الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 431 ] فإن حل أجل الثاني أولا قسم ، إن أمكن .

[ ص: 432 ] وإلا بيع وقضيا

التالي السابق


ثم عاد لتتميم مسألة وفضلته فقال ( فإن حل ) بفتح الحاء المهملة واللام مشددة أي حضر ( أجل ) الدين ( الثاني أولا ) بفتح الواو مشددة أي قبل حلول أجل الأول ( قسم ) بضم فكسر الرهن بين المرتهنين ( إن أمكن ) قسمه ابن عبد السلام بأن يدفع للأول قدر ما يتخلص منه لا أزيد ، وباقيه للثاني إلا أن يكون باقيه يساوي أكثر من الدين الثاني فلا يدفع منه للثاني إلا مقدار دين ، وتكون بقية الرهن كلها للدين الأول .

( تنبيهات ) الأول : مثل ما قاله لابن الحاجب وابن الجلاب . ابن عرفة لم أعرف قسمه في هذه المسألة إلا في الجلاب وابن الحاجب ، وما وقع عليه الحكم في العتبية والموازية إلا في استحقاق بعضه .

الثاني : تت ظاهره قسمه ولو كان ينقص حظ صاحبه . طفي يؤخذ من سماع عيسى وأبي زيد التقييد بما لا ينقض ، ونقله في كبيره عن ابن عرفة وبه قيد " س " البناني وفيه نظر لأنه إن كان مراده أن لا تنقص قيمة الرهن بعد قسمه فلا يدل عليه إلا في السماعين ونص ابن عرفة وفي سماع عيسى وأبي زيد ابن القاسم في رجلين لهما رهن منهما قام أحدهما يبيعه وآخر صاحبه الغريم بحقه يقسم إن لم ينقص القسم حظ القائم فيباع حظه لقضاء حقه ، ويوقف حظ من أخر الغريم ، وإن لم ينقسم كذلك بيع وعجل حق القائم وحق الآخر إن حلف ما أخره إلا لإعطاء رهن مثله . ا هـ . وإن أراد أن لا ينقص القسم حظ القائم كما في السماع فلا يتصور هنا لأن القائم هنا هو الثاني الذي حل دينه أولا ، وقد علمت مما تقدم أنه ليس له من الرهن إلا ما فضل عن الأول ، سواء وفى بدينه أم لا .

الثالث : تت مفهوم قوله أولا أنهما لو حلا معا أو الأول فقط لكان الأمر كذلك [ ص: 432 ] وهو كذلك من باب أولى . طفي انظر هذه الأولوية إذ لا معنى للقسم عند حلولهما ، بل يباع ويقضى الدينان وهكذا قال الزرقاني وهو الصواب في حلولهما معا ، وأما في حلول الأول فقط فقال ابن عبد السلام يقسم إن أمكن ، وإلا فيباع ويعجل للأول حقه ، وهل يعجل للثاني أو يطبع على الباقي ويرهن عند الثاني حتى يحل أجله قولان ، واقتصر " ح " على كلامه .

الرابع : استشكل قسم الرهن بأن قسم الأول قد يتغير سوقه فلا يفي بدينه ، وهو إنما دخل على رهن الجميع . وجواب ابن عاشر بأن الفضلة رهنت برضا الأول يرد بأن الرهن إذا كان بيد أمين فلا يشترط فيه رضا الأول كما تقدم .

( وإلا ) أي وإن لم يمكن قسم الرهن ( بيع ) الرهن ( وقضيا ) بضم فكسر أي الدينان بأن يقضي الأول ثم الثاني من الباقي لأن الثاني ليس له إلا ما فضل عن الأول ، وبعد حصول المال للراهن لا معنى لتأخير دين الأول ، كذا قيل ، وفيه بحث ، وأشعر قوله وقضيا بأن فيه فضلا عن الأول وهو كذلك ، فإن يكن فيه فضل فلا يباع حتى يحل أجل الأول قاله ابن القاسم . وظاهر قوله وإلا بيع أنه يباع ولا يوقف ، ولو أتى للأول برهن كالأول قاله تت .

البناني يباع ولا يوقف أي يباع ويعجل للأول دينه ولا يوقف ، ولو أتى للأول برهن كالأول وهذا هو الذي استظهره ابن رشد ، ونصه وقول مالك " رضي الله عنه " إنه يباع الرهن ويعطى الذي لم يحل حقه حقه كله ولا يوضع إلى أن يحل أجله معناه إذا لم يأت برهن يشبه الرهن الأول ، ثم قال ويشبه أن يقال في هذه المسألة أنه يجعل للمرتهن فيها حقه باتفاق ، ولا يكون للراهن أن يأتي برهن آخر لأنه أدخل على المرتهن بيع رهنه فأشبه ذلك بيع الرهن بغير إذن المرتهن وهو الأظهر .

فإن قيل إن حل أجل الثاني أولا ولم يمكن قسمه بيع وعجل للأول دينه ، وإن حل أجل الأول أولا ففي تعجيل حق الثاني قولان فما الفرق ؟ قلت الفرق أن تعلق حق الأول بالرهن أقوى من تعلق حق الثاني ، إذ ليس للثاني إلا ما فضل عن الأول .




الخدمات العلمية