الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فإن شرط عليه أن لا يخرج من الكوفة فله أن يخرج استحسانا ) لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وهو مالكية اليد من جهة الاستبداد وثبوت الاختصاص فبطل الشرط وصح العقد لأنه شرط لم يتمكن في صلب العقد ، وبمثله لا تفسد الكتابة ، وهذا [ ص: 173 ] لأن الكتابة تشبه البيع وتشبه النكاح فألحقناه بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد ، كما إذا شرط خدمة مجهولة لأنه في البدل وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلبه هذا هو الأصل . أو نقول : إن الكتابة في جانب العبد إعتاق لأنه إسقاط الملك ، وهذا الشرط يخص العبد فاعتبر إعتاقا في حق هذا الشرط ، والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة .

التالي السابق


( قوله وصح العقد لأنه شرط لم يتمكن في صلب العقد بمثله لا تفسد الكتابة ) قال صاحب العناية في شرح هذا المحل : يعني أن الشرط الباطل إنما يبطل الكتابة إذا تمكن في صلب العقد وهو أن يدخل في أحد البدلين ، كما إذا قال كاتبتك على أن تخدمني مدة أو زمانا ، وهذا ليس كذلك لأنه لا شرط في بدل الكتابة ولا فيما يقابله فلا تفسد به الكتابة انتهى . ورد عليه بعض الفضلاء حيث قال : قوله ولا فيما يقابله ممنوع ، فإنه مقابله فك الحجر وحرية اليد والمنع من الخروج تخصيص للفك والحرية فليتأمل ، فإن مراده بما يقابله هو المكاتب ، إلا أن هذا الشرط يختص به أيضا كما سيجيء بعد أسطر انتهى .

أقول : ليس ذاك بشيء ، لأن كون المنع من الخروج تخصيصا للفك والحرية لا يقتضي كونه داخلا فيهما ، فإنه تخصيص الشيء قد يكون بأمر خارج عنه أخص منه ، كما إذا عرفنا الإنسان بالحيوان الضاحك فإن قيد الضاحك يخصص الحيوان بالإنسان مع أنه خارج عنه قطعا ، وما نحن فيه من قبيل ذلك أيضا ، وإذ لا ريب أن المنع من الخروج خارج عن حقيقة الفك والحرية ، وكذا الحال لو كان المراد بما يقابله هو المكاتب ، فإن اختصاص هذا الشرط به لا يقتضي دخوله فيه ، بل لا مجال لدخوله فيه أصلا كما لا يخفى .

والذي نفاه صاحب العناية إنما هو دخول هذا الشرط في بدل الكتابة أو فيما يقابله ، إذ به يتحقق التمكن في صلب العقد كما عينه ( قوله وهذا [ ص: 173 ] لأن الكتابة تشبه البيع وتشبه النكاح فألحقناه بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد ، كما إذا شرط خدمة مجهولة لأنه في البدل وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلبه هذا هو الأصل ) أقول : لقائل أن يقول : قد مر قبيل هذا الباب في مسألة جواز الكتابة على حيوان غير موصوف أن أئمتنا قالوا بمشابهة عقد الكتابة للنكاح وعملوا بها .

وردوا على الشافعي قوله بمشابهته للبيع فكيف يصح منهم العمل هاهنا بشبهه بالبيع أيضا . ويمكن أن يجاب عنه بأن العمل بالشبهين معا فيما يمكن العمل بهما كما فيما نحن فيه لا ينافي العمل بأحدهما بعينه دون الآخر لرجحان الأول على الثاني فيما لا يمكن العمل بهما معا كما في المسألة المارة فتأمل ( قوله أو نقول إن الكتابة في جانب العبد إعتاق لأنه إسقاط الملك ، وهذا الشرط يخص العبد إلخ ) قال صاحب غاية البيان : لو قال في جانب المولى إعتاق أو قال في جانب العبد عتق كان أولى انتهى .

أقول : كل من شقي كلامه منظور فيه . أما شقه الأول فلأنه لو قال في جانب المولى إعتاق لم يتم المطلوب ، لأن هذا الشرط يخص العبد كما صرح به المصنف فلا يلزم من كون الكتابة إعتاقا في جانب المولى أن لا يكون الشرط المذكور مفسرا في جانب العبد ، بخلاف ما إذا كانت إعتاقا في جانب العبد كما لا يخفى فلهذا قال : إن الكتابة في جانب العبد إعتاق .

وأما شقه الثاني فلأن الإعتاق في قوله في جانب العبد إعتاق مصدر من المبني للمفعول دون المبني للفاعل فيئول إلى العتق ، فكان قوله في جانب العبد إعتاق وقوله في جانب العبد عتق بمنزلة واحدة كما لا يخفى . ثم قال صاحب الغاية : وهذا الذي قالوه ضعيف ، إذ حاصل كلامهم أن الكتابة تشبه العتق والعتق لا يبطل بالشروط الفاسدة فلا تفسد الكتابة أيضا بالشروط الفاسدة لشبهة بالعتق . ولقائل أن يقول : إذا كان لشبهة بالعتق أثر ينبغي أن لا تفسد الكتابة أيضا إذا دخل الشرط الفاسد في صلب عقد الكتابة فعلم أن هذا الوجه من البيان ضعيف . والأولى ما بيناه آنفا من رعاية الشبهين ، إلى هنا كلامه .

وقال بعض الفضلاء بعد نقل اعتراض صاحب الغاية على هذا الوجه : ولا يخفى عليك أنه يجوز دفعه بملاحظة قوله من جانب العبد فإنها من جانب المولى معاوضة فلذلك فسدت بالداخل في صلب العقد ، أو نقول يندفع بقوله في حق هذا الشرط انتهى . أقول : كل من وجهي دفعه غير سالم . أما وجهه الأول فلأن كون الكتابة من جانب المولى معاوضة متحقق في كل صورة من الكتابة ، فلو كان ذلك علة للفساد لفسدت بغير الداخل في صلب العقد أيضا ، وإن [ ص: 174 ] رجع إلى العمل بكونها معاوضة فيما دخل في صلب العقد وبكونها إعتاقا في غير ما دخل فيه رعاية للشبهين رجع هذا الوجه إلى الوجه الأول .

وأما وجهه الثاني فلأن التقييد بقوله في حق هذا الشرط لا يدفع الإشكال المذكور . إذ لقائل أن يقول : إذا كان لشبهه بالعتق أثر ينبغي أن يعتبر إعتاقا في غير هذا الشرط أيضا




الخدمات العلمية