الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          1188 - (خ م د س ق) : حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام [ ص: 17 ] ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري ، أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو الوليد ، ويقال : أبو الحسام المدني . شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو عم شداد بن أوس ، وأمه الفريعة بنت خالد بن حبيش بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة ، وبنو عمرو بن مالك بن النجار ، يقال لهم : بنو مغالة ، ويقال : بنو حديلة ، وهي أمهم .

                                                                          روى عن : النبي - صلى الله عليه وسلم - (خ م د س ق) .

                                                                          روى عنه : البراء بن عازب (س) ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب (م د س) ، وسليمان بن يسار ، وابنه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت (ق) ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، وأبو الحسن مولى بني نوفل (خد) ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (خ م د س) .

                                                                          ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية ، قال : وأمه الفريعة بنت خالد بن حبيش بن لوذان ، قال : ويقال : إن أمه الفريعة بنت حبيش بن لوذان أخت خالد بن حبيش ، وعمرو بن حبيش ، [ ص: 18 ] قال : وكان قديم الإسلام ، ولم يشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مشهدا ، وكان يجبن ، وكانت له سن عالية ، توفي وله عشرون ومائة سنة ، عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام .

                                                                          قال محمد بن عمر : مات في خلافة معاوية ، وهو ابن عشرين ومائة سنة .

                                                                          وقال محمد بن إسحاق : عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت : عاش حرام أبو المنذر عشرين ومائة سنة ، وعاش ابنه المنذر بن حرام عشرين ومائة ، وعاش ابنه ثابت بن المنذر عشرين ومائة ، وعاش ابنه حسان بن ثابت عشرين ومائة ، قال : وكان عبد الرحمن بن حسان إذا ذكر هذا الحديث استلقى على فراشه ، وضحك وتمدد ، فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة .

                                                                          قال الحافظ أبو نعيم : لا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد اتفقت مدة تعميرهم مائة وعشرين سنة غيرهم .

                                                                          وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري ، قال : حدثني من شئت من رجال قومي ، عن حسان بن ثابت ، قال : إني والله لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان سنين ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ على أطم يثرب : يا معشر يهود! ، إذ اجتمعوا إليه [ ص: 19 ] قالوا : ويلك ما لك ؟ ، قال : طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو محمد عبد الواسع بن عبد الكافي الأبهري ، قال : أنبأنا أبو محمد عبد المجيب بن أبي القاسم بن زهير الحربي إذنا ، قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي الحربي قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو الحسين بن النقور البزاز ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : أخبرنا رضوان بن أحمد الصيدلاني ، قال : أخبرنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، فذكره .

                                                                          وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن الواسطي ، وأبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي ، قالا : أخبرنا أبو الحسن علي بن النفيس بن بوزندار ببغداد .

                                                                          وأخبرنا الرئيس أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن الحسن بن الخليلي ، قال : أخبرنا أبو الحسن عبد السلام بن عبد الرحمن بن علي بن علي بن سكينة ببغداد .

                                                                          وأخبرنا الرئيس أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي بحلب ، قال : أخبرنا أبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البغدادي بحلب . قالوا : أخبرنا أبو القاسم محمود بن عبد الكريم [ ص: 20 ] ابن علي بن فورجة الأصبهاني ، قدم علينا بغداد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن ماجه الأبهري ، قال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن يحيى الحزوري ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان لوين ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع لحسان المنبر في المسجد ، فيقوم عليه ، فإنما يهجو الذين كانوا يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                          رواه أبو داود ، عن لوين ، فوافقناه فيه بعلو ، ورواه الترمذي ، عن علي بن حجر ، وإسماعيل بن موسى ، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وقال حسن صحيح ، وهو حديث ابن أبي الزناد .

                                                                          وبه : حدثنا لوين ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن محمد بن بركة ، عن أمه ، قالت : كنت مع عائشة في الطواف ، فتذاكروا حسان ، فوقعوا فيه ، فنهتهم عنه فقالت : أليس هو الذي يقول :

                                                                          هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء [ ص: 21 ]     أتهجوه ولست له بكفء
                                                                          فشركما لخيركما الفداء     فإن أبي ووالده وعرضي
                                                                          لعرض محمد منكم وقاء

                                                                          .

                                                                          وبه : حدثنا لوين ، قال : حدثنا حديج بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، قال : قيل لابن عباس : قدم حسان اللعين! قال : فقال ابن عباس : ما هو بلعين ، قد جاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ولسانه .

                                                                          وقال مروان بن معاوية الفزاري ، عن إياس بن عبد الله السلمي المروزي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه أعان جبريل حسان بن ثابت عند مدحه النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعين بيتا .

                                                                          وقال عبد الله بن عمر بن أبان : حدثنا عبدة ، عن أبي حيان التيمي ، عن حبيب بن أبي ثابت : أنشد حسان بن ثابت النبي صلى الله عليه وسلم أبياتا ، فقال :

                                                                          شهدت بإذن الله أن محمدا     رسول الذي فوق السماوات من عل
                                                                          وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما     له عمل في دينه متقبل
                                                                          وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم     يقول بذات الله فيهم ويعدل

                                                                          [ ص: 22 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وأنا"
                                                                          .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر ، قال : أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي كتابة منها ، قال : أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجرجاني ، قال : أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي ، قال : أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان ، قال : أخبرنا أبو يعلى الموصلي ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، فذكره . .

                                                                          وقال أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب : حدثني عبد الله بن شبيب بن سعيد ، عن الزبير - وهو ابن بكار - ، قال : حدثني أبو غزية ، وعبد الجبار بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه : أن حسان بن ثابت قال في مقتل المنذر بن عمرو يرثيه :

                                                                          صلى الإله على ابن عمرو إنه     صدق الإله وصدق ذلك أوفق
                                                                          قالوا له أمرين فاختر منهما     فاختار في الرأي الذي هو أرفق

                                                                          .

                                                                          قال الزبير : وقال أبو غزية : لحسان بن ثابت مواضع : هو شاعر الأنصار ، وشاعر اليمن ، وشاعر أهل القرى ، وأفضل ذلك كله هو شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مدافع .

                                                                          [ ص: 23 ] أخبرنا بذلك أبو العز عبد العزيز بن الصيقل ، قال : أنبأنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني إذنا ، قال : أخبرنا أبو علي بن نبهان ، قال : أخبرنا أبو علي بن شاذان ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقرئ ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، فذكره .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : حدثني علي بن صالح ، عن جدي عبد الله بن مصعب ، عن أبيه قال : كان ابن الزبير يحدث أنه كان في فارع - أطم حسان بن ثابت - مع النساء يوم الخندق ، ومعهم عمر بن أبي سلمة . قال ابن الزبير : ومعنا حسان بن ثابت ضاربا وتدا في ناحية الأطم فإذا حمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين ، حمل على الوتد فضربه بالسيف ، وإذا أقبل المشركون ، انحاز عن الوتد ، حتى كأنه يقاتل قرنا ، يتشبه بهم كأنه يرى أنه يجاهد حين جبن ، قال : وإني لأظلم ابن أبي سلمة يومئذ ، وهو أكبر مني بسنتين ، فأقوله له : تحملني على عنقك حتى أنظر ، فإني أحملك إذا نزلت ، فإذا حملني ، ثم سألني أن يركب ، قلت : هذه المرة ، قال : وإني لأنظر إلى أبي معلما بصفرة ، فأخبرتها أبي بعد ، فقال : وأين أنت حينئذ ؟ فقلت : على عنق ابن أبي سلمة يحملني ، فقال : أما والذي نفسي بيده ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ ليجمع لي أبويه .

                                                                          [ ص: 24 ] قال ابن الزبير : وجاء يهودي يرتقي إلى الحصن ، فقالت صفية لحسان : عندك يا حسان ، قال : لو كنت مقاتلا كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت صفية له : أعطني السيف ، فأعطاها ، فلما ارتقى اليهودي ضربته حتى قتلته ، ثم احتزت رأسه ، فأعطته حسان ، وقالت : طوح به ، فإن الرجل أشد رمية من المرأة ، تريد أن ترعب أصحابه .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار ، فذكره .

                                                                          وقال ابن البرقي ، عن ابن الكلبي : أن حسان بن ثابت كان لسنا شجاعا ، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن ، وكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ، ولا يشهده .

                                                                          قال أبو عبيد القاسم بن سلام : سنة أربع وخمسين فيها توفي حكيم بن حزام ، أبو يزيد ، وحويطب بن عبد العزى ، وسعيد بن يربوع المخزومي ، وحسان بن ثابت الأنصاري ، ويقال :

                                                                          [ ص: 25 ] إن هؤلاء الأربعة ماتوا ، وقد بلغ كل واحد منهم عشرين ومائة سنة .

                                                                          روى له الجماعة ، سوى الترمذي .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية