الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويتصدق بجلدها ) لأنه جزء منها ( أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت ) كالنطع والجراب والغربال ونحوها ، لأن الانتفاع به غير محرم ( ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه في البيت مع بقائه ) استحسانا ، وذلك مثل ما ذكرنا لأن للبدل حكم المبدل ، ( ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه كالخل والأبازير ) اعتبارا بالبيع بالدراهم .

والمعنى فيه أنه تصرف على قصد التمول ، واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح ، فلو باع الجلد أو اللحم بالدراهم أو بما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه تصدق بثمنه ، لأن القربة انتقلت إلى بدله ، وقوله عليه الصلاة والسلام { من باع جلد أضحيته فلا أضحية له } يفيد كراهة البيع ، البيع جائز لقيام الملك والقدرة على التسليم

.

التالي السابق


( قوله ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه في البيت مع بقائه استحسانا ، وذلك مثل ما ذكرنا لأن للبدل حكم المبدل ) أقول : لقائل أن يقول : إنه تعليل في مقابلة النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام { من باع جلد أضحيته فلا أضحية له } فإنه يتناول بإطلاقه بيع الجلد بما ينتفع بعينه مع بقائه أيضا ، والتعليل في مقابلة النص غير مقبول على ما تقرر في أصول الفقه فليتأمل في الدفع

( قوله ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه كالخل والأبازير اعتبارا بالبيع بالدراهم ، والمعنى فيه أنه تصرف على قصد التمول ) أقول : فيه بحث . أما أولا فلأن اعتبار ذلك بالبيع بالدراهم غير واضح ، فإن الدراهم مما لا ينتفع بعينها أصلا ، أي لا مع بقائها [ ص: 519 ] ولا بعد استهلاكها ، وإنما هي وسيلة محضة فالمقصود منها التمول لا غير ، بخلاف مثل الخل والأبازير فإنه مما ينتفع به ، وإن كان ذلك بعد استهلاكه ، فجاز أن يكون المقصود منه الانتفاع دون التمول ، والانتفاع بنفس جلد الأضحية غير محرم فكذا ببدله .

وأما ثانيا فلأن عدم جواز بيع جلد الأضحية بالدراهم إنما ثبت بخلاف القياس على ما نص عليه صاحب غاية البيان ، فإنه بعد أن بين وجه الاستحسان في جواز بيعه بما ينتفع بعينه مع بقائه بأنه جاز له الانتفاع بالجلد له الانتفاع بالبدل ، لأن البدل له حكم المبدل .

قال : فكان القياس أن يجوز بيع الجلد بالدراهم أيضا ، إلا أنا تركنا القياس بقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه { ولا تعط أجر الجزار منها } فإذا أعطى أجر الجزار منها يصير بائع اللحم والجلد بالدراهم وقد ثبت المنع عنه ، بخلاف القياس فلا يقاس عليه غيره انتهى .

وإذا كان كذلك فكيف يتم قياس عدم جواز بيع الجلد بمثل الخل والأبازير على عدم جواز بيعه بالدراهم كما يقتضيه قول المصنف اعتبارا بالبيع بالدراهم ، وقد تقرر في أصول الفقه أن من شرط القياس أن لا يكون حكم الأصل معدولا عن القياس ، فالأظهر أن يترك القياس على البيع بالدراهم في تعليل هذه المسألة ، ويقال في تعليلها لأنه لا يصلح أن يكون بدلا عن عين الجلد قائما مقامه لعدم الانتفاع به كالانتفاع بعين الجلد فلم يكن حكمه كحكم عين الجلد بخلاف ما ينتفع بعينه مع بقائه كما مر ، وقد أشار إليه صاحب البدائع حيث قال : وله أن يبيع هذه الأشياء بما يمكن الانتفاع به [ ص: 520 ] مع بقاء عينه من متاع البيت كالجراب والمنخل ، لأن البدل الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقوم مقام المبدل ، فكان المبدل قائما معنى وكان الانتفاع به كالانتفاع بعين الجلد ، بخلاف البيع بالدراهم أو الدنانير لأن ذلك مما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فلا يقوم مقام الجلد فلا يكون الجلد قائما معنى انتهى




الخدمات العلمية