الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 488 ] والقول لمدعي نفي الرهنية ، [ ص: 489 ] وهو كالشاهد في قدر الدين ، لا العكس

التالي السابق


( و ) إن كان لشخص دين على آخر وبيد رب الدين متمول للمدين وادعى أحدهما أنه رهن في الدين والآخر أنه ليس رهنا فيه ف ( القول ) المعتبر المعمول به ( لمدعي ) بكسر العين ( نفي الرهنية ) سواء كان المدين أو رب الدين إذ الأصل عدمها فعلى مدعيها إثباتها وظاهره ولو صدقته العادة وهو كذلك . وقيده اللخمي بما إذا لم تصدقه العادة واستظهره في التوضيح ، فإن قلت أما دعوى رب الدين الرهنية والمدين نفيها فظاهر ، وأما عكسه فكيف يتصور وتقع رب الدين إنما هو فيها والمدين إنما هو في نفيها . قلت يتصور في تلف مال المدين بيد رب الدين وهو مما يغاب عليه ولا بينة بتلفه فالمدين يدعيها ليضمنه رب الدين ورب الدين ينفيها ليسقط الضمان عن نفسه . قال في المدونة وإن كان بيد المرتهن نمط وجبة وهلك النمط فقال المرتهن أودعني النمط والجبة رهن ، وقال الراهن النمط رهن والجبة هي الوديعة فكل منهما مدع على الآخر فلا يصدق الراهن في تضمين المرتهن لما هلك ولا يصدق المرتهن أن الجبة رهن ويأخذها ربها ابن يونس يريد ويحلفان .

( تنبيهات ) الأول علم مما تقدم أن القول قول نافي الرهينة بيمينه .

الثاني : علم مما تقدم أيضا أنه لا فرق بين كون المتخلف فيه واحدا أو متعددا وسلم الراهن رهينة بعضه وأنكر رهينة الآخر . قال في الشامل وصدق نافي الرهنية كبعض متعدد .

الثالث : قيد اللخمي المسألة بما إذا تصدق العادة المرتهن فإن صدقته فالقول قوله ، كبياع الخبز وشبهه يدفع إليه الخاتم ونحوه ويدعي الرهنية فالقول قوله ولا يقبل قول صاحبه أنه وديعة . المصنف وهو ظاهر فاعتمده في الشامل . وظاهر كلام ابن عرفة أنه [ ص: 489 ] خلاف ، ونقل عن ابن العطار قولا ثالثا ، ونصه ولو ادعى حائز شيء ارتهانه وربه إيداعه فالمذهب تصديقه . اللخمي إن شهد عرف لحائزه صدق كالبقال في الخاتم ونحوه .

ابن العطار لو ادعى حائز عبدين أنهما رهن وقال ربهما بل أحدهما صادق ولو ادعى حائز عبد رهن جميعه وقال ربه بل نصفه صدق حائزه ( وهو ) أي الرهن باعتباره قيمته ولو مثليا وفات في ضمان مرتهنه أو كان قائما ( كالشاهد ) للراهن أو المرتهن المختلفين ( في قدر الدين ) المرهون فيه لأن المرتهن أخذه وثيقة بدينه والشأن أنه لا يتوثق إلا بمقدار دينه أو أكثر ، فإن قال الراهن في مائة والمرتهن في مائتين صدق من شهد الرهن له وعدل كالمدونة وابن الحاجب عن شاهد لأنه لا يتنزل منزلته من كل وجه لأنه في أشهر القولين شاهد على نفسه لا على الذمة ، إذ لو كان شاهدا عليها لكان القول قول المرتهن أبدا وإن كانت قيمته ما أقر به الراهن .

ابن ناجي بعض أصحابنا لم يقل شاهد لأن الشاهد ينطق بلسانه وهو مفقود في الرهن فلا حجة فيه لأحد القولين ، وأجبته بأنه كما يأتي في المدونة شاهد على نفسه وإن قام للمرتهن شاهد واحد بقدر الدين فهل يضم للرهن وتسقط اليمين عن المرتهن أو لا بد منها مع الشاهد ، نقل بعضهم عن المتيطي أنه لا يضم له وأنه لا بد من اليمين لأن الرهن ليس شاهدا حقيقيا . قال في المدونة إن قال المرتهن ارتهنه في مائة دينار وقال الراهن المائة لك علي ولم أرهنك إلا بخمسين فالقول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن ، فإن لم يساو إلا بخمسين فعجلها الراهن قبل الأجل ليأخذ رهنه ، وقال المرتهن لا أسلمه حتى آخذ المائة فللراهن أخذه إذا عجل الخمسين قبل أجلها وتبقى الخمسون بغير رهن كما لو أنكرها لم تلزمه فكذلك لا يلزمه بقاء رهنه في الخمسين .

( لا ) يكون ( العكس ) أي شهادة الدين بقدر الرهن المختلف في صفته بعد هلاكه ، فقال مالك " رضي الله عنه " وأكثر أصحابه القول في ذلك قول المرتهن ولو ادعى صفة دون مقدار الدين لأنه غارم والغارم مصدق . ابن المواز إلا في قولة شاذة لأشهب قال إلا أن يتبين كذب المرتهن لقلة ما ذكر جدا فيصير القول قول الراهن . ابن يونس إنما أعرف [ ص: 490 ] ينحو إلى هذا ابن القاسم . ابن عبد السلام إن أتى المرتهن برهن يساوي عشر الدين مثلا وقال هذا الذي ارتهنت منك بذلك الدين فهل يكون الدين شاهدا للراهن على قولين والمشهور هنا أنه لا يكون شاهدا ا هـ . وذكر في نوازل أصبغ قولين في كون القول للراهن مع يمينه إذا أشبه قوله أو قول المرتهن بيمينه وذكرهما في سماع عيسى وفي النوادر والله أعلم




الخدمات العلمية