الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 476 ] قال ( وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد والنفقة على الزرع عليهما على مقدار حقوقهما ) معناه حتى يستحصد ، لأن في تبقية الزرع بأجر المثل تعديل النظر من الجانبين فيصار إليه ، وإنما كان العمل عليهما لأن العقد قد انتهى بانتهاء المدة وهذا عمل في المال المشترك ، وهذا بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يكون العمل فيه على العامل ، لأن هناك أبقينا العقد في مدته والعقد يستدعي العمل على العامل ، أما هاهنا العقد قد انتهى فلم يكن هذا إبقاء ذلك العقد فلم يختص العامل بوجوب العمل عليه ( فإن أنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وأمر القاضي فهو متطوع ) لأنه لا ولاية له عليه ( ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا لم يكن له ذلك ) لأن فيه إضرارا بالمزارع ، ( ولو ) ( أراد المزارع ) أن يأخذه بقلا قيل لصاحب الأرض اقلع الزرع فيكون بينكما أو أعطه قيمة نصيبه أو أنفق أنت على الزرع وارجع بما تنفقه في حصته ، لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه ، لأن إبقاء العقد بعد وجود المنهي نظر له وقد ترك النظر لنفسه .

ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات [ ص: 477 ] لأن بكل ذلك يستدفع الضرر ( ولو مات المزارع بعد نبات الزرع فقالت ورثته نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض فلهم ذلك ) لأنه لا ضرر على رب الأرض ( ولا أجر لهم بما عملوا ) لأنا أبقينا العقد نظرا لهم ، فإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل لما بينا ، والمالك على الخيارات الثلاث لما بينا . قال ( وكذلك أجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية عليهما بالحصص . فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت ) وهذا الحكم ليس بمختص بما ذكر من الصورة وهو انقضاء المدة والزرع لم يدرك بل هو عام في جميع المزارعات . ووجه ذلك أن العقد يتناهى بتناهي الزرع لحصول المقصود فيبقى مال مشترك بينهما ولا عقد فيجب مؤنته عليهما . وإذا شرط في العقد ذلك ولا يقتضيه وفيه منفعة لأحدهما يفسد العقد كشرط الحمل أو الضمن على العامل .

وعن أبي يوسف أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل للتعامل اعتبارا بالاستصناع وهو اختيار مشايخ بلخ . قال شمس الأئمة السرخسي : هذا هو الأصح في ديارنا . فالحاصل أن ما كان من عمل قبل الإدراك كالسقي والحفظ فهو على العامل ، وما كان منه بعد الإدراك قبل القسمة فهو عليهما في ظاهر الرواية كالحصاد والدياس وأشباههما على ما بيناه ، وما كان [ ص: 478 ] بعد القسمة فهو عليهما . والمعاملة على قياس هذا ما كان قبل إدراك الثمر من السقي والتلقيح والحفظ فهو على العامل ، وما كان بعد الإدراك كالجداد والحفظ فهو عليهما ; ولو شرط الجداد على العامل لا يجوز بالاتفاق لأنه لا عرف فيه .

وما كان بعد القسمة فهو عليهما لأنه مال مشترك ولا عقد ، ولو شرط الحصاد في الزرع على رب الأرض لا يجوز بالإجماع لعدم العرف فيه ، ولو أرادا فصل القصيل أو جد التمر بسرا أو التقاط الرطب فذلك عليهما لأنهما أنهيا العقد لما عزما على الفصل والجداد بسرا فصار كما بعد الإدراك ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه ، لأن إبقاء العقد بعد وجود المنهي نظر له وقد ترك النظر لنفسه ) فإن قيل : ترك النظر لنفسه [ ص: 477 ]

إنما يجوز إذا لم يتضرر به غيره وهاهنا يتضرر رب الأرض واستدفاع الضرر ليس بمنحصر فيما ذكر لم لا يجوز أن يكون بالمنع عن القلع كرب الأرض ؟ أجيب بأن رب الأرض متعنت في طلب القلع لانتفاعه بنصيبه وبأجر المثل فرد عليه ، بخلاف المزارع فإنه يرد عن نفسه بالقلع ما يجب عليه من أجر المثل فربما يخاف أن يصيبه من الزرع ما لا يفي بذلك ، كذا في العناية وغيرها أقول : لقائل أن يقول : إن رب الأرض أيضا ليس بمتعنت في طلب القلع ، بل هو يرد عن نفسه بالقلع ما يجب عليه من النفقة على تقدير الإبقاء ، فربما يخاف أن يصيبه من الزرع ما لا يفي بنفقة حصته فليتأمل ا هـ




الخدمات العلمية