الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن وليت ما اشتريت بما اشتريت : [ ص: 259 ] جاز ، إن لم تلزمه ، وله الخيار ; وإن رضي بأنه عبد ثم علم بالثمن فكره ، فذلك له وإلا ضيق : صرف ، ثم إقالة طعام ، . [ ص: 260 ] ثم تولية ; وشركة فيه ، ثم إقالة عروض ، وفسخ الدين في الدين ، ثم بيع الدين ، ثم ابتداؤه .

التالي السابق


( وإن أوليت ) شخصا ( ما ) أي شيئا معينا أو موصوفا ( اشتريت ) هـ لنفسك بثمن معلوم ولم تبين ذلك الشيء للمولى بالفتح ( بما ) أي الثمن الذي ( اشتريته ) به ولم تبينه له [ ص: 259 ] أيضا ( جاز ) عقد التولية مع جهل المولى بالفتح بالمثمن والثمن لأنه معروف ( إن لم تلزمه ) بضم الفوقية وكسر الزاي والفاعل المستتر المقدر بأنت للمولي بالكسر والمفعول البارز للمولى بالفتح ، أي إن لم تشترط عليه أن المبيع لازم له بأن سكت أو شرطت له الخيار إذا علمهما ( وله ) أي المولى بالفتح ( الخيار ) بين الأخذ والترك إذا علمهما ، فإن ألزمته لم يجز وفسد للجهل بالثمن والمثمن " غ " أشار لقولها في السلم الثالث وإن اشتريت سلعة ثم وليتها الرجل ولم تسمهما له أو سميت أحدهما دون الآخر ، فإن كانت ألزمته إياها لم يجز لأنها مخاطرة وقمار ، وإن كان على غير الإلزام جاز ، وله الخيار إذا رآها وعلم ثمنها عينا كان أو عرضا أو حيوانا ، وإذا اختار الأخذ فعليه مثل الثمن ولو مقوما عنده لئلا يدخله بيع ما ليس عنده قاله ابن يونس ( وإن رضي المولى ) بالفتح ( بأنه ) أي المبيع الذي ولاه له مبتاعه ( عبد ) مثلا قبل علمه بثمنه .

( ثم علم ) المولى بالفتح ( بالثمن ) للمبيع الذي ولاه له ( فكره ) المولى بالفتح أخذ العبد مثلا لغلاء ثمنه أو رضي بالثمن قبل علمه بالمثمن ثم علم به فكره ( فذلك ) أي الرد والامتناع من الأخذ اللازم للكره ( له ) أي المولى بالفتح لأن التولية معروف فتلزم المولي بالكسر ولا تلزم المولى بالفتح " غ " فيها أثر ما سبق وإن أعلمته أنه عبد فرضي به ثم سميت له الثمن فلم يرضه فذلك له ، وهذا من ناحية المعروف يلزم المولى ولا يلزم المولي إلا أن يرضى وأما إن كنت بعته عبدا في بيتك بمائة دينار ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك فالبيع فاسد ولا يكون المبتاع فيه بالخيار إذا نظره جاز ، وإن كان على المكايسة ( وإلا ضيق ) من الأبواب التي تشترط فيها المناجزة ( صرف ) أراد به بيع العين بعين فشمل الصرف والمبادلة والمراطلة لحرمة التأخير ولو قريبا أو غلبة ( ثم ) يلي الصرف في الضيق ( إقالة أحد ) المتبايعين الآخر من ( طعام ) قبل قبضه [ ص: 260 ] لأنه اغتفر فيها الذهاب لبيته أو قربه ليأتي بالثمن .

( ثم ) يلي الإقالة في الضيق ( تولية وشركة فيه ) أي الطعام قبل قبضه لاغتفار تأخير الثمن فيهما قرب اليوم ، وعلة منع التأخير فيهما تأديته لبيع دين بدين مع بيع لطعام قبل قبضه ( ثم ) يليهما في الضيق ( إقالة ) أحد المتبايعين الآخر من ( عروض ) مسلم فيها لأنه يؤدي لفسخ دين في دين ( وفسخ الدين في الدين ) لاغتفار التأخير في اليسير بقدر ما يأتي بمن يحمله ، فإن كان كثيرا جاز تأخيره مع اتصال العمل ولو شهرا قاله أشهب ، إذا كان ما يأخذ منه حاضرا أو في حكمه كمنزله أو حانوته " ق " يجوز في فسخ الدين في الدين أن يأتي بدوابه أو بما يحمله فيه وإن دخل عليه الليل ترك بقية الكيل ليوم آخر ( ثم ) يلي ما تقدم في الضيق ( بيع الدين ) لجواز تأخير ثمنه ليومين ( ثم ابتداؤه ) أي الدين بالدين لاغتفار التأخير فيه ثلاثة أيام بشرط ، وبقي من الأبواب التي شرطها المناجزة بيع المعين الذي يتأخر قبضه ففيها يمنع السلم في سلعة معينة يتأخر قبضها أجلا بعيدا خشية هلاكه قبله ، ويجوز تأخيره اليومين لقربهما ا هـ الحط أصل هذا الكلام لابن محرز في تبصرته وعنه نقله المصنف في توضيحه وابن عرفة .

ونصه في السلم الثالث منها في ترجمة الإقالة قلت وأضيق هذه الأحكام كلها في القبض أمر الصرف ثم الإقالة من الطعام أو التولية ففيه ، ثم الإقالة من العروض وفسخ الدين ، ثم بيع الدين المتقرر في الذمة ، وعن ابن المواز فيه أنه لا بأس أن يتأخر ثمنه اليومين حسبما يتأخر رأس المال في السلم . ا هـ . وفيه مخالفة لكلام المصنف حيث جعل التولية في الطعام مع الإقالة منه في مرتبة واحدة والمصنف عطفها بثم وأيضا فلم يذكر الشركة في الطعام ، ولكن أمر الشركة والتولية واحد ، ونقل ابن عرفة كلامه كما ذكرناه عن تبصرته إلا أنه عطف التولية في الطعام على الإقالة منه بالواو كذا نقله أبو الحسن وهو في التبصرة بأو نقله في [ ص: 261 ] التوضيح بثم كما في مختصره ، ولم أر أحدا نقل عنه الشركة في الطعام غير المصنف والله أعلم ، إلا أن حكمها حكم التولية فيه وإذا كان كذلك فلا إشكال أن الصرف أضيق الأبواب اللخمي المعروف من المذهب أن الإقالة أوسع من الصرف ، وأنه يجوز المفارقة فيها للإتيان بالثمن من البيت وما قاربه ، والتولية وبيع الدين أوسع من الإقالة لأنه لا يجوز تأخير الثمن في الإقالة اليومين ، ويجوز في ابتدا الدين تأخير الثلاثة بشرط بغير خلاف واختلف هل يجوز مثله في التولية وبيع الدين ا هـ .

والذي يظهر أنه لا فرق بين الإقالة من الطعام والتولية والشركة فيه ، وإقالة العروض وفسخ الدين وبيع الدين على المشهور ، وإنما تفترق في كونها بعضها فيه خلاف ، وبعضها لا خلاف فيه ، نعم هذه أخف من الصرف ، وأما ابتداء الدين فهو أوسع منها ، ومما يدل على أن الإقالة من الطعام أخف من الصرف قولها إذا أقلته ثم أحالك بالثمن على شخص فدفعه لك قبل مفارقة الذي أحالك جاز وإن فارقته لم يجز ، وإن وكل البائع من يدفع لك الثمن أو وكلت من يقبضه لك وذهبت وقبضه الوكيل مكانه جاز . ا هـ . وهذا كله لا يجوز في الصرف ، وفي سلمها الثالث مالك " رضي الله عنه " إن أسلمت إلى رجل في حنطة أو عرض ثم أقلته أو وليته رجلا أو بعته إن كان مما يجوز لك بيعه لم يجز لك أن تؤخر بالثمن من وليته أو أقلته أو بعته يوما أو ساعة بشرط أو بغيره لأنه دين في دين ولا تفارقه حتى تقبض الثمن كالصرف ، ولا يجوز أن تقيله من الطعام وتفارقه قبل قبض رأس المال ولا أن يعطيك به حميلا أو رهنا أو يحيلك به على أحد أو يؤخرك يوما أو ساعة لأنه يصير دينا في دين وبيع الطعام قبل قبضه فإن أخرك به حتى طال انفسخت الإقالة وبقي الطعام المبيع بينكما على حاله ، وإن نقدك قبل أن تفارقه فلا بأس به ا هـ .

[ ص: 262 ] فعلم من هذا أن الإقالة من الطعام ومن العروض والتولية وبيع الدين حكمها سواء ، لأنه صرح به والشركة حكمها حكم التولية بلا إشكال وفسخ الدين في الدين هو أشد من بيع الدين ، فيكون حكم الجميع واحدا على مذهب المدونة ، وهذا في الإقالة من الطعام قبل قبضه والعرض المسلم فيه وأما في المبيع المعين فيجوز التأخير فيها ، قال فيها : وإن ابتعت من رجل سلعة معينة ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما على أن تقبض رأس مالك وأخرته به إلى سنة جاز لأنه بيع حادث ، والإقالة تجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم ا هـ كلام الحط والله أعلم بالصواب البناني الترتيب هنا إنما هو بين الصرف وابتداء الدين بالدين فشددوا في الصرف وخففوا في الآخر ، وأما ما بينهما فلا ترتيب بينهما من هذه الحيثية ، وإنما هو من جهة قوة الخلاف وضعفه انظر الحط .




الخدمات العلمية