأول ، وهو ابن سبع وأربعين .

                                                                          وقيل غير ذلك في مبلغ سنة وتاريخ وفاته ، فقيل : مات سنة خمسين ، وقيل : سنة إحدى وخمسين ، وقيل : سنة ست وخمسين ، وقيل سنة ثمان وخمسين ، وقيل : سنة تسع وخمسين ، والله أعلم .

                                                                          روى له الأربعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية