الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط في الرقبة ) لما ذكرنا أنه مقدم . قال ( فإن سلم فالشفعة للشريك في الطريق ، فإن سلم أخذها الجار ) لما بينا من الترتيب ، والمراد بهذا الجار الملاصق ، وهو الذي على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى . وعن أبي يوسف أن مع وجود الشريك في الرقبة لا شفعة لغيره سلم أو استوفى ; لأنهم محجوبون به . ووجه الظاهر أن السبب تقرر في حق الكل ، إلا أن للشريك حق التقدم ، فإذا سلم كان لمن يليه [ ص: 377 ] بمنزلة دين الصحة مع دين المرض ، والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها كما في منزل معين من الدار أو جدار معين منها وهو مقدم على الجار في منزل ، وكذا على الجار في بقية الدار في أصح الروايتين عن أبي يوسف ; لأن اتصاله أقوى والبقعة واحدة .

ثم لا بد أن يكون الطريق أو الشرب خاصا حتى تستحق الشفعة بالشركة فيه فالطريق الخاص أن لا يكون نافذا ، والشرب الخاص أن يكون نهرا لا تجري فيه السفن وما تجري فيه فهو عام . وهذا عند أبي حنيفة ومحمد . وعن أبي يوسف أن الخاص أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلاثة ، وما زاد على ذلك فهو عام ، وإن كانت سكة غير نافذة يتشعب منها سكة غير نافذة وهي مستطيلة فبيعت دار في السفلى فلأهلها الشفعة خاصة دون أهل العليا ، وإن بيعت للعليا فلأهل السكتين ، والمعنى ما ذكرنا في كتاب أدب القاضي . ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على قياس الطريق فيما بيناه . .

التالي السابق


( قوله قال وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط في الرقبة ) أقول : لا يرى لقوله هذا فائدة سوى الإيضاح والتأكيد بعد أن قال قبيله الشفعة واجبة للخليط في نفس المبيع ، ثم للخليط في حق المبيع كالشرب والطريق ثم للجار ، فإن ذلك كما أفاد ثبوت حق الشفعة لكل واحد من هؤلاء أفاد الترتيب أيضا كما صرح به صاحب الهداية . كيف لا وكلمة ثم صريحة في إفادة التأخير ، وليس للمتأخر في الاستحقاق حق عند وجود المتقدم فيه بلا ريب ( قوله فإن سلم فالشفعة للشريك في الطريق ، فإن سلم أخذها الجار لما بينا من الترتيب ) أقول : تعليل هذه المسألة بقوله لما بينا من الترتيب غير تام ، ; لأن ما بينه من الترتيب لا يقتضي أن يستحق المتأخر عند وجوب المتقدم وتسليمه لجواز أن يكون المتأخر محجوبا بالتقدم كما في الميراث على ما قال به أبو يوسف في غير ظاهرة الرواية ، إذ حينئذ لا يستحق المتأخر شيئا عند وجود المتقدم سلم أو استوفى مع بقاء الترتيب على حاله باتفاق الروايات ، وإنما يكون التعليل المذكور تاما لو كانت المسألة هكذا ، فإن لم يوجد الخليط في الرقبة فالشفعة للشريك في الطريق أو الشرب ، فإن لم يوجد هذا أيضا أخذها الجار ; لأن الترتيب يقتضي هذا المعنى لا محالة ، فالمناسب أن يترك التعليل المذكور هاهنا أو يكتفي بما سيأتي من قوله ووجه الظاهر أن السبب تقرر في حق الكل إلخ [ ص: 377 ] قوله والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها كما في منزل معين من الدار ) قال في العناية أخذا من النهاية : مثل أن يكون في دار كبيرة بيوت وفي بيت منها شركة فالشفعة للشريك دون الجار ا هـ .

أقول : في هذا التمثيل قصور لأن المنزل عند الفقهاء دون الدار وفوق البيت ، وأقله بيتان أو ثلاثة نص عليه في المغرب ، وعلم ذلك فيما مر في باب الحقوق من كتاب البيوع فتمثيل الشركة في المنزل بشركة في بيت يخالف اصطلاح هذا الفن ، ولا ضرورة تدعو إليه في كلام المصنف فلا وجه لارتكابه ( قوله والبقعة واحدة ) يعني بقعة الدار المبيعة واحدة ، فإذا صار الشفيع أحق ببعضها كمنزل معين منها أو جدار معين منها صار أحق بجميعها .

قال صاحب العناية : في شرح قوله والبقعة واحدة : أراد الموضع الذي هو مشترك بين البائع والشفيع [ ص: 378 ] وذلك في حكم شيء واحد ، فإذا صار أحق بالبعض كان أحق بالجميع ا هـ .

أقول : فيه خلل ; لأن الموضع الذي هو مشترك بين البائع والشفيع في مسألتنا هو منزل معين من الدار أو جدار معين منها ، ووحدة ذلك لا تؤثر في استحقاق الشفيع جميع الدار . وإنما المؤثر فيه وحدة مجموع الدار وهي لا تلزم من تفسير الشارح المزبور .

وأيضا قوله فإذا صار أحق بالبعض كان أحق بالجميع إنما يطابق وحدة مجموع الدار المبيعة لا وحدة الموضع الذي هو مشترك بين البائع والشفيع ، فكان بين أول كلامه [ ص: 379 ] وآخره تنافر لا يخفى




الخدمات العلمية