قال ( والذبح بين الحلق واللبة ) وفي الجامع الصغير : لا بأس بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله ، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { الذكاة ما بين اللبة [ ص: 493 ] واللحيين } ، ولأنه مجمع المجرى والعروق فيحصل بالفعل فيه إنهار الدم على أبلغ الوجوه فكان حكم الكل سواء .
قال ( والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة : الحلقوم ، والمريء ، والودجان ) لقوله عليه الصلاة والسلام { أفر الأوداج بما شئت } . [ ص: 494 ] وهي اسم جمع وأقله الثلاث فيتناول المريء والودجين ، وهو حجة على الشافعي في الاكتفاء بالحلقوم والمريء ، إلا أنه لا يمكن قطع هذه الثلاثة إلا بقطع الحلقوم فيثبت قطع الحلقوم باقتضائه ، وبظاهر ما ذكرنا يحتج مالك ولا يجوز الأكثر منها بل يشترط قطع جميعها ( وعندنا إن قطعها حل الأكل ، وإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة ) وقالا : لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين . قال رضي الله عنه : هكذا ذكر القدوري الاختلاف في مختصره . والمشهور في كتب مشايخنا رحمهم الله أن هذا قول أبي يوسف وحده . وقال في الجامع الصغير : إن قطع نصف الحلقوم ونصف الأوداج لم يؤكل . وإن قطع أكثر الأوداج والحلقوم قبل أن يموت أكل .
ولم يحك خلافا فاختلفت الرواية فيه . والحاصل أن عند أبي حنيفة إذا قطع [ ص: 495 ] الثلاث : أي ثلاث كان يحل ، وبه كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع إلى ما ذكرنا . وعن محمد أنه يعتبر أكثر كل فرد وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، لأن كل فرد منها أصل بنفسه لانفصاله عن غيره ولورود الأمر بفريه فيعتبر أكثر كل فرد منها . ولأبي يوسف أن المقصود من قطع الودجين إنهار الدم فينوب أحدهما عن الآخر ، إذ كل واحد منهما مجرى الدم . أما الحلقوم فيخالف المريء فإنه مجرى العلف والماء ، والمريء مجرى النفس فلا بد من قطعهما . ولأبي حنيفة أن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من الأحكام ، وأي ثلاث قطعها فقد قطع الأكثر منها وما هو المقصود يحصل بها هو إنهار الدم المسفوح والتوحية في إخراج الروح ، لأنه لا يحيا بعد قطع مجرى النفس أو الطعام ، ويخرج الدم بقطع أحد الودجين فيكتفى به تحرزا عن زيادة التعذيب ، بخلاف ما إذا قطع النصف لأن الأكثر باق فكأنه لم يقطع شيئا احتياطا لجانب الحرمة .


