الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          1323 - (ع) : الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي .

                                                                          [ ص: 397 ] الهاشمي ، أبو عبد الله المدني ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة .

                                                                          روى عن : جده رسول الله صلى الله عليه وسلم (د س ق) ، وأبيه علي بن أبي طالب (ع) ، وعمر بن الخطاب ، وخاله هند بن أبي هالة (تم) ، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق) .

                                                                          روى عنه : بشر بن غالب الأسدي ، وثوير بن أبي فاختة ، وأخوه الحسن بن علي بن أبي طالب (تم) ، وابنه زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وسعيد بن خالد الكوفي ، وسنان بن أبي سنان الدؤلي ، وطلحة بن عبيد الله العقيلي ، وعامر الشعبي ، وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وعبيد بن حنين وعكرمة مولى ابن عباس ، وابنه علي بن الحسين بن علي زين العابدين (ع) ، والعيزار بن حريث ، وكرز التيمي (عس) ، وابن ابنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر (تم) ، وهمام بن غالب الفرزدق الشاعر ، ويوسف بن ميمون الصباغ ، وابنتاه سكينة بنت الحسين ، وفاطمة بنت الحسين (د عس ق) .

                                                                          قال الزبيدي ، عن عدي بن عبد الرحمن الطائي ، عن داود بن أبي هند ، عن سماك بن حرب ، عن أم الفضل بنت [ ص: 398 ] الحارث : رأيت فيما يرى النائم أن عضوا من أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي رواية في حجري فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم ، فولدت فاطمة غلاما ، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم حسينا ، ودفعه إلى أم الفضل ، وكانت ترضعه بلبن قثم .

                                                                          وقال خليفة بن خياط : وفي سنة أربع ولد الحسين بن علي بن أبي طالب .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : ولد لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع .

                                                                          وقال حفص بن غياث عن جعفر بن محمد : كان بين الحسن والحسين طهر واحد .

                                                                          وقال عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه : مثل ذلك .

                                                                          [ ص: 399 ] وقال محمد بن سعد : علقت فاطمة بالحسين لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة وكان بين ذلك وبين ولاد الحسن خمسون ليلة ، وولد الحسين في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة .

                                                                          وقال زهير بن العلاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : ولدت فاطمة حسينا بعد حسن بسنة وعشرة أشهر ، فمولده لست سنين وخمسة أشهر ونصف من التاريخ .

                                                                          وقال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن علي بن أبي طالب : إنه سمى ابنه الأكبر حمزة وسمى حسينا بعمه جعفر قال : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أمرت أن أغير اسم ابني هذين فقلت : الله ورسوله أعلم ، فسماهما حسنا وحسينا .

                                                                          وقد تقدم حديث أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي في ترجمة الحسن بن علي في ذكر شبر ، وشبير ، ومشبر ، وفي شبه الحسن والحسين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث عمرو بن دينار عن عكرمة أنه شق اسم حسين من حسن .

                                                                          [ ص: 400 ] وقال هشام بن حسان ، عن حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك : كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين ، فجعل يقول بقضيب في أنفه ويقول : ما رأيت مثل هذا حسنا ، قلت : أما إنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال سفيان بن عيينة : قلت لعبيد الله بن أبي يزيد : رأيت حسين بن علي ؟ قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعيرات ها هنا في مقدم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان شبها برسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يكن شاب منه غير ذلك .

                                                                          وقال إبراهيم بن علي الرافعي ، عن أبيه ، عن جدته زينب بنت أبي رافع : أتت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم بابنيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكوه الذي توفي فيه فقالت : يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا ، قال : أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي .

                                                                          وروي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه وعمه ، عن جده ، نحو ذلك .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي نعم : كنت عند ابن عمر فسأله [ ص: 401 ] رجل عن دم البعوض ، فقال : ممن أنت ؟ قال : من أهل العراق . قال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هما ريحانتاي من الدنيا " .

                                                                          وقد تقدم في ترجمة الحسن بن علي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن والحسين فقال : " من أحبني ، وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " .

                                                                          وقوله : " من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني " .

                                                                          وقوله : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " .

                                                                          وحديث الكساء ، وحديث أبي هريرة : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء فجعل الحسن والحسين يثبان على ظهره فلما قضى الصلاة ، قال : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال : لا ، فبرقت برقة فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا على أمهما " ، وغير ذلك .

                                                                          وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له فاستنتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم ، وحسين مع غلمان يلعب ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه قال : فطفق الصبي يفر ها هنا مرة وها هنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه فوضع إحدى يديه [ ص: 402 ] تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه فقبله وقال : " حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط " .

                                                                          وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن عبد الله بن شداد ابن الهاد ، عن أبيه : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل حسنا أو حسينا ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة ، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها . قال أبي : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، فرجعت في سجودي ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ، قال : كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، وأبو الغنائم بن علان ، وأحمد بن شيبان ، قالوا : أخبرنا حنبل بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، قال : أخبرنا أبو علي بن المذهب ، قال : أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا جرير بن حازم ، قال : حدثنا محمد بن أبي يعقوب ، فذكره .

                                                                          [ ص: 403 ] وقال زيد بن الحباب : حدثني حسين بن واقد ، عن عبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال : صدق الله ورسوله : إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج بن أبي عمر بن قدامة ، وابن علان وابن شيبان ، قالوا : أخبرنا حنبل ، قال : أخبرنا ابن الحصين ، قال : أخبرنا ابن المذهب ، قال : أخبرنا ابن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، فذكره .

                                                                          وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي فاختة ، قال : قال علي زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات عندنا والحسن والحسين نائمان فاستسقى الحسن ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قربة لنا فجعل يعصرها في القدح ثم جاء لسقيه ، فتناول الحسين ليشرب فمنعه ، وبدأ بالحسن ، فقالت فاطمة : يا رسول الله كأنه أحبهما إليك ؟ فقال : لا ، ولكنه استسقى أول مرة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني وإياك وهذين وأحسبه قال : وهذا [ ص: 404 ] الراقد - يعني عليا - يوم القيامة في مكان واحد .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا أبو المكارم اللبان وأبو جعفر الصيدلاني ، قالا : أخبرنا أبو علي الحداد ، قال : أخبرنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا يونس بن حبيب قال : حدثنا أبو داود ، فذكره .

                                                                          وقال حماد بن زيد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين ، قال : حدثني الحسين بن علي ، قال : أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه ، فقلت له : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ، فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ، وأخذني فأجلسني معه فجعلت أقلب حصى بيدي ، فلما نزل انطلق بي إلى منزله ، فقال لي : من علمك ؟ فقلت : والله ما علمنيه أحد . قال : يا بني لو جعلت تغشانا . قال : فأتيته يوما ، وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر ورجعت معه فلقيني بعد فقال : لم أرك . فقلت : يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر بالباب ، فرجع ابن عمر ورجعت معه فقال : أنت أحق بالإذن من ابن عمر ، وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو العز الشيباني ، قال أخبرنا أبو اليمن الكندي ، قال : أخبرنا أبو منصور بن زريق ، قال : أخبرنا أبو بكر الحافظ ، قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، قال : أخبرنا دعلج بن أحمد المعدل ، قال : حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أبو الربيع ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، فذكره .

                                                                          [ ص: 405 ] وقال الدراوردي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : إن عمر بن الخطاب جعل عطاء حسن وحسين مثل عطاء أبيهما .

                                                                          وقال سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : قدم على عمر حلل من اليمن فكسا الناس فراحوا في الحلل ، وهو جالس بين القبر والمنبر والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون ، فخرج الحسن والحسين ابنا علي من بيت أمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطيان الناس - وكان بيت فاطمة في جوف المسجد - ليس عليهما من تلك الحلل شيء وعمر قاطب ، صار بين عينيه ، ثم قال : والله ما هنأني ما كسوتكم قالوا : لم يا أمير المؤمنين ، كسوت رعيتك وأحسنت . قال : من أجل الغلامين يتخطيان الناس ليس عليهما منها شيء كبرت عنهما وصغرا عنها ، ثم كتب إلى صاحب اليمن أن ابعث إلي بحلتين لحسن وحسين وعجل ، فبعث إليه بحلتين فكساهما .

                                                                          وقال علي بن محمد المدائني ، عن جويرية بن أسماء ، عن مسافع بن شيبة ، قال : حج معاوية ، فلما كان عند الردم أخذ حسين بخطامه فأناخ به ثم ساره طويلا ثم انصرف وزجر معاوية راحلته فسار ، فقال عمرو بن عثمان : يتيح بك حسين وتكف عنه وهو ابن أبي طالب ؟ فقال معاوية : دعني من علي فوالله ما فارقني [ ص: 406 ] حتى خفت أن يقتلني ولو قتلني ما أفلحتم ، وإن لكم من بني هاشم ليوما .

                                                                          وقال حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي إدريس ، عن المسيب بن نجبة ، قال علي : ألا أحدثكم عن خاصة نفسي ، وأهل بيتي ؟ قلنا : بلى قال : أما حسن فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش ولو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب حبالة عصفور ، وأما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وباطل ولا يغرنكم ابنا عباس وأما أنا وحسين فإنا منكم وأنتم منا .

                                                                          وقال سليمان بن أبي شيخ ، عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه : كان الحسن يقول للحسين : أي أخي ، والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك ، فيقول له الحسين : وأنا والله وددت أن لي بعض ما بسط لك من لسانك .

                                                                          وقال يونس بن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث : بينما عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين بن علي مقبلا ، فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم .

                                                                          وقال الزبير بن بكار ، عن عمه مصعب بن عبد الله : حج الحسين خمسا وعشرين حجة ماشيا .

                                                                          وقال محمد بن يونس الكديمي ، عن الأصمعي ، عن ابن [ ص: 407 ] عون : كتب الحسن إلى الحسين يعتب عليه إعطاء الشعراء ، فكتب إليه : " إن خير المال ما وقي العرض " . رواها يحيى بن معين عن الأصمعي ، قال : بلغنا عن ابن عون .

                                                                          وقال المدائني ، عن أبي الأسود العبدي ، عن الأسود بن قيس : قيل لمحمد بن بشير الحضرمي : قد أسر ابنك بثغر الري . قال : عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحب أن يؤسر ولا أن أبقى بعده . فسمع الحسين قوله ، فقال له : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك . قال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك . قال : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب ثمنها ألف دينار .

                                                                          وقال محمد بن عبيد الطنافسي : حدثنا شرحبيل بن مدرك الجعفي ، عن عبد الله بن نجي ، عن أبيه أنه سافر مع علي بن أبي طالب ، وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذوا نينوى ، وهو منطلق إلى صفين ، نادى علي : صبرا أبا عبد الله صبرا أبا عبد الله بشط الفرات . قلت : ومن ذا أبو عبد الله ؟ قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان فقلت : يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بلى ، قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم . فمد يده فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .

                                                                          [ ص: 408 ] أخبرنا بذلك أبو العباس أحمد بن أبي الخير ، قال : أنبأنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش قال : أخبرنا أبو غالب ابن البناء قال : أخبرنا أبو الغنائم بن المأمون ، قال : أخبرنا أبو القاسم بن حبابة قال : أخبرنا أبو القاسم البغوي قال : حدثني يوسف بن موسى القطان ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، فذكره .

                                                                          وقال أبو القاسم البغوي بن أبي شيبة الحبطي ، قال : حدثنا عمارة بن زاذان قال : حدثنا ثابت ، عن أنس ، قال : استأذن ملك القطر ربه عز وجل أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له وكان في يوم أم سلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد . قال : فبينما هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فطفر واقتحم فدخل فوثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فأراه إياه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها .

                                                                          قال ثابت : كنا نقول : إنها كربلاء .

                                                                          وقال عبادة بن زياد الأسدي : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فنزل جبريل ، فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك . وأومأ [ ص: 409 ] بيده إلى الحسين . فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وضعت عندك هذه التربة " ، فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ريح كرب وبلاء . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل . فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحولين دما ليوم عظيم .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو إسحاق ابن الدرجي ، قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني في جماعة ، قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة ، قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني عبادة بن زياد الأسدي ، فذكره .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، عن أبي بكر بن عياش ، عن موسى بن عقبة ، عن داود : قالت أم سلمة : دخل الحسين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع ، فقالت أم سلمة : ما لك يا رسول الله ؟ قال : إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل وأنه اشتد غضب الله على من يقتله .

                                                                          وفي الباب عن عائشة ، وزينب بنت جحش ، وأم [ ص: 410 ] الفضل بنت الحارث ، وأبي أمامة الباهلي ، وأنس بن الحارث وغيرهم .

                                                                          وقال عبد الجبار بن العباس ، عن عمار الدهني : مر علي على كعب فقال : يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد صلى الله عليه وسلم ، فمر حسن ، فقالوا : هذا يا أبا إسحاق ؟ قال : لا . فمر حسين فقالوا : هذا ؟ قال : نعم .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا يحيى بن حماد ، قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن سليمان - يعني الأعمش - قال : حدثنا أبو عبد الله الضبي ، قال : دخلنا على ابن هرثم الضبي حين أقبل من صفين وهو مع علي ، وهو جالس على دكان له ، وله امرأة يقال لها خرداء هي أشد حبا لعلي وأشد لقوله تصديقا ، فجاءت شاة فبعرت ، فقال : لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثا لعلي . قالوا : وما علم علي بهذا ؟ قال : أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء ، فنزل فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل ، ثم أخذ كفا من بعر [ ص: 411 ] الغزلان فشمه ، ثم قال : أوه ! أوه ! يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب . قال : فقالت خرداء : وما ينكر من هذا ؟ هو أعلم بما قال منك . نادت بذلك وهي في جوف البيت .

                                                                          وقال أبو الحسن الدارقطني : حدثنا محمد بن نوح الجنديسابوري، قال : حدثنا علي بن حرب الجنديسابوري ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان قال : حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن يحيى بن سعيد أبي حيان ، عن قدامة الضبي ، عن خرداء بنت سمير ، عن زوجها هرثمة بن سلمى ، قال : خرجنا مع علي في بعض غزوه ، فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة يصلي إليها ، فأخذ تربة من الأرض ، فشمها ، ثم قال : واها لك تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب . قال : فقفلنا من غزاتنا وقتل علي ونسيت الحديث ، قال : فكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين فلما انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث فتقدمت على فرس لي ، فقلت : أبشرك ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثته الحديث . قال : معنا أو علينا ؟ قلت : لا معك ولا عليك ، تركت عيالا وتركت . قال : أما لا ، فول في الأرض ، فوالذي نفس حسين بيده ، لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم . قال : فانطلقت هاربا موليا في الأرض حتى خفي علي مقتله .

                                                                          [ ص: 412 ] وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، قال : حدثني عبد الله بن عمير مولى أم الفضل .

                                                                          قال محمد بن عمر : وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه .

                                                                          قال : وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدي عن أبيه .

                                                                          قال : وحدثني عبد الرحمن بن علي بن حسين .

                                                                          قال أبي الزناد ، عن أبي وجزة السعدي عن محمد بن عمر : وغير هؤلاء أيضا قد حدثني .

                                                                          قال محمد بن سعد : وأخبرنا علي بن محمد ، عن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ، عن أبيه وعن لوط بن يحيى الغامدي ، عن محمد بن نشر الهمداني ، وغيره ، وعن محمد بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير ، وعن هارون بن عيسى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي .

                                                                          قال محمد بن سعد : وغير هؤلاء أيضا قد حدثني في هذا الحديث مطابقة فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلواته وبركاته .

                                                                          قال : لما بايع الناس ليزيد بن معاوية ، كان حسين بن [ ص: 413 ] علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له ، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية ، كل ذلك يأبى ، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى ، وجاء الحسين فأخبره بما عرضوا عليه ، وقال : إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا ويشيطوا دماءنا ، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم ، مرة يريد أن يسير إليهم ومرة يجمع الإقامة ، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال : يا أبا عبد الله إني لك ناصح ، وإني عليك مشفق وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما بلوت منهم وفاء ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب ، والله ما لهم ثبات ولا عزم أمر ولا صبر على السيف .

                                                                          قال : وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن ، فدعوه إلى خلع معاوية ، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأي أخيك . فقال : إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه الكف وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين .

                                                                          وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية : إني لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة وأظن يومكم من حسين طويلا .

                                                                          فكتب معاوية إلى الحسين : إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء ، وقد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك [ ص: 414 ] إلى الشقاق ، وأهل العراق من قد جربت ، قد أفسدوا على أبيك وأخيك ، فاتق الله واذكر الميثاق وأنك متى تكدني أكدك .

                                                                          فكتب إليه الحسين : أتاني كتابك ، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلا الله ، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك ، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة .

                                                                          فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا .

                                                                          وكتب إليه معاوية أيضا في بعض ما بلغه عنه : إني لأظن أن في رأسك نزوة ، فوددت أني أدركها وأغفرها لك .

                                                                          قالوا : ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به ، وقال له : انظر حسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أحب الناس إلى الناس فصل رحمه وارفق به يصلح لك أمره ، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه .

                                                                          وتوفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين ، وبايع الناس ليزيد ، فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري - عامر بن لؤي - إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي ، فإن أمير المؤمنين - رحمه الله - عهد إلي في أمره الرفق به واستصلاحه . فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى [ ص: 415 ] الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وأخبرهما بوفاة معاوية ، ودعاهما إلى البيعة ليزيد فقالا : نصبح وننظر ما يصنع الناس . ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير ، وهو يقول : هو يزيد الذي تعرف ، والله ما حدث له حزم ولا مروءة . وقد كان الوليد أغلظ للحسين فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه ، فقال الوليد : إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا ، فقال له مروان أو بعض جلسائه : اقتله ، قال : إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف . فلما صار الوليد إلى منزله ، قالت له امرأته أسماء ابنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا ؟ قال : هو بدأني فسبني ، قالت : وإن سبك حسين تسبه وإن سب أباك تسب أباه ؟ قال : لا .

                                                                          وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة ، وأصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا ، فقال المسور بن مخرمة : عجل أبو عبد الله ، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه إلى العراق ليخلوا بمكة .

                                                                          فقدما مكة فنزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري ، وجعل يحرض الناس على بني أمية ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق [ ص: 416 ] ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك .

                                                                          وكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك ويقول : لا تفعل .

                                                                          وقال له عبد الله بن مطيع : لا تفعل أي فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق ، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا خولا وعبيدا .

                                                                          ولقيهما عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة ، فقال لهما ابن عمر : أذكركما الله إلا رجعتما ، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس ، وتنظران فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا ، وإن افترق عليه كان الذي تريدان .

                                                                          وقال ابن عمر لحسين : لا تخرج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنك بضعة منه ولا تنالها - يعني الدنيا - فاعتنقه ، وبكى ، وودعه . وكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بن علي بالخروج ، فلعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش ، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس ، فإن الجماعة خير .

                                                                          وقال له ابن عباس : أين تريد يا ابن فاطمة ؟ قال : العراق وشيعتي . فقال : إني كاره لوجهك هذا تخرج إلى قوم قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملة لهم ، أذكرك الله أن تغرر بنفسك .

                                                                          [ ص: 417 ] وقال أبو سعيد الخدري : غلبني الحسين بن علي على الخروج ، وقد قلت له : اتق الله في نفسك والزم بيتك ، ولا تخرج على إمامك .

                                                                          وقال أبو واقد الليثي : بلغني خروج حسين فأدركته بملل فناشدته الله أن لا يخرج ، فإنه يخرج في غير وجه خروج ، إنما يقتل نفسه ، فقال : لا أرجع .

                                                                          وقال جابر بن عبد الله : كلمت حسينا فقلت : اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فوالله ما حمدتم ما صنعتم فعصاني .

                                                                          وقال سعيد بن المسيب : لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له .

                                                                          وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ، ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير .

                                                                          وكتب إليه المسور بن مخرمة : إياك أن تغتر بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فإنهم ناصروك ، إياك أن تبرح الحرم ، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك ، فتخرج في قوة وعدة . فجزاه خيرا ، وقال : أستخير الله في ذلك .

                                                                          [ ص: 418 ] وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه وتقول : أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يقتل حسين بأرض بابل " .

                                                                          فلما قرأ كتابها قال : فلا بد لي إذا من مصرعي .

                                                                          وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال : يا ابن عم إن الرحم تظأرني عليك ، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك ؟ قال : يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولا يتهم فقل . فقال : رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره ، فأذكرك الله في نفسك ، فقال : جزاك الله يا ابن عم خيرا ، فقد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله من أمر يكن . فقال أبو بكر : إنا لله ، عند الله نحتسب أبا عبد الله ! .

                                                                          وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتابا يحذره أهل الكوفة ويناشده الله أن يشخص إليهم ، فكتب إليه الحسين : إني رأيت رؤيا ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني بأمر أنا ماض له ، ولست بمخبرها أحدا حتى ألاقي عملي .

                                                                          وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : إني أسأل الله أن يلهمك رشدك وأن يصرفك عما يرديك ، بلغني أنك قد اعتزمت [ ص: 419 ] على الشخوص إلى العراق فإني أعيذك بالله من الشقاق ، فإن كنت خائفا فأقبل إلي ، فلك عندي البر والصلة . فكتب إليه الحسين : إن كنت أردت بكتابك إلي بري وصلتي فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة ، وإن لم تشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال : إنني من المسلمين ، وخير الأمان أمان الله ، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده .

                                                                          وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج حسين إلى مكة ونحسب جاءه رجال من أهل المشرق فمنوه الخلافة وعندك منهم خبرة وتجربة ، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة وأنت كبير أهل بيتك ، والمنظور إليه فاكففه عن السعي في الفرقة وكتب بهذه الأبيات إليه وإلى من بمكة والمدينة من قريش .


                                                                          يا أيها الراكب الغادي لطيته على عذافرة في سيرها قحم     أبلغ قريشا على نأي المزار بها
                                                                          بيني وبين حسين الله والرحم     وموقف بفناء البيت أنشده
                                                                          عهد الإله وما توفى به الذمم     غنيتم قومكم فخرا بأمكم
                                                                          أم لعمري حصان برة كرم     هي التي لا يداني فضلها أحد
                                                                          بنت الرسول وخير الناس قد علموا [ ص: 420 ]     وفضلها لكم فضل وغيركم
                                                                          من قومكم لهم في فضلها قسم     إني لأعلم أو ظنا كعالمه
                                                                          والظن يصدق أحيانا فينتظم     أن سوف يترككم ما تدعون بها
                                                                          قتلى تهاداكم العقبان والرخم     يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت
                                                                          وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا     قد غرت الحرب من قد كان قبلكم
                                                                          من القرون وقد بادت بها الأمم     فأنصفوا قومكم لا يهلكوا بذخا
                                                                          فرب ذي بذخ زلت به القدم

                                                                          قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس : إني لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة ويطفئ به الثائرة . ودخل عبد الله بن عباس على الحسين فكلمه ليلا طويلا ، وقال : أنشدك الله أن تهلك غدا بحال مضيعة ، لا تأت العراق ، وإن كنت لا بد فاعلا فأقم حتى ينقضي الموسم ، وتلقى الناس ، وتعلم على ما يصدرون ، ثم ترى رأيك - وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين - فأبى الحسين إلا أن يمضي إلى العراق ، فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته ، والله إني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . فقال : أبا العباس إنك شيخ قد كبرت . فقال ابن عباس : لولا أن يزرى ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنا إذا تناحينا أقمت ، لفعلت ، ولكن لا أخال ذلك نافعي . فقال له الحسين : لأن أقتل [ ص: 421 ] مكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل بي - يعني مكة - قال : فبكى ابن عباس ، وقال : أقررت عين ابن الزبير - (ثم كان ابن عباس يقول بعد ذلك) : فذاك الذي سلى نفسي عنه - ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده ، وهو مغضب وابن الزبير على الباب ، فلما رآه قال : يا ابن الزبير قد أتى ما أحببت قرت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز .

                                                                          يا لك من قنبرة بمعمر .

                                                                          خلا لك البر فبيضي واصفري .

                                                                          ونقري ما شئت أن تنقري .

                                                                          وبعث حسين إلى المدينة ، فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلا ونساء وصبيان من أخواته وبناته ونسائهم ، وتبعهم محمد ابن الحنفية فأدرك حسينا بمكة وأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل ، فحبس محمد بن علي ولده فلم يبعث معه أحدا منهم حتى وجد حسين في نفسه على محمد ، وقال : ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه ؟ ! فقال محمد : وما حاجتي أن تصاب ويصابوا معك ، وإن كان مصيبتك أعظم عندنا منهم ! .

                                                                          وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم ! [ ص: 422 ] فخرج متوجها إلى العراق في أهل بيته وستين شيخا من أهل الكوفة وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين .

                                                                          فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد : أما بعد ، فإن الحسين بن علي قد توجه إليك ، وهو الحسين ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين وإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء ، ولا ينساه العامة ، ولا يدع ذكره ، والسلام عليك .

                                                                          وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : أما بعد : فقد توجه إليك الحسين وفي مثلها تعتق أو تكون عبدا تسترق كما تسترق العبيد .

                                                                          وقال أبو الوليد أحمد بن جناب المصيصي : حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القسري ، قال : حدثنا عمار بن أبي معاوية الدهني ، قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام : حدثني بقتل الحسين عليه السلام حتى كأني حضرته ، قال : مات معاوية ، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة ، فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته فقال : أخرني ، ورفق به فأخره ، فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة : إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا - قال : وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة - فبعث [ ص: 423 ] الحسين بن علي إلى مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه ، فقال له : سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي فإن كان حقا قدمت إليهم ، فخرج مسلم حتى أتى المدينة ، فأخذ منها دليلين ، فمرا به في البرية فأصابهم عطش ، فمات أحد الدليلين ، وكتب مسلم إلى الحسين - عليه السلام - يستعفيه ، فأبى أن يعفيه ، وكتب إليه : أن امض إلى الكوفة ، فخرج حتى قدمها فنزل على رجل من أهلها يقال له : عوسجة ، فلما تحدث أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه ، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا ، فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية يقال له : عبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي إلى النعمان بن بشير ، فقال له : إنك لضعيف أو مستضعف قد فسد البلاد ، فقال له النعمان : لأن أكون ضعيفا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويا في معصية الله ، وما كنت لأهتك سترا ستره الله . فكتب بقوله إلى يزيد بن معاوية ، فدعا يزيد مولى له يقال له : سرجون - قد كان يستشيره - فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا ؟ قال : نعم ، قال : فاقبل مني ، إنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد ، فولها إياه - وكان يزيد عليه ساخطا ، وكان قد هم بعزله ، وكان على البصرة - فكتب إليه برضاه عنه ، وأنه قد ولاه الكوفة مع البصرة وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده .

                                                                          فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة [ ص: 424 ] متلثما ، فلا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم عليهم إلا وقالوا : وعليك السلام يا ابن رسول الله ، وهم يظنون أنه الحسين بن علي - عليه السلام - حتى نزل القصر فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وقال : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة ، فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه إليه ليقوى به ، فخرج الرجل فلم يزل يتلطف ويرفق حتى دل على شيخ يلي البيعة ، فلقيه فأخبره الخبر فقال له الشيخ : لقد سرني لقاؤك إياي ولقد ساءني ذلك ، فأما ما سرني من ذلك فما هداك الله له ، وأما ما ساءني فإن أمرنا لم يستحكم بعد . فأدخله على مسلم ، فأخذ منه المال وبايعه ورجع إلى عبيد الله فأخبره .

                                                                          وتحول مسلم حين قدم عبيد الله من الدار التي كان فيها إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين - عليه السلام - يخبره ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة ويأمره بالقدوم . قال : وقال عبيد الله لوجوه أهل الكوفة : ما بال هانئ بن عروة لم يأتني فيمن أتى ؟ قال : فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم ، فأتوه وهو على باب داره ، فقالوا له : إن الأمير قد ذكرك واستبطأك ، فانطلق به ، فلم يزالوا به حتى ركب [ ص: 425 ] معهم ، فدخل على عبيد الله بن زياد وعنده شريح القاضي ، فلما نظر إليه قال لشريح : " أتتك بحائن رجلاه " ، فلما سلم عليه قال له : يا هانئ أين مسلم ؟ قال : ما أدري ، قال : فأمر عبيد الله صاحب الدراهم فخرج إليه فلما فظع به ، فقال : أصلح الله الأمير ، والله ما دعوته إلى منزلي ، ولكنه جاء فطرح نفسه علي . فقال : ائتني به ، قال : والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه . قال : ادنوه إلي ، قال : فأدني ، فضربه بالقضيب ، فشجه على حاجبه وأهوى هانئ إلى سيف شرطي ليستله ، فدفع عن ذلك ، وقال له : قد أحل الله دمك ، وأمر به فحبس في جانب القصر ، فخرج الخبر إلى مذحج ، فإذا على باب القصر جلبة فسمعها عبيد الله ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : مذحج . فقال لشريح : اخرج إليهم فأعلمهم أني إنما حبسته لأسائله ، وبعث عينا عليه من مواليه يسمع ما يقول ، فمر بهانئ ، فقال له هانئ : يا شريح اتق الله ، فإنه قاتلي . فخرج شريح حتى قام على باب القصر ، فقال : لا بأس عليه إنما حبسه الأمير ليسائله ، فقالوا : صدق ، ليس على [ ص: 426 ] صاحبكم بأس ، قال : فتفرقوا ، وأتى مسلما الخبر ، فنادى بشعاره ، فاجتمع إليه أربعون ألفا من أهل الكوفة ، فقدم مقدمة ، وهيأ ميمنة ، وهيأ ميسرة ، وسار في القلب إلى عبيد الله ، وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة ، فجمعهم عنده في القصر ، فلما سار إليه مسلم وانتهى إلى باب القصر أشرفوا من فوقه على عشائرهم ، فجعلوا يكلمونهم ويردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمسمائة ، فلما اختلط الظلام ، ذهب أولئك أيضا .

                                                                          فلما رأى مسلم أنه قد بقي وحده ، تردد في الطريق ، فأتى باب منزل فخرجت إليه امرأة ، فقال لها : اسقيني ماء ، فسقته ، ثم دخلت ، فمكثت ما شاء الله ، ثم خرجت فإذا هو على الباب ، قالت : يا عبد الله إن مجلسك مجلس ريبة ، فقم ، فقال لها : إني مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى ؟ قالت : نعم ، فادخل ، فدخل ، وكان ابنها مولى لمحمد بن الأشعث ، فلما علم به الغلام ، انطلق إلى محمد بن الأشعث فأخبره ، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته إليه ومعه محمد بن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار ، فلما رأى ذلك مسلم خرج بسيفه فقاتلهم ، فأعطاه محمد بن الأشعث الأمان ، فأمكن من يده ، فجاء به إلى عبيد الله فأمر به فأصعد إلى أعلى القصر ، [ ص: 427 ] فضرب عنقه وألقى جثته إلى الناس ، وأمر بهانئ فسحب إلى الكناسة ، فصلب هناك ، فقال شاعرهم :


                                                                          فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري     إلى هانئ في السوق وابن عقيل
                                                                          أصابهما أمر الأمير فأصبحا     أحاديث من يسعى بكل سبيل
                                                                          أيركب أسماء الهماليج آمنا     وقد طلبته مذحج بقتيل

                                                                          وأقبل الحسين عليه السلام بكتاب مسلم بن عقيل إليه ، حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي ، فقال له : أين تريد ؟ فقال أريد هذا المصر . قال له : ارجع ، فإني لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه ، فهم أن يرجع ، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل ، فقالوا : والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ، فقال : لا خير في الحياة بعدكم . فسار فلقيته أول خيل عبيد الله ، فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء وأسند ظهره إلى قصباء حتى لا يقاتل إلا من وجه واحد ، فنزل وضرب أبنيته ، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ونحوا من مائة راجل ، وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص قد ولاه عبيد الله بن زياد الري وعهد إليه ، فدعاه ، فقال : اكفني هذا الرجل ، فقال : اعفني ، فأبى أن يعفيه ، قال : فأنظرني الليلة ، فأخره ، فنظر في أمره ، فلما أصبح غدا إليه راضيا [ ص: 428 ] بما أمره به ، فتوجه عمر بن سعد إلى الحسين - عليه السلام - ، فلما أتاه قال له الحسين - عليه السلام - : اختر واحدة من ثلاث : إما أن تدعوني فألحق بالثغور ، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد ، وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت . فقبل ذلك عمر بن سعد ، وكتب بذلك إلى عبيد الله ، فكتب إليه عبيد الله : لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي ! فقال الحسين - عليه السلام - : لا ، والله لا يكون ذلك أبدا ، فقاتله فقتل أصحابه كلهم ، وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته - عليه السلام - ويجيء سهم فيقع بابن له صغير في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ثم يقتلوننا ، ثم أمر بسراويل حبرة ، فشقها ، ثم لبسها ثم خرج بسيفه فقاتل حتى قتل ، وقتله رجل من مذحج ، وحز رأسه فانطلق به إلى عبيد الله بن زياد ، فقال :


                                                                          أوقر ركابي فضة وذهبا     فقد قتلت الملك المحجبا
                                                                          قتلت خير الناس أما وأبا     وخيرهم إذ ينسبون نسبا

                                                                          فوفده إلى يزيد ومعه الرأس ، فوضع بين يديه وعنده أبو برزة الأسلمي ، فجعل يزيد ينكث بالقضيب على فيه ويقول :


                                                                          نفلق هاما من رجال أعزة     علينا وهم كانوا أعق وأظلما

                                                                          [ ص: 429 ] فقال له أبو برزة : ارفع قضيبك ، فوالله لربما رأيت فاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فيه يلثمه .

                                                                          وسرح عمر بن سعد بحرمه وعياله إلى عبيد الله ، ولم يكن بقي من أهل بيت الحسين عليه السلام إلا غلام كان مريضا مع النساء ، فأمر به عبيد الله ليقتل ، فطرحت زينب بنت علي نفسها عليه ، وقالت : لا يقتل حتى تقتلوني ، فرق لها ، فتركه ، وكف عنه . ثم جهزهم وحملهم إلى يزيد ، فلما قدموا عليه جمع من كان بحضرته من أهل الشام ، ثم أدخلوا عليه فهنؤوه بالفتح ، فقام رجل منهم أحمر أزرق ونظر إلى وصيفة من بناتهم ، فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ، فقالت زينب : لا ، والله ولا كرامة لك ولا له إلا أن يخرج من دين الله ، فأعادها الأزرق فقال له يزيد : كف . ثم أدخلهم إلى عياله فجهزهم وحملهم إلى المدينة ، فلما دخلوها خرجت امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كفها على رأسها تتلقاهم وتبكي وهي تقول :


                                                                          ماذا تقولون إن قال النبي لكم     ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
                                                                          [ ص: 430 ] بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي     منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
                                                                          ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم     أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي

                                                                          قال أبو الوليد أحمد بن جناب : لم أسمع هذا البيت الأخير إلا من هذا الشيخ .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : أخبرني العباس بن هشام بن محمد الكلبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان رجل من بني أبان بن دارم يقال له : زرعة ، شهد قتل الحسين ، فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه ، فجعل يلتقي الدم ، ثم يقول هكذا إلى السماء ، فيرقى به ، وذلك أن الحسين دعا بماء ليشرب ، فلما رماه حال بينه وبين الماء فقال : اللهم ظمه ، اللهم ظمه ، قال : فحدثني من شهده وهو يموت وهو يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين يديه المراوح والثلج وخلفه الكانون وهو يقول : اسقوني ، أهلكني العطش فيؤتى بالعس العظيم فيه السويق أو الماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم ، قال : فيشربه ، ثم يعود فيقول : اسقوني أهلكني العطش ، قال : فانقد بطنه كانقداد البعير .

                                                                          وقال سفيان بن عيينة عن إسرائيل أبي موسى ، سمعت [ ص: 431 ] الحسن يقول : قتل مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته .

                                                                          وقال أبو يعلى محمد بن شداد المسمعي : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم : أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وأنا قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو العز ابن المجاور ، قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، قال : أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر [ ص: 432 ] الحافظ ، قال : أخبرنا أحمد بن عثمان بن مياح السكري ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، قال : حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، فذكره .

                                                                          وقال الحسين بن إسماعيل المحاملي : حدثنا الحسن بن شيب المؤدب ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : لما قتل الحسين اسودت السماء ، وظهرت الكواكب نهارا حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر .

                                                                          وقال : وقال علي بن مسهر ، عن جدته : لما قتل الحسين كنت جارية شابة ، فمكثت السماء بضعة أيام بلياليهن كأنها علقة .

                                                                          وقال علي بن محمد المدائني ، عن علي بن مدرك ، عن جده الأسود بن قيس : احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين بستة أشهر ، نرى ذلك في آفاق السماء كأنها الدم . قال : فحدثت بذلك شريكا ، فقال لي : ما أنت من الأسود ؟ قلت : هو جدي أبو أمي قال : أم والله إن كان لصدوق الحديث ، عظيم الأمانة ، مكرما للضيف .

                                                                          وقال عثمان بن محمد بن أبي شيبة : حدثني أبي ، عن جدي ، عن عيسى بن الحارث الكندي ، قال : لما قتل الحسين [ ص: 433 ] مكثنا سبعة أيام إذا صلينا فنظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضا .

                                                                          وقال محمد بن الصلت الأسدي ، عن الربيع بن المنذر الثوري ، عن أبيه : جاء رجل يبشر الناس بقتل الحسين فرأيته أعمى يقاد .

                                                                          وقال مسلم بن إبراهيم : حدثتنا أم شوق العبدية ، قالت : حدثتني نضرة الأزدية ، قالت : لما أن قتل الحسين بن علي مطرت السماء دما ، فأصبحت وكل شيء لنا ملآن دما .

                                                                          وقال أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، لما قتل الحسين بن علي كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي .

                                                                          وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا قطن بن نسير أبو عباد ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، قال : حدثتني خالتي أم سالم ، قالت : لما قتل الحسين بن علي مطرنا مطرا كالدم على البيوت والجدر ، قال : وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة .

                                                                          [ ص: 434 ] وقال أيضا : حدثني أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثني أبو يحيى مهدي بن ميمون قال : سمعت مروان مولى هند بنت المهلب ، قال : حدثني بواب عبيد الله بن زياد أنه لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه ، رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دما .

                                                                          وقال يعقوب بن سفيان الفارسي : حدثني أيوب بن محمد الرقي ، قال : حدثنا سلام بن سليمان الثقفي ، عن زيد بن عمرو الكندي ، قال : حدثتني أم حيان ، قالت : يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثا ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق ولم يقلب حجرا ببيت المقدس إلا أصيب تحته دم عبيط .

                                                                          وقال أيضا : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن معمر ، قال : أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ؟ ، فقال الزهري : بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط .

                                                                          وقال عباس بن محمد الدوري ، عن يحيى بن معين : حدثنا جرير ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : قتل الحسين ولي أربع عشرة [ ص: 435 ] سنة ، وصار الورس الذي كان في عسكرهم رمادا واحمرت آفاق السماء ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران .

                                                                          وقال أبو بكر الحميدي ، عن سفيان بن عيينة ، عن جدته أم أبيه : لقد رأيت الورس عاد رمادا ، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين .

                                                                          وقال محمد بن المنذر البغدادي ، عن سفيان بن عيينة : حدثتني جدتي أم عيينة : أن حمالا كان يحمل ورسا فهوى قتل الحسين ، فصار ورسه رمادا .

                                                                          وقال محمد بن عبد الله الحضرمي : حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا ، أبو نمير عم الحسن بن شعيب ، عن أبي حميد الطحان ، قال : كنت في خزاعة فجاؤوا بشيء من تركة الحسين فقيل لهم : ننحر أو نبيع فنقسم ؟ قالوا : انحروا ، قال : فجعل على جفنة فلما وضعت فارت نارا .

                                                                          وقال حماد بن زيد ، عن جميل بن مرة : أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل ، فنحروها وطبخوها ، قال : فصارت مثل العلقم ، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا .

                                                                          [ ص: 436 ] وقال قرة بن خالد السدوسي ، عن أبي رجاء العطاردي : لا تسبوا أهل هذا البيت ، فإنه كان لنا جار من بلهجيم قدم علينا من الكوفة ، قال : أما ترون إلى هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله - يعني الحسين بن علي - فرماه الله بكوكبين في عينيه فذهب بصره .

                                                                          وفي رواية : فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره .

                                                                          قال أبو رجاء : فأنا رأيته .

                                                                          وقال عمر بن شبة النميري : حدثني عبيد بن جناد ، قال : أخبرني عطاء بن مسلم قال : قال السدي : أتيت كربلاء أبيع البن بها فعمل لنا شيخ من طي طعاما فتعشينا عنده ، فذكرنا قتل الحسين ، فقلنا : ما شرك في قتله أحد إلا مات بأسوء ميتة ، فقال : ما أكذبكم يا أهل العراق ! فأنا ممن شرك في ذلك ، فلم يبرح حتى دنا من المصباح وهو يتقد ، فنفط ، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه فأخذت النار فيها ، فذهب يطفئها بريقه ، فأخذت النار في لحيته ، فغدا فألقى نفسه في الماء ، فرأيته كأنه حممة .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو العز الحراني بمصر ، فقال : أنبأنا أبو الفرج ابن كليب ، قال : أخبرنا أبو علي بن نبهان ، قال : أخبرنا أبو علي بن شاذان ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم ، [ ص: 437 ] قال : حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، قال : حدثني عمر بن شبة ، فذكره .

                                                                          ورواه أحمد بن العلاء أخو هلال بن العلاء ، عن عبيد بن جناد ، عن عطاء بن مسلم عن ابن السدي ، عن أبيه .

                                                                          رواه أبو السكين الطائي ، عن عم أبيه زحر بن حصن ، عن إسماعيل بن داود من بني أسد ، عن أبيه ، عن مولى لبني سلامة ، قال : كنا في ضيعتنا بالنهرين ونحن نتحدث بالليل ، فقلنا : ما أحد ممن أعان على قتل الحسين خرج من الدنيا حتى تصيبه بلية ، ومعنا رجل من طي ، فقال الطائي : فأنا ممن أعان على قتل الحسين ، فما أصابني إلا خير ، قال : وعشي السراج فقام الطائي يصلحه فعلقت النار في سباحته ، فمر يعدو نحو الفرات ، فرمى بنفسه في الماء فأتبعناه ، فجعل إذا انغمس في الماء رفرفت النار على الماء ، فإذا ظهر أخذته حتى قتلته .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة وأبو الحسن ابن البخاري ، وأحمد بن شيبان ، وزينب بنت مكي ، قالوا : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب الحافظ ، قال : أخبرنا أبو العلاء الوراق هو محمد بن الحسن بن محمد ، قال : حدثنا بكار بن أحمد المقرئ ، قال [ ص: 438 ] حدثنا الحسين بن محمد الأنصاري ، قال : حدثني محمد بن الحسن المدني ، عن أبي السكين البصري ، فذكره .

                                                                          وقال شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن علقمة بن وائل ، أو وائل بن علقمة : أنه شهد ما هناك ، قال : قام رجل فقال : أفيكم الحسين ؟ قالوا : نعم ، قال : أبشر بالنار ، قال : أبشر برب رحيم وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا حويزة ، قال : اللهم حزه إلى النار ، فنفرت به الدابة ، فتعلقت رجله في الركاب ، فوالله ما بقي عليها منه إلا رجله .

                                                                          وقال إسحاق بن إسماعيل ، عن سفيان بن عيينة : حدثتني جدتي أم أبي ، قالت : شهد رجلان من الجعفيين قتل الحسين بن علي ، قالت : فأما أحدهما فطال ذكره حتى كان يلفه ، وأما الآخر فكان يستقبل الراوية بفيه حتى يأتي على آخرها .

                                                                          قال سفيان : رأيت ابن أحدهما كان به خبل ، وكان مجنونا .

                                                                          وقال محمد بن الصلت الأسدي : حدثنا سعيد بن خثيم ، عن [ ص: 439 ] محمد بن خالد ، قال : قال إبراهيم - يعني النخعي - لو كنت ممن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار أشعث أغبر وبيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ .

                                                                          وقال أبو خالد الأحمر : حدثني رزين ، قال : حدثتني سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال حدثنا قرة بن خالد ، قال : أخبرني عامر بن عبد الواحد عن شهر بن حوشب ، قال : إنا لعند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فسمعت صارخة فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة ، فقالت : قتل الحسين . قالت : قد فعلوها ، ملأ الله بيوتهم أو قبورهم عليهم نارا ، ووقعت مغشيا عليها ، وقمنا .

                                                                          [ ص: 440 ] وقال أيضا : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال حدثنا ابن أبي مليكة ، قال : بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام ، وهو يتوقع خبر الحسين بن علي إلى أن أتاه آت فساره بشيء ، فأظهر الاسترجاع فقلنا : ما حدث يا أبا العباس ؟ قال : مصيبة عظيمة عند الله نحتسبها . أخبرني مولاي أنه سمع ابن الزبير يقول : قتل الحسين بن علي فلم نبرح حتى جاء ابن الزبير ، فعزاه ثم انصرف ، فقام ابن عباس فدخل منزله ودخل عليه الناس يعزونه ، فقال : إنه ليعدل عندي مصيبة حسين شماتة ابن الزبير ، أترون مشي ابن الزبير إلي يعزيني ، إن ذلك منه إلا شماتة .

                                                                          قال محمد بن عمر : فحدثني ابن جريج ، قال : وكان المسور بن مخرمة بمكة حين جاء نعي الحسين بن علي فلقي ابن الزبير ، فقال : قد جاء ما كنت تمنى موت حسين بن علي ، فقال ابن الزبير : يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا ؟ فوالله ليته بقي ما بقي بالحمى حجر ، والله ما تمنيت ذلك له ، قال المسور : أنت أشرت إليه بالخروج إلى غير وجه ؟ قال : نعم أشرت عليه ولم أدر أنه يقتل ، ولم يكن بيدي أجله ، ولقد جئت ابن عباس فعزيته ، فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني ، ولو أني تركت تعزيته ، قال : مثلي يترك لا تعزيني بحسين ؟ فما أصنع ، أخوالي وغرة الصدور علي وما أدري على أي شيء ذلك . فقال له المسور : ما حاجتك إلى ذكر ما مضى [ ص: 441 ] وبثه ، دع الأمور تمضي وبر أخوالك فأبوك أحمد عندهم منك .

                                                                          وقال حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أم سلمة : سمعت الجن تنوح على الحسين .

                                                                          وقال سويد بن سعيد ، عن عمرو بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة : ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا الليلة ، وما أرى ابني إلا قد قتل - تعني الحسين - فقالت لجاريتها : اخرجي فسلي ، فأخبرت أنه قد قتل وإذا جنية تنوح :


                                                                          ألا يا عين فاحتفلي بجهد     ومن يبكي على الشهداء بعدي
                                                                          على رهط تقودهم المنايا     إلى متخير في ملك عبد

                                                                          وقال عمر بن شبة : حدثني عبيد بن جناد ، قال : حدثنا عطاء بن مسلم ، عن أبي جناب الكلبي ، قال : أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها : بلغني أنكم تسمعون نوح الجن . قال : ما تلقى حرا ولا عبدا إلا أخبرك أنه سمع ذلك . قلت : فأخبرني ما سمعت أنت ؟ قال : سمعتهم يقولون :


                                                                          مسح الرسول جبينه     فله بريق في الخدود
                                                                          [ ص: 442 ] أبواه من عليا قريـ     ش جده خير الجدود

                                                                          وقال أبو الوليد بشر بن محمد بن بشر التميمي الكوفي : حدثني أحمد بن محمد المصقلي ، قال : حدثني أبي ، قال : لما قتل الحسين بن علي سمع مناد ينادي ليلا يسمع صوته ولم ير شخصه :


                                                                          عقرت ثمود ناقة فاستؤصلوا     وجرت سوانحهم بغير الأسعد
                                                                          فبنو رسول الله أعظم حرمة     وأجل من أم الفصيل المقصد
                                                                          عجبا لهم لما أتوا لم يمسخوا     والله يملي للطغاة الجحد

                                                                          وقال أبو سعيد محمد بن أسعد التغلبي : حدثنا يحيى بن اليمان ، قال : أخبرني إمام مسجد بني سليم ، قال : غزا أشياخ لنا الروم فوجدوا في كنيسة من كنائسهم :


                                                                          أترجو أمة قتلت حسينا     شفاعة جده يوم الحساب

                                                                          فقالوا : منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة ؟ قالوا : قبل أن يخرج نبيكم بستمائة عام .

                                                                          [ ص: 443 ] أخبرنا بذلك أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن البخاري ، وأبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن عبد الملك المقدسيان ، وأبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب الشيباني ، وأبو يحيى إسماعيل بن أبي عبد الله ابن العسقلاني ، وأم أحمد زينب بنت مكي بن علي الحراني ، قالوا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري إملاء قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكري ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن الجنيد ، قال : حدثنا أبو سعيد التغلبي ، فذكره .

                                                                          وقال زكريا بن يحيى الساجي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، قال : حدثنا السري بن منصور بن عمار ، عن أبيه ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، قال : لما قتل الحسين بن علي احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيون الرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطر دم :


                                                                          أترجو أمة قتلت حسينا     شفاعة جده يوم الحساب

                                                                          فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو إسحاق ابن الدرجي ، قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني في جماعة ، قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة ، قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، [ ص: 444 ] قال : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ، فذكره .

                                                                          وقال أبو القاسم الطبراني بهذا الإسناد : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، قال : خرئ رجل من بني أسد على قبر حسين بن علي فأصاب أهل ذلك البيت خبل ، وجنون ، وجذام ، ومرض ، وفقر .

                                                                          وقال محمد بن زكريا الغلابي ، عن عبد الله بن الضحاك ، عن هشام بن محمد : لما أجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوما وامتحى أثر القبر فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه حتى وقع على قبر الحسين ، فبكى ، وقال : بأبي وأمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميتا ، ثم بكى ، وأنشأ يقول :


                                                                          أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه     فطيب تراب القبر دل على القبر

                                                                          وقال مكرم بن أحمد القاضي ، عن أحمد بن سعيد الجمال : سألت أبا نعيم عن زيارة قبر الحسين وكأنه أنكر أن يعلم أين قبره .

                                                                          [ ص: 445 ] وقال علي بن المديني وغير واحد ، عن سفيان بن عيينة : سمعت الهذلي يسأل جعفر بن محمد ، فقال : قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة .

                                                                          وقال الحميدي ، عن سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين ، ومات لها حسن ، وقتل لها حسين .

                                                                          وقال الزبير بن بكار ، عن سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد : قتل حسين وهو ابن ثمان وخمسين .

                                                                          قال الزبير : والحديث الأول في سنه أثبت . يعني : ابن ست وخمسين .

                                                                          وقال زهير بن العلاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : قتل الحسين بن علي يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : قتل الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين .

                                                                          [ ص: 446 ] وكذلك قال الليث بن سعد ، وأبو بكر بن عياش ، وأبو معشر المدني ، والواقدي ، وخليفة بن خياط وغير واحد أنه قتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، زاد بعضهم : يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين ، وقيل : قبل آخر يوم من سنة ستين ، وقيل : سنة اثنين وستين ، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته ومبلغ سنه .

                                                                          وقال الواقدي : الثابت عندنا أنه قتل في المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وأشهر .

                                                                          وقال يحيى بن أبي بكير : حدثنا علي - ويكنى أبا إسحاق - عن عامر بن سعد البجلي ، قال : لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال : إن رأيت البراء بن عازب فأقر مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار ، وإن كاد الله ليسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم .

                                                                          قال : فأتيت البراء فأخبرته ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور بي .

                                                                          [ ص: 447 ] وقال عبد العزيز بن أحمد الكتاني : عن أسد بن القاسم الحلبي : رأى جدي صالح بن السحام بحلب - وكان صالحا دينا - في النوم كلبا أسود وهو يلهث عطشا ولسانه قد خرج على صدره ، فقلت : هذا كلب عطشان دعني أسقه ماء أدخل فيه الجنة ، وهممت لأفعل ، فإذا بهاتف يهتف من ورائه وهو يقول : يا صالح لا تسقه ، يا صالح لا تسقه ، هذا قاتل الحسين بن علي أعذبه بالعطش إلى يوم القيامة .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين رضي الله عنه :


                                                                          إن قتيل الطف من آل هاشم     أذل رقابا من قريش فذلت
                                                                          فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا     كعاد تعمت عن هداها فضلت
                                                                          مررت على أبيات آل محمد     فألفيتها أمثالها حين حلت
                                                                          وكانوا لنا غنما فعادوا رزية     لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
                                                                          فلا يبعد الله الديار وأهلها     وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
                                                                          [ ص: 448 ] إذا افتقرت قيس خبرنا فقيرها     وتقتلنا قيس إذا النعل زلت
                                                                          وعند غني قطرة من دمائنا     سنجزيهم يوما بها حين حلت
                                                                          ألم تر أن الأرض أضحت مريضة     لفقد حسين والبلاد اقشعرت

                                                                          قال : يريد أنهم لا يرعون عن قتل قرشي بعد الحسين .

                                                                          وعائذ البيت : عبد الله بن الزبير .

                                                                          وقال الأستاذ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني : أنشدني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في مجلس الأستاذ أبي منصور الحمشاذي على حجرته في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما :


                                                                          جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد     متزملا بدمائه تزميلا
                                                                          وكأنما بك يا ابن بنت محمد قتلوا     جهارا عاقدين رسولا
                                                                          قتلوك عطشانا ولم يترقبوا     في قتلك التنزيل والتأويلا
                                                                          ويكبرون بأن قتلت وإنما     قتلوا بك التكبير والتهليلا

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا أبو سعد بن الصفار ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، قال : أخبرنا أبو عثمان الصابوني ، فذكره .

                                                                          وقال أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي : أنشدت لبعض الشعراء في مرثية الحسين بن علي رضي الله عنهما : [ ص: 449 ]

                                                                          لقد هد جسمي رزء آل محمد     وتلك الرزايا والخطوب عظام
                                                                          وأبكت جفوني بالفرات مصارع     لآل النبي المصطفى وعظام
                                                                          عظام بأكناف الفرات زكية     لهن علينا حرمة وذمام
                                                                          فكم حرة مسبية فاطمية     وكم من كريم قد علاه حسام
                                                                          لآل رسول الله صلت عليهم     ملائكة بيض الوجوه كرام
                                                                          أفاطم أشجاني بنوك ذوو العلى     فشبت وإني صادق لغلام
                                                                          وأصبحت لا ألتذ طيب معيشة     كأن علي الطيبات حرام
                                                                          ولا البارد العذب الفرات أسيغه     ولا ظل يهنيني الغداة طعام
                                                                          يقولون لي صبرا جميلا وسلوة     وما لي إلى الصبر الجميل مرام
                                                                          فكيف اصطباري بعد آل محمد     وفي القلب منهم لوعة وسقام ؟

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية