وتوبة كل كافر إتيانه بالشهادتين مع إقراره بما جحده من نبي أو غيره ، أو قوله : أنا مسلم ولا يعتبر في الأصح إقرار مرتد بما جحده ، [ ص: 172 ] لصحة الشهادتين من مسلم ، ومنه بخلاف توبة من بدعة ، ذكره فيها جماعة ، ونقل المروذي في الرجل يشهد عليه بالبدعة فيجحد : ليست له توبة ، إنما التوبة لمن اعترف ، فأما من جحد فلا ، وعنه : يغني قوله : محمد رسول الله ، عن كلمة التوحيد ، وعنه : من مقر به ، ويتوجه احتمال : يكفي التوحيد ممن لا يقر به كوثني لظاهر الأخبار ، ولخبر أسامة وقتله الكافر الحربي بعد قوله لا إله إلا الله ، لأنه مصحوب بما يتوقف عليه الإسلام ، ومستلزم له ، وفاقا للشافعية وغيرهم .
وقال بعض الشافعية : يكفي مطلقا ، وهو الذي ذكره ابن هبيرة في حديثي جندب وأسامة ، قال فيه : إن الإنسان إذا قال لا إله إلا الله عصم بها دمه ، ولو ظن السامع أنه قالها فرقا من السيف بعد أن يكون مطلقا ، وإن أكره ذمي على إقراره به لم يصح ، لأنه ظلم وفي الانتصار احتمال ، وفيه : يصير مسلما بكتابة الشهادة ، ويكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح كرجوعه عن حد لا بعد بينة بل يجدد إسلامه ، قال جماعة : يأتي بالشهادتين وفي المنتخب الخلاف .
نقل ابن الحكم فيمن أسلم ثم تهود أو تنصر فشهد عليه عدول فقال : لم أفعل وأنا مسلم ، قبل قوله ، هو أكثر عندي من الشهود ، قال شيخنا : اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله وإن لم يحكم به حاكم ، بل مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه و ( هـ ش ) أن من [ ص: 173 ] شهدت عليه بينة بالردة فأنكر حكم بإسلامه ، ولا يحتاج أن يقر بما شهد به عليه ، فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره ( ع ) بل إخراجه إلى ذلك قد يكون كذبا ، ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار ، كإقرار الصحيح فإنه قد علم أنه لقنه وأنه فعله خوف القتل وهو إقرار تلجئة ، نقل أبو طالب في اليهودي إذا قال : قد أسلمت أو أنا مسلم يجبر عليه : قد علم ما يراد منه ، وفي مفردات أبي يعلى الصغير : لا خلاف أن الكافر لو قال : أنا مسلم ولا أنطق بالشهادة يقبل منه ولا يحكم بإسلامه ، وإن شهد أنه كفر وادعى الإكراه قبل منه مع القرينة فقط ، لأن إنكاره للردة يمنعها ، ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه قبل مطلقا ، في الأصح ، لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة .
ومن أسلم وقال لم أرده أو لم اعتقده لم يقبل منه ، وعنه : بلى وعنه : إن ظهر صدقه ، وعنه : يقبل من صغير ، قال أحمد فيمن قال لكافر : أسلم وخذ ألفا فأسلم ولم يعطه فأبى الإسلام : يقتل وينبغي أن يفي ، قال : وإن أسلم على صلاتين قبل منه وأمر بالخمس .
وعن { غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده أنه أرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا ، فأسلموا وحسن إسلامهم ، ثم بدا له أن يرتجعها منهم ، أفهو أحق بها أم هم ؟ قال إن بدا له أن يسلمها إليهم فليسلمها ، وإن بدا له أن يرتجعها فهو أحق بها منهم ، فإن أسلموا فلهم إسلامهم وإن لم يسلموا قوتلوا على [ ص: 174 ] الإسلام } وقال : إن أبي شيخ كبير ، وهو عريف على الماء ، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده ، فقال { إن العرافة حق ، لا بد للناس من عرفاء ، ولكن العرفاء في النار } رواه أبو داود وإسناده من لا يحتج به ، قال الخطابي فيه : إن من أعطى رجلا على أن يفعل أمرا مفروضا عليه فإن للمعطى ارتجاعه منه ، ولم يشارط النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة ( قلوبهم ) على أن يسلموا فيعطيهم جعلا على الإسلام ، وإنما أعطاهم عطايا بأنه يتألفهم ، وفي العرافة مصلحة الناس ، وفيه التحذير من التعريض للرياسة والتأمر على الناس ، لما فيه من الفتنة ، وأنه إذا لم يقم بحقه ولم يؤد الأمانة فيه أثم . ولا يبطل إحصان قذف ورجم بردة ، فإذا أتى بهما بعد إسلامه حد ، خلافا لكتاب ابن رزين في إحصان رجم .
[ ص: 172 ]


