الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويجب أن يكون عدلا مأمونا عالما بالقسمة ) لأنه من جنس عمل القضاء ، ولأنه لا بد من القدرة وهي بالعلم ، ومن الاعتماد على قوله وهو بالأمانة ( ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد ) معناه لا يجبرهم على أن يستأجروه لأنه لا جبر على العقود ، ولأنه لو تعين لتحكم بالزيادة على أجر مثله ( ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز ، إلا إذا كان فيهم صغير فيحتاج إلى أمر القاضي ) لأنه لا ولاية لهم عليه ( ولا يترك القسام يشتركون ) كي لا تصير الأجرة غالية بتواكلهم ، وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم إليه خيفة الفوت فيرخص الأجر قال ( وأجرة القسمة على عدد الرءوس عند أبي حنيفة ، وقالا على قدر الأنصباء ) لأنه مؤنة الملك فيتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان وحفر البئر المشتركة ونفقة المملوك المشترك ولأبي حنيفة أن الأجر مقابل بالتمييز ، وأنه لا يتفاوت ، وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل ، وقد ينعكس الأمر فيتعذر اعتباره فيتعلق الحكم [ ص: 430 ] بأصل التمييز ، بخلاف حفر البئر لأن الأجر مقابل بنقل التراب وهو يتفاوت ، والكيل والوزن إن كان للقسمة قيل هو على الخلاف ، وإن لم يكن للقسمة فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن وهو يتفاوت وهو العذر لو أطلق ولا يفصل وعنه أنه على الطالب دون الممتنع لنفعه ومضرة الممتنع قال .

( وإذا حضر الشركاء عند القاضي وفي أيديهم دار أو ضيعة وادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته وقال صاحباه : يقسمها باعترافهم ، ويذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم وإن كان المال المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث قسمه في قولهم جميعا ، ولو ادعوا في العقار أنهم اشتروه قسمه بينهم ) لهما أن اليد دليل الملك والإقرار أمارة الصدق ولا منازع لهم فيقسمه بينهم كما في المنقول الموروث والعقار المشترى ، وهذا لأنه لا منكر ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد ، إلا أنه يذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بإقرارهم ليقتصر عليهم ولا يتعداهم وله أن يقسم قضاء على الميت إذ التركة مبقاة على ملكه قبل القسمة ، حتى لو حدثت [ ص: 431 ] الزيادة قبلها تنفذ وصاياه فيها وتقضى ديونه منها ، بخلاف ما بعد القسمة ، وإذا كانت قضاء على الميت فالإقرار ليس بحجة عليه فلا بد من البينة وهو مفيد ، لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن المورث .

ولا يمتنع ذلك بإقراره كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين فإنه يقبل البينة عليه مع إقراره ، بخلاف المنقول لأن في القسمة نظرا للحاجة إلى الحفظ أما العقار فمحصن بنفسه ، ولأن المنقول مضمون على من وقع في يده ، ولا كذلك العقار عنده ، [ ص: 432 ] وبخلاف المشترى لأن المبيع لا يبقى على ملك البائع وإن لم يقسم فلم تكن القسمة قضاء على الغير قال ( وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل إليهم قسمه بينهم ) لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير ، فإنهم ما أقروا بالملك لغيرهم قال رضي الله عنه : هذه رواية كتاب القسمة .

التالي السابق


( قوله ويجب أن يكون عدلا مأمونا عالما بالقسمة ) قال تاج الشريعة : ذكر الأمانة بعد العدالة وإن كانت من لوازمها لجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة انتهى . واقتفى أثره صاحب الكفاية ثم صاحب العناية ورد هذا التوجيه بعض العلماء في حاشيته على شرح الوقاية ، فإن صاحب الوقاية لما اكتفى بقوله ويجب كونه عدلا عالما بها قال ذلك البعض لم يقل عدلا مأمونا عالما [ ص: 430 ] بها كما وقع في الهداية ، لأن الأمانة من لوازم العدالة وقال : والتوجيه بجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة كما وقع في الكفاية ليس بتام ، لأن ظهور العدالة يستلزم ظهورها كما لا يخفى ا هـ ، أقول : المذكور في الهداية نفس العدالة لا ظهورها ، فاستلزام ظهورها ظهور الأمانة لا يقتضي استدراك ذكر الأمانة المراد بها ظهورها فإن قلت : فلم لا يجوز أن يراد بالعدالة ظهورها كما أريد في الأمانة حتى يستغنى بذكر العدالة عن ذكر الأمانة بالكلية قلت : إرادة ظهور العدالة من لفظ العدالة خلاف الظاهر لا تفهم من لفظها وحده بدون القرينة ، وأما إرادة ظهور الأمانة من لفظ الأمانة الواقعة في الكتاب فبقرينة تقدم ذكر العدالة المستلزمة لنفس الأمانة نعم لو قال في الكتاب ابتداء ظاهر العدالة بدل قوله عدلا لحصل الغنى عن ذكر الأمانة ، لكن مراد [ ص: 431 ] هؤلاء الشراح توجيه العبارة الواقعة في الكتاب لا نفي مجال إفادة المعنى المقصود هاهنا بعبارة أخصر مما وقع في الكتاب

( قوله وهو مفيد لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن المورث ولا يمتنع ذلك بإقراره كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين فإنه تقبل البينة عليه مع إقراره ) قال بعض الفضلاء : وأنت خبير بأنه لا أولوية لأحد الورثة بأن يكون مدعيا والآخر بكونه مدعى عليه فكلاهما مجهول ، بخلاف المقيس عليه لتعين المدعي والمدعى عليه هناك وجوابه ظاهر ، فإن القاضي إذا قال لا أقسم حتى تقيموا البينة على الموت وعدد الورثة هم يجعلون أحدهم مدعيا ليحصل مقصودهم ، إلى هنا كلامه . أقول : لا استشكاله شيء ولا جوابه أما الأول فلأن للقاضي ولاية التعيين في أمثال هذا المقام تحصيلا لمقصودهم فترتفع الجهالة بتعيينه ، وعن هذا قال في الذخيرة في بيان هذه المسألة : فالقاضي يسمع البينة ويقسم الدار ويجعل أحد الحاضرين مدعيا والآخر مدعى عليه ، على أن لكل واحد من الورثة الحاضرين صلوحا لأن يكون مدعيا في دعوى حق نفسه على الآخر ومدعى عليه في دعوى الآخر حقه عليه ، فكل منهم يصير مدعيا ومدعى عليه من حيثيتين مختلفتين ، ونظير ذلك أكثر من أن يحصى في مسائل الفقه فلا تتوهم الجهالة حينئذ أصلا . وأما الثاني فلأن مقتضاه أن يتوقف استماع القاضي البينة وقسمة الدراهم بينهم على جعلهم أحدهم على التعيين مدعيا ولم يسمع ذلك من أحد ولم ير في شيء من الكتب ، فإنهم إن لم يعلموا معنى المدعي والمدعى عليه أصلا فضلا عن أن يعلموا مثل هذه الدقيقة المعتبرة في هذه المسألة من انتصاب الورثة خصماء عن المورث يقسم القاضي الدار بينهم بالإجماع بعد أن أقاموا البينة على موت المورث وعدد الورثة [ ص: 432 ] كما هو المفهوم من كتب الفقه بأسرها




الخدمات العلمية