الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وإن مرض مرضا يمنع القضاء تعين عزله ، في المغني : يعزل . وإن زالت ولاية المولى أو عزل من ولاه أو غيره المستحق للولاية ، والأشهر : بل الصالح لها ، لم ينعزل الحاكم ، لأنه عقد لمصلحة المسلمين ، كعقده نكاح موليته لم يفسخه ، ذكره الشيخ ، وقيل : بلى ، كنائبه بزوال ولاية مستنيبه ، وفيه في الأحكام السلطانية قول : لا . واختاره في الترغيب ، وجزم بأنه ينعزل نائبه في أمر معين من سماع شهادة معينة ، وإحضار مستعدى عليه ، فعلى هذا الوجه لو عزله في حياته لم ينعزل ، وقيل : لا ينعزل بموته بل بعزله ، اختاره جماعة ، قال في المغني : كالوالي ، قال شيخنا : كعقد وصي وناظر عقدا جائزا ، كوكالة وشركة ومضاربة ، ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين ، كوال ، ومن ينصبه لجباية مال وصرفه ، وأمر [ ص: 437 ] الجهاد ووكيل بيت المال والمحتسب ، ذكره شيخنا ، وهو ظاهر كلام غيره .

                                                                                                          وقال أيضا في الكل : لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته حتى يقوم غيره مقامه .

                                                                                                          وفي الرعاية في نائبه في الحكم وقيم الأيتام وناظر الوقف ونحوهم أوجه ، ثالثها إن استخلفهم بإذن من ولاه ، وقيل : وقال استخلف عنك ، انعزلوا ، ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل ، وفيه احتمال ، وفي عزله قبل علمه وجهان ( م 4 ) وله عزل نفسه ، في الأصح .

                                                                                                          وقال صاحب الرعاية : إن لم يلزمه قبوله وفيها له عزل نائبه بأفضل ، وقيل [ ص: 438 ] بمثله ، وقيل بدونه لمصلحة الدين .

                                                                                                          وقال القاضي : عزل نفسه يتخرج على روايتين ، بناء على أنه هل هو وكيل للمسلمين أم لا ؟ وفيه روايتان ، نص عليهما في خطإ الإمام ، فإن قلنا في بيت المال فهو وكيل ، فله عزل نفسه ، وإن قلنا على عاقلته فلا وللشافعية وجهان ، واحتج للمنع بأنه لا يجوز للرسول عزل نفسه عن الرسالة ، ولأنه يفضي إلى تأخير استيفاء الحقوق وإلى إسقاط الحدود عند أبي حنيفة ، لأن الحد لا يجب عنده في دار خلت من إمام ، ولأن أبا بكر لو ملك عزل نفسه لما سألهم ذلك ، واحتج للجواز بقولهم لعثمان اخلع نفسك ، فقال : لا أفعل ، فلو لم يملكه لم يمتنع .

                                                                                                          وذكر القاضي هل لمن ولاه عزله الخلاف ، واحتجوا للجواز بوقوعه ، لكن لم يقع من الصحابة إلا لمصلحة ، فقال عمر : لأعزلن أبا مريم وأولين رجلا إذا رآه الفاجر فرق ، فعزله عن قضاء البصرة وولى كعب بن سور مكانه ، وعزل علي أبا الأسود ، فقال : لم عزلتني وما جنيت ؟ قال : رأيت كلامك يعلو على الخصمين .

                                                                                                          وفي الأحكام السلطانية أن أبا بكر [ ص: 439 ] روى بإسناده أن عمر كان إذا بلغه عن عامله أنه لا يعود المريض ولا يدخل عليه الضعيف عزله ، فأما إن خاف مفسدة باستمراره ووقوع فتنة فيدخل في كلامهم ، وأنه لا يعزله كغيره ، ويتوجه : له عزله لأن عمر عزل سعدا عن الكوفة وقال : لم أعزله عن عجز ولا خيانة .

                                                                                                          [ ص: 437 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 437 ] مسألة 4 ) قوله : " وفي عزله قبل علمه وجهان " ، انتهى .

                                                                                                          اعلم أن الأصحاب اختلفوا في محل هذين الوجهين ، فبناهما صاحب الهداية والمستوعب والمقنع والمحرر والشرح وابن منجى وغيرهم على عزل الوكيل قبل علمه وعدمه .

                                                                                                          وقال القاضي أيضا ، فيكون المرجح على هذه الطريقة عزله ، على ما تقدم في باب الوكالة ، والمصنف قد أطلق الخلاف هناك أيضا ، وذكرهما من غير بناء صاحب المذهب والرعايتين والنظم والحاوي والمصنف هنا وغيرهم ، فيحتمل أن يكون كلامهم محمولا على ما صرح به أولئك ، ويحتمل أن يكون الخلاف من غير بناء . إذا علم ذلك فأطلق الخلاف هنا في المذهب والمحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم :

                                                                                                          ( أحدهما ) ينعزل ، صححه في التصحيح وتصحيح المحرر ، وجزم به في الوجيز وغيره .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا ينعزل قبل علمه ، صححه في الرعاية الكبرى ، ( قلت ) : وهو الصواب الذي لا يسع الناس غيره ، قال في التلخيص : لا ينعزل قبل العلم بغير خلاف وإن انعزل الوكيل ، ورجحه الشيخ تقي الدين ، وقال : هو المنصوص عن أحمد ، قال : لأن في ولايته حقا لله تعالى ، وإن قيل هو وكيل فهو تبعية بنسخ الأحكام ، وهي لا تثبت قبل بلوغ الناسخ على الصحيح بخلاف الوكالة المحضة ، وأيضا فإن ولاية القاضي العقود والفسوخ ، فتعظم البلوى بإبطالها قبل العلم ، بخلاف الوكالة ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 438 ] تنبيه )

                                                                                                          قوله : " وقال القاضي : عزل نفسه يتخرج على روايتين ، بناء على أنه هل هو وكيل للمسلمين أم لا ؟ وفيه روايتان ، نص عليهما في خطإ الإمام فإن قلنا في بيت المال فهو وكيل ، فله عزل نفسه ، وإن قلنا على عاقلته فلا " ، انتهى .

                                                                                                          قد قدم المصنف قبل ذلك أن له عزل نفسه ، وكذا ابن حمدان وغيره ، وهو المذهب ، وقد قال المصنف في باب العاقلة وخطإ إمام وحاكم في حكم في بيت المال ، وعليها للإمام عزل نفسه ، ذكره القاضي وغيره ، انتهى .

                                                                                                          وحاصل ما تقدم أن هذه المسألة ليست من الخلاف المطلق الذي اصطلح عليه المصنف .




                                                                                                          الخدمات العلمية