الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 306 ] قال ( وإن باعه المولى وعليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه ، فإن شاء الغرماء ضمنوا البائع قيمته ، وإن شاءوا ضمنوا المشتري ) ; لأن العبد تعلق به حقهم حتى كان لهم أن يبيعوه ، إلا أن يقضي المولى دينهم والبائع متلف حقهم بالبيع والتسليم والمشتري بالقبض والتغييب فيخيرون في التضمين ( وإن شاءوا أجازوا البيع وأخذوا الثمن ) ; لأن الحق لهم والإجازة اللاحقة كالإذن السابق كما في المرهون ( فإن ضمنوا البائع قيمته ثم رد على المولى بعيب فللمولى أن يرجع بالقيمة ويكون حق الغرماء في العبد ) ; لأن سبب الضمان قد زال وهو البيع والتسليم ، وصار كالغاصب إذا باع وسلم وضمن القيمة ثم رد عليه بالعيب كان له أن يرد على المالك ويسترد القيمة كذا هذا .

التالي السابق


( قوله وإن باعه المولى وعليه ديون تحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه ، فإن شاء الغرماء ضمنوا البائع قيمته ، وإن شاءوا ضمنوا المشتري ) قال الشراح : إنما قيد سبب ضمان كل واحد من البائع والمشتري بما ذكر من التسليم والتغييب ، ولم يكتف بمجرد البيع والشراء ; لأنهما لا يضمنان بمجردهما بل بتغييب ما فيه حق الغرماء وهو العبد ; لأنهم يستسعونه أو يبيعونه كما يريدون ، وذلك إنما يفوت بالتسليم والتغييب لا بمجرد البيع والشراء ا هـ .

أقول : لقائل أن يقول : فإذن ينبغي أن يكون الضمان في هذه المسألة على المشتري فقط فإن تغييب العبد الذي فيه حق الغرماء إنما وقع منه دون البائع ولولا التغييب لأمكن لهم أن يردوا البيع فيستسعون العبد أو يبيعونه فلا ضمان حينئذ على أحد كما سيجيء في المسألة الآتية . فإن قلت : تغييب ذاك العبد وإن وقع من المشتري دون البائع إلا أن في البائع أيضا سببية له إذ لولا بيعه وتسليمه لما غيبه المشتري . قلت : نعم ، إلا أن سببية ذلك بعيدة ، وقد تقرر عندهم ومر مرارا أن الحكم يضاف إلى أقرب الأسباب فتأمل .

ثم إن صاحب العناية [ ص: 307 ] قال : ولكن بقي شيء وهو أن حقهم كان في بيع العبد والمولى قد رفع عنهم المؤنة فلا يجب عليه الضمان ، كالوصي إذا باع التركة بغير إذن الغرماء . وأجيب عن ذلك بأن حقهم لم ينحصر في البيع بل لهم الاستسعاء وقد فات بالبيع ، وحق الغرماء منحصر في بيع التركة فافترقا ا هـ كلامه . أقول : لا يتجه السؤال المذكور على مسألتنا هذه أصلا ; لأن وضعها فيما إذا كان ثمن العبد أقل من قيمته ، وأما إذا كان ثمنه أكثر من قيمته أو مساويا لها فلا يثبت للغرماء الخيار بين الأشياء الثلاث المذكورة في هذه المسألة . بل يتعين لهم إذ ذاك إجازة البيع وأخذ الثمن لعدم الفائدة في التضمين ، وقد صرح بذلك كثير من الثقات منهم تاج الشريعة حيث قال : وهذا الخيار إذا كان الثمن أقل من القيمة .

أما إذا كان أكثر أو مساويا فلا خيار لهم ا هـ . ومنهم صاحب الغاية حيث قال بعد ذكر تمام المسألة وبيان أنه لفظ محمد في الجامع الصغير : هذا إذا باعه بأقل من قيمته ، فأما إذا باعه بقيمته أو بأكثر من قيمته وقبض وهو في يده فلا فائدة في التضمين ولكن يدفع الثمن إليهم ا هـ .

فإذا كانت مسألتنا هذه فيما إذا كان ثمن العبد الذي باعه المولى به أقل من قيمته لم يتجه أن يقال إن حقهم كان في بيع العبد والمولى قد رفع عنهم المؤنة فلا يجب عليه الضمان ; لأن حقهم كان في بيع العبد بقيمته والمولى قد باعه بأقل منها فقد قصر وتعدى فوجب عليه الضمان قطعا .

ثم أقول : في الجواب المذكور نظر ; لأن حاصله أن سبب وجوب الضمان على المولى تفويته حق الاستسعاء الغرماء ببيعه العبد ، ومقتضى هذا أن يجب على المولى ضمان الديون بالتمام دون ضمان قيمة العبد فقط ; لأنهم كان لهم أن يستسعوا العبد في جميع ديونه لهم لا في مقدار قيمته فقط ، وقد فات بالبيع والتغييب حق الاستسعاء بالكلية فينبغي أن يضمن البائع والمشتري جميع ما فوتاه وهو جميع ما يمكن استيفاؤه بالاستسعاء من الديون ، ولم يقل به أحد ، وإنما الذي قالوا به أن يجب عليهما ضمان مقدار قيمة العبد لا غير فتدبر .




الخدمات العلمية