الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو غاب . وتؤولت .

[ ص: 57 ] بخلافه ، وفيه : إن فات أكثر الثمن أو القيمة إن أسلف المشتري ; وإلا فالعكس ، . .

التالي السابق


وبالغ على صحة البيع إذا أسقط شرط السلف فقال ( ولو غاب ) المتسلف على السلف غيبة يمكنه الانتفاع به فيها فيصح البيع ويرد السلف لربه فهو راجع لقوله ، وصح إن حذف فالأولى ذكره عنده ( وتؤولت ) بضم الفوقية والهمز وكسر الواو مشددة أي [ ص: 57 ] فهمت المدونة ( بخلافه ) وهو نقض البيع مع الغيبة على السلف ولو أسقط الشرط لتمام الربا بينهما . تت الأول هو المشهور ، وقول ابن القاسم وتأول الأكثر المدونة عليه وهو تابع للشارح وأصله في التوضيح ، ونصه صرح ابن عبد السلام بمشهوريته .

طفي فيه نظر لأن ابن عبد السلام صرح بمشهورية الصحة بإسقاط شرط السلف في غير الغيبة وذكر الخلاف مع الغيبة ولم يصرح بمشهور ، وإنما نسب الصحة لأصبغ فإنه لما عزى عدمها لسحنون وابن حبيب ويحيى عن ابن القاسم قال : وخالف أصبغ ورأى أن الغيبة على السلف لا تمنع تخيير المشترط . ا هـ . وكذا فعل عياض ، ثم قال : وذهب أكثر شيوخ القرويين إلى أن قول سحنون وفاق للكتاب وجعله بعضهم خلافا فانظر كيف عزا للأكثر خلاف ما عزا لهم المصنف ومن تبعه إذا علمت ذلك ظهر لك أن المعتمد عدمها في الغيبة . ( وفيه ) أي المبيع بشرط السلف ( إن فات ) المبيع بيد المشتري ( أكثر ) شيئين ( الثمن ) الذي وقع البيع به ( أو القيمة ) التي يحكم بها أهل المعرفة يوم قبض المبيع ( إن أسلف المشتري ) البائع لاتهامه بأنه أخذها بناقص عما تباع به لإسلافه فيعامل بنقيض قصده ( وإلا ) أي وإن لم يكن المسلف المشتري بأن كان البائع ( فالعكس ) أي فيه أقل الثمن والقيمة لاتهامه على أنه زاد في ثمنها عما تباع به لإسلافه ، فيعامل بنقيض قصده .

الحط ينبغي أن يقيد هذا بعدم غيبة المشتري على السلف مدة يرى أنها القدر الذي أراد الانتفاع بالسلف فيهما وإلا ففيه القيمة بالغة ما بلغت كما يؤخذ من كلام ابن رشد الآتي في شرح قول المصنف في فصل الغيبة وله الأقل من جعل مثله أو الدرهمين . ا هـ . وتبعه س وعج ومن بعدهما . طفي هذا قصور إذ هو قول مقابل لما مشى عليه المصنف . ابن عرفة وفي إيجاب الغيبة على السلف لزوم فسخه والقيمة ما بلغت في قوته وبقاء تصحيحه بإسقاط الشرط ، ثالثها إن غاب عليه مدة أجله أو قدر ما يرى أنه أسلفه إليه للباجي مع غير واحد عن سحنون مع ابن حبيب وعن أصبغ وتفسير ابن رشد قول ابن القاسم [ ص: 58 ] عب لم يتعرض المصنف لحكم فوات ما فيه شرط مناقض للمقصود وهو أن للبائع الأكثر من الثمن والقيمة يوم القبض لوقوع البيع بأنقص من الثمن المعتاد للشرط ، ثم قال : وتعبيره بالقيمة يشعر بأن كلامه في المقوم ، وأما المثلي ففيه مثله .

البناني قسم ابن رشد الشروط في البيع أربعة أقسام ، وأشار المصنف إلى جميعها ولنذكر طرفا من أحكامها القسم الأول : شرط ما يقتضيه العقد كتسليم المبيع وضمان العيب والاستحقاق ورد العوض عند انتقاض البيع أو ما لا يقتضيه ولا ينافيه ككونه لا يئول إلى غرر أو فساد في الثمن أو المثمن ، ولا إلى إخلال بشرط من الشروط المشترطة في صحة البيع وفي مصلحة أحد المتبايعين ، كأجل وخيار ورهن وحميل ، واستثناء سكنى الدار المبيعة أشهرا معلومة ، واستثناء ركوب الدابة المبيعة ثلاثة أيام أو إلى مكان قريب فهذا صحيح لازم يقضى به إن شرط وإلا فلا إلا ما يقتضيه العقد فيقضى به ولو لم يشترط ويتأكد بالشرط ، وأشار المصنف إلى هذا بقوله كشرط رهن إلخ .

القسم الثاني : ما يئول إلى الإخلال . بشرط من شروط صحة البيع ، كشرط ما يؤدي إلى جهل وغرر في العقد أو في الثمن أو في المثمن . أو إلى ربا فضل أو نساء ، كشرط مشاورة شخص بعيد أو الخيار إلى مدة مجهولة أو تأجيل الثمن إلى أجل مجهول ، فهذا يوجب فسخ البيع فاتت السلعة أو لم تفت وليس للمتبايعين إمضاؤه ، فإن لم تفت السلعة ردت بعينها وإن فاتت ردت قيمتها بالغة ما بلغت إلا البيع بشرط السلف فلمشترطه تصحيحه بإسقاط شرطه ، وأشار المصنف إلى هذا القسم بالشروط المتقدمة مع قوله بعدها وفسد منهي عنه إلا لدليل .

القسم الثالث : ما ينافي مقتضى البيع كشرط أن لا يبيعها أو لا يهبها أو أن يتخذها أم ولد والمشهور في هذا النوع فسخه ما دام البائع متمسكا بشرطه ، فإن تركه صح البيع إن كانت السلعة قائمة ، فإن فاتت ففيه الأكثر من الثمن والقيمة يوم قبضه إلا شرط عدم وطء الأمة ، وإن وطئها فهي حرة أو فعليه كذا فيفسخ على كل حال ، وليس للبائع [ ص: 59 ] إسقاط الشرط لأنها يمين لزمت المشتري ، وإلا شرط الخيار إلى أمد بعيد فيفسخ على كل حال ، ولو ترك الشرط لأنه يعد اختيارا لا تركا له قاله في البيان ، وأشار المصنف إلى هذا القسم بقوله وكبيع وشرط يناقض إلخ .

القسم الرابع : شرط غير صحيح إلا أنه خفيف لا يحل بالثمن فيصح معه البيع ويلغى الشرط ، وأشار المصنف إلى هذا بقوله في فصل التناول كمشترط زكاة ما لم يطب وأن لا عهدة ولا مواضعة إلخ ، هذا تفصيل الإمام مالك رضي الله تعالى عنه في البيع والشرط . وذهب الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إلى تحريمه مطلقا لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع وشرط } . وذهب الإمام ابن شبرمة رضي الله تعالى عنه إلى جوازه مطلقا عملا بما في الصحيح { أن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما باع ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم وشرط حلابها وظهرها إلى المدينة } ، وذهب الإمام ابن أبي ليلى إلى بطلان الشرط وصحة البيع لحديث { عائشة رضي الله تعالى عنها أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة وأعتقها وإن شرط أهلها الولاء فإن الولاء لمن أعتق } ، فجاز البيع وبطل الشرط ، وعرف مالك رضي الله تعالى عنه الأحاديث كلها واستعملها في مواضعها وتأولها على وجهها ولم يمعن غيره النظر ولم يحسن التأويل قاله ابن رشد .




الخدمات العلمية