الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 171 ] وحلف إن سكت بلا عذر في كاليوم ، لا كمسافر اضطر لها أو تعذر [ ص: 172 ] قودها لحاضر فإن غاب بائعه أشهد ; فإن عجز أعلم القاضي [ ص: 173 ] فتلوم في بعيد الغيبة إن رجي قدومه : كأن لم يعلم موضعه على الأصح ، وفيها أيضا نفي التلوم ، وفي حمله على الخلاف : [ ص: 174 ] تأويلان . ثم قضى إن أثبت [ ص: 175 ] عهدة مؤرخة ، وصحة الشراء إن لم يحلف عليهما .

التالي السابق


( و ) إن اطلع المشتري على عيب قديم في المبيع بعد شرائه وسكت مدة ثم أراد رده على بائعه به فلم يقبله وادعى أن سكوته رضا بعيبه وأنكر المشتري كونه رضا به ( حلف ) المشتري أن سكوته ليس رضا ( إن سكت ) المشتري بعد علمه عيب المبيع عن رده ( بلا عذر ) مانع له من رده ( في اليوم ) ونحوه ، فإن حلف فله الرد وإن نكل فلا ، في المدونة وكذلك لو مضى بعد علمه ، وقت يرد في مثله ولكن لا يعد راضيا لقربه كيوم ونحوه ويحلف بالله إن لم يكن منه رضا ولا كان إلا على القيام ، ومفهوم في اليوم أنه لو سكت زمنا يدل على رضاه فلا يرد ومفهوم بلا عذر أنه إن سكت لعذر فله الرد مطلقا وهو كذلك فيهما . ( لا ) يدل على الرضا بعيب الدابة الذي اطلع عليه في سفر ونحوه ركوب ( كمسافر ) ومكره ( اضطر ) المسافر أو نحوه ( لها ) أي الدابة في الركوب ، بل ولو لم يضطر لركوبها على المعتمد لعذره بالسفر حيث لم يمكنه ردها ، ففي الشامل وعذر مسافر ولا يلزمه ردها إلا فيما قرب وخفت مؤنته وندب له الإشهاد على أن ركوبها ليس رضا منه بعيبها . ا هـ . والرقيق كالدابة ولا كراء عليه للركوب والاستعمال . البناني هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك " رضي الله عنه " في العتبية وبه أخذ أصبغ وابن حبيب .

وقال ابن نافع : لا يركبها ولا يحمل عليها إلا أن لا يجد بدا من ركوبها أو الحمل عليها في سفره أو غزوه فيشهد عليه ويركبها أو يحمل عليها إلى الموضع الذي يجد فيه ما يركبه أو يحمل عليه ، وهذا ظاهر المصنف ، ولكن يجب حمله على الأول لأنه الراجح ( أو ) أي ولا يمنع ركوب الدابة في الحضر بعد علم عيبها ردها إن ( تعذر ) بفتحات [ ص: 172 ] مثقلا ( قودها ) أي الدابة بفتح القاف وسكون الواو لصعوبتها أو كون مشتريها من ذوي الهيئات ( ل ) شخص ( حاضر ) أي غير مسافر ركبها لمحله مثلا بعد علمه عيبها .

وأما ركوبها لردها فلا يمنع ردها ولو تيسر قودها ( فإن ) علم المشتري عيب المبيع وأراد رده على بائعه فوجده قد ( غاب بائعه ) عن البلد ( أشهد ) المشتري عدلين على أنه لم يرض بالعيب ثم يرده عليه إذا حضر إن قربت غيبته أو على وكيله الحاضر ، فإن عجز المشتري عن الرد المفهوم من رد المقدر لبعد غيبته وعدم وكيل له يرد عليه ( أعلم ) المشتري ( القاضي ) بشأنه الحط نحوه لابن شاس وابن الحاجب والذخيرة ، وظاهره أن إشهاده شرط في رده أو في سقوط اليمين عنه إن قدم ربه ، وأنه بعد الإشهاد يرد عليه إن كان قريب الغيبة أو له وكيل ، فإن عجز عن الرد لبعد غيبته ، فإنه يرفع للقاضي ، وأنه إن لم يرفع له فلا رد له إذا قدم وهو خلاف ما جزم به ابن عرفة وجعله المذهب ، ونصه وغيبة بائع المعيب لا تسقط حق مبتاعه ابن القاسم من أقام بيده عبد اشتراه ستة أشهر لغيبة بائعه ولم يرفع لسلطان حتى مات العبد له الرجوع بعيبه ، ويعذر بغيبة البائع لنقل الخصومة عند القضاة ولأنه يرجو موافقة البائع إن قدم ، وقول ابن الحاجب استشهد شهيدين يقتضي أن إشهاده شرط في رده أو في سقوط يمينه إن قدم بائعه ولو لم يدع عليه ذلك ولا أعرفه لغير ابن شاس وله القيام في غيبته أن له عدم القيام .

وقوله ولو لم يدع عليه ذلك أي ولم يحقق عليه الدعوى بأنه رضي بالعيب لأنه إذا حقق عليه الدعوى بالرضا وقال : إن مخبرا أخبره بذلك فإن اليمين تتوجه بلا كلام والله أعلم عب فله انتظاره عند بعد غيبته وعدم وكيله حتى يحضر فيرد المبيع المعيب عليه إن كان قائما ، ويرجع عليه بأرش العيب إن هلك وإن لم يشهد ، وليس له الرجوع بجميع ثمنه إن هلك لما يأتي أنه لا يدخل في ضمان بائعه إلا بالرضا برده أو ثبوت العيب عند حاكم إن حضر البائع ، وإلا فلا بد من الحكم به ، وقبل ذلك ضمانه من المشتري وللبائع إذا قدم تحليف المشتري على عدم رضاه به وإن لم يقل أخبرني به مخبر فيستثنى الغائب من قوله الآتي ولا الرضا إلخ . [ ص: 173 ] وعطف على أعلم قوله ( فتلوم ) بفتحات مثقل الواو أي تربص القاضي زمنا يسيرا ( في ) الحكم بالرد على بائع ( بعيد الغيبة ) بأن كان على عشرة أيام مع الأمن ويومين مع الخوف ( إن رجي ) بضم الراء وكسر الجيم ( قدومه ) أي بعيد الغيبة من غيبته . " غ " كذا في النسخ المصححة على أن رجاء قدومه شرط في التلوم ، ومفهومه عدم التلوم لمن لم يرج قدومه ، ومفهوم بعيد الغيبة أن قريب الغيبة كيومين مع الأمن لا يتلوم له ، وحكمه حكم الحاضر فيكتب له ليحضر أو يوكل ، فإن أبى حكم عليه بالرد كالحاضر أفاده " غ " عن المدونة وأبي الحسن عليها .

وشبه في التلوم فقال : ( كأن ) بفتح الهمز وسكون النون حرف مصدري صلته ( لم يعلم ) بضم التحتية وسكون العين وفتح اللام ( قدومه ) أي الغائب فيتلوم له ( على الأصح ) عند أبي الأصبغ بن سهل وهو قول أبي مروان بن مالك من أئمة قرطبة فك الله تعالى أسرها . وقال أبو عمر بن القطان : مجهول الموضع كقريب الغيبة فلا يقضى عليه حتى تزيد البينة غيبة بعيدة ويقولون بحيث لا يعلمون ، وهذا محال في النظر لأنه لا يجوز أن يكلف من قال : لا أعلم حيث غاب أن يزيد مغيبا بعيدا ، فيجعل عالما من قد انتفى من علمه ، وهذا تناقض ، واستدل أبو الأصبغ على صحة ما صوب بمسائل من المدونة وإلا سمعه وبسطها في نوازله ، وفي المتيطية أفاده " غ " . ( وفيها ) أي المدونة في كتاب التجارة لأرض الحرب ( أيضا ) أي كما فيها التلوم لبعيد الغيبة المرجو القدوم في كتاب العيوب ( نفي ) أي عدم ذكر ( التلوم ) لمن بعدت غيبته ورجي قدومه .

" غ " أشار بهذا القول المتيطي قد قال في كتاب التجارة لأرض الحرب من المدونة : إن بعدت غيبته قضي عليه ، ولم يذكر التلوم ونحوه لابن القاسم في كتاب القسم منها ( وفي حمله ) أي ما في كتاب التجارة لأرض الحرب الذي سكت فيه عن التلوم لبعيد الغيبة المرجو قدومه ( على الخلاف ) لما في كتاب العيوب من التلوم له من [ ص: 174 ] قوله وأما البعيد الغيبة فيتلوم له إذا كان يطمع بقدومه ، فإن لم يأت قضي عليه برد العبد ثم يبيعه عليه الإمام ، ويقضي المبتاع ثمنه الذي نقد بعد أن تقول : بينته أنه نقد الثمن وهو كذا وكذا دينارا ، فما فضل حبسه الإمام للغائب عند أمين وإن كان نقصان رجع المبتاع على البائع بما بقي له من ثمنه ا هـ ، فحملهما بعض الشيوخ على الخلاف . وقال المتيطي عن بعض الموثقين : الموضعان متفقان وكأنه قال : يتلوم له الإمام إن طمع بقدومه ولم يخف على العبد ضيعة ، فإن خاف عليه ذلك أو لم يطمع بقدوم الغائب باع العبد . ا هـ . فقوله نفي التلوم فيه حذف مضاف ، أي ذكر التلوم ، ولو قال : وفيها أيضا السكوت عن التلوم لكان أبين أو الوفاق بحمل المطلق على المقيد ( تأويلان ) البناني ونحو ما للمتيطي لأبي الحسن ، ونقله ابن عرفة وأقره ، ورده بعض الشيوخ بأن في كتاب التجارة لأرض الحرب التصريح بنفي التلوم ، ويتبين هذا بكلام ابن سهل في أحكامه فإنه بعد ذكره قول المدونة في كتاب العيوب ، وأما البعيد فيتلوم له إن كان يطمع بقدومه ، فإن لم يأت قضي عليه ، قال ما نصه : قال في هذه المسألة : إنه يتلوم للغائب إن كان بعيد الغيبة .

وقال في كتاب التجارة لأرض الحرب فيمن أسلم عبده النصراني والسيد غائب : إن كان قريبا نظر السلطان فيه وكتب له في ذلك ، وإن كان بعيدا بيع عليه ولا ينتظر ، لأن مالكا " رضي الله عنه " قال في النصرانية تسلم وزوجها غائب : إن كان قريبا نظر السلطان في ذلك خوف أن يكون قد أسلم قبلها ، وإن كان بعيدا أو لم يدخل بها تزوجت مكانها ولا ينتظر قدومه ولا عدة عليها فأسقط في هاتين المسألتين التلوم في بعيد الغيبة ، وإلى هذا الخلاف أشار أبو عمر بن القطان في جوابه في التلوم في بعيد الغيبة ا هـ بلفظه فأنت ترى المدونة صرحت في كتاب التجارة بعدم الانتظار مرتين ، وهو عدم التلوم ، فقوله وفيها نفي التلوم معناه على ظاهره أي وفيها التصريح بأنه لا يتلوم له ، وهو ظاهر ، ويتأتى التوفيق معه بحمله على من لم يرج قدومه والله أعلم .

( ثم ) بعد تمام زمن التلوم ( قضى ) القاضي للمشتري بالرد على الغائب ( إن أثبت ) [ ص: 175 ] المشتري عند القاضي ( عهدة ) أي شراءه المبيع بها أي أن البائع لم يتبرأ من عيب الرقيق وقبلت الشهادة ، وإن كانت بالنفي لتعلقه بمعين فليس المراد عهدة الثلاث أو السنة أو الإسلام وهي درك المبيع من الاستحقاق فقط على المعتمد . وقيل : والعيب لأن البراءة منها لا تنفع على المعتمد ، فإذا استحق المبيع رجع المشتري بثمنه على بائعه ولا يعمل بتبريه منه ويسقط الشرط ويصح البيع فلا يحتاج المشتري إلى إثبات شرائه عليها ( مؤرخة ) أي العهدة ، وفي نسبة التاريخ لها تجوز إذ المؤرخ حقيقة الشراء ليعلم من تاريخها قدم العيب أو حدوثه . ( و ) أثبت أيضا ( صحة الشراء ) خوف دعوى البائع إذا حضر فساده فيكلفه اليمين بصحته ( إن لم يحلف ) المشتري ( عليهما ) أي العهدة وصحة الشراء ، فإن حلف عليهما فلا يحتاج لإثباتهما ببينة ، زاد الموثقون أنه يحلف على عدم رضاه بالعيب بعد اطلاعه عليه ، وأنه لم يستخدم الرقيق بعده وإن أراد أخذ الثمن فإنه يثبت ببينة أنه نقده وأنه كذا قاله في المدونة ، وله جمع هذه الفصول في يمين واحدة ، ومفهوم عليهما أن التاريخ لا بد من إثباته ببينة ، وكذا ملك بائعه لوقت بيعه ويتعين الحلف على عدم اطلاعه عليه إلا بعد البيع وعدم الرضا إذ لا يعلم إلا من جهته .

[ ص: 176 ] تنبيهات ) الأول : البناني قوله إن أثبت عهد تشرط في قوله فتلوم في بعيد الغيبة إلخ لأن التلوم إنما يكون بعد إثبات الموجبات . أبو الحسن يثبت الحكم في هذه المسألة بتسعة شروط وثلاثة أيمان أحدها أن يثبت أنه ابتاع ، الثاني : مقدار الثمن . الثالث : نقده . الرابع : أمد التبايع . الخامس : ثبوت العيب . السادس : أنه ينقص من الثمن . السابع : أنه أقدم من أمد التبايع . الثامن : ثبوت الغيبة التاسع : بعدها . وأما الأيمان الثلاثة فحلفه أنه ابتاع بيعا صحيحا ، وأنه لم يتبرأ إليه من العيب ولم يبيته له ولا أراه إياه فرضيه . والثالث أنه لم يرض به حين علمه وله جعلها في يمين واحدة . الثاني : زاد في التوضيح على التسعة المتقدمة عن أبي الحسن ملك بائعه لوقت بيعه وابن عبد السلام صحة ملك البائع إلى حين الشراء . الثالث : محل اشتراط الإثبات ببينة أنه نقده الثمن إذا لم يمض من الزمن ما لو أنكر البائع قبضه كان القول للمشتري بيمينه أنه دفعه له كعام عند ابن حبيب وعشرين عاما ونحوها عند ابن القاسم .

الرابع : " د " لقائل أن يقول الرد بالعيب يكون في الفاسد أيضا فلم ألزم المشتري إثبات صحة شرائه أو الحلف عليها . البناني ابن عرفة فيها قلت : إن كان ذلك في بيع فاسد قال : لم أسمعه وأرى إن أقام البينة أنه ابتاعه بيعا حراما ونقد ثمنه ولم يفت بحوالة سوق حكم فيه كالصحيح ، وإن فات جعله القاضي عليه بقيمته ويترادان الفضل متى التقيا . ا هـ . وبه يرتفع الإشكال . وفي النكت إذا أقام المشتري بينة أنه ابتاع فاسدا وفات المبيع وحكم بالقيمة على المشتري ، وفيها فضل على الثمن الذي أخذه البائع ، فإن السلطان يأخذه بل يبقيه في ذمة المشتري لأن السلطان لا يحكم للغائب في أخذ ديونه ، إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه ، أو يقول الذي عليه : لا أريد بقاءه في ذمتي . ا هـ . ونحوه لأبي الحسن . .




الخدمات العلمية