الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 395 ] ( 6 ) باب جراح المدبر

                                                                                                                        1523 - مالك أنه بلغه ; أن عمر بن عبد العزيز قضى في المدبر إذا جرح ، أن لسيده أن يسلم ما يملك منه إلى المجروح ، فيختدمه المجروح ، ويقاصه بجراحه من دية جرحه ، فإن أدى قبل أن يهلك سيده ، رجع إلى سيده .

                                                                                                                        قال مالك : والأمر عندنا في المدبر إذا جرح ثم هلك سيده ، وليس له مال غيره أنه يعتق ثلثه ، ثم يقسم عقل الجرح أثلاثا ، فيكون ثلث العقل على الثلث الذي عتق منه ، ويكون ثلثاه على الثلثين اللذين بأيدي الورثة إن شاءوا أسلموا الذي لهم منه إلى صاحب الجرح ، وإن شاءوا أعطوه ثلثي العقل ، وأمسكوا نصيبهم من العبد ، وذلك أن عقل ذلك الجرح إنما كانت جنايته من العبد ، ولم تكن دينا على السيد ، فلم يكن ذلك الذي أحدث العبد بالذي يبطل ما صنع السيد من عتقه وتدبيره ، فإن كان على سيد العبد دين للناس مع جناية العبد بيع مع المدبر بقدر عقل الجرح ، وقدر الدين ، ثم يبدأ بالعقل الذي كان في جناية العبد فيقضى من ثمن العبد ، ثم يقضى دين سيده ، ثم ينظر إلى ما بقي بعد ذلك من العبد فيعتق ثلثه ، ويبقى ثلثاه للورثة ، وذلك أن جناية العبد هي أولى من دين سيده ، وذلك أن الرجل إذا هلك وترك عبدا مدبرا ، قيمته خمسون ومائة دينار ، [ ص: 396 ] وكان العبد قد شج رجلا حرا موضحة ، عقلها خمسون دينارا ، وكان على سيد العبد من الدين خمسون دينارا .

                                                                                                                        قال مالك : فإنه يبدأ بالخمسين دينارا ، التي في عقل الشجة ، فتقضى من ثمن العبد ، ثم يقضى دين سيده ، ثم ينظر إلى ما بقي من العبد فيعتق ثلثه ، ويبقى ثلثه للورثة ، فالعقل أوجب في رقبته من دين سيده ودين سيده أوجب من التدبير الذي إنما هو وصية في ثلث مال الميت ، فلا ينبغي أن يجوز شيء من التدبير ، وعلى سيد المدبر دين لم يقض ، وإنما هو وصية ، وذلك أن الله تبارك وتعالى قال : من بعد وصية يوصى بها أو دين . قال مالك : فإن كان في ثلث الميت ما يعتق فيه المدبر كله عتق ، وكان عقل جنايته دينا عليه ، يتبع به بعد عتقه ، وإن كان ذلك العقل الدية كاملة ، وذلك إذا لم يكن على سيده دين .

                                                                                                                        وقال مالك في المدبر إذا جرح رجلا فأسلمه سيده إلى المجروح ، ثم هلك سيده وعليه دين ، ولم يترك مالا غيره ، فقال الورثة : نحن نسلمه إلى صاحب الجرح ، وقال صاحب الدين : أنا أزيد على ذلك ، إنه إذا زاد الغريم شيئا فهو أولى به ، ويحط عن الذي عليه الدين قدر ما زاد الغريم على دية الجرح ، فإن لم يزد شيئا لم يأخذ العبد .

                                                                                                                        وقال مالك في المدبر إذا جرح وله مال ، فأبى سيده أن يفتديه ، فإن المجروح يأخذ مال المدبر في دية جرحه ، فإن كان فيه وفاء ، استوفى [ ص: 397 ] المجروح دية جرحه ، ورد المدبر إلى سيده ، وإن لم يكن فيه وفاء ، اقتضاه من دية جرحه ، واستعمل المدبر بما بقي له من دية جرحه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35083 - قال أبو عمر : قد احتج مالك ، في هذا الباب ، وأوضح ما ذهب إليه ، فالزيادة فيه تكلف .

                                                                                                                        35084 - وأما اختلاف الفقهاء في جراح المدبر ; فجملة قول مالك في ذلك : إذا جنى المدبر أسلم السيد خدمته إن شاء فداه ، فإن مات سيده خرج حرا من ثلثه ، وأتبعه الجاني بما جنى .

                                                                                                                        35085 - وسنذكر قوله في جناية أم الولد في الباب بعد هذا ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        35086 - وأما أبو حنيفة فالمدبرة عنده وأم الولد سواء لا سبيل إلى إسلام واحد منهما ، وعلى السيد أقل من أرش الجناية ، أو قيمة الرقبة ، فإن جنى بعد ذلك أو أحدهما ، فالمجني عليه شريك الأول .

                                                                                                                        35087 - وقال زفر : المجني عليه بالخيار إن شاء استسعى المدبر بقية جنايته ، وإن شاء أتبع سيده .

                                                                                                                        35088 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : يستسعى المدبر في جنايته ، ولا شيء على المولى .

                                                                                                                        [ ص: 398 ] 35089 - وأما الشافعي ، فالمدبر عنده لسيده عبد له الرجوع فيه ، وله إسلامه بجنايته ، وفداؤه كسائر العبيد .

                                                                                                                        35090 - وأما إسلام المدبر ، فهو إسلام خدمته إلى المجروح ، ليستوفي منها مقدار دية جرحه ، ثم يعتق من المدبر ثلثه إن لم يكن لسيده مال غيره .

                                                                                                                        35091 - هذا إذا لم يكن عليه دين فإن كان عليه دين وأراد الغرماء الزيادة على دية الجرح ، فهي من حقوقهم ; لأنهم يدفعون إلى المجروح من قبل أنفسهم دية جرحه ، ويأخذون المدبر لأنفسهم ، فيستوفون من خدمته مقدار ما أدوه إلى صاحب الجرح; لأن ذلك ينحط من دين صاحبه ، وإنما يقضى لهم بذلك على المجروح ، فإنه لا ضرر على المجروح في ذلك ، وفيه منفعة للعبد والورثة .

                                                                                                                        35092 - فأما منفعة العبد ، فإنه يأخذ من تلك الزيادة التي زادها الغرماء على دية الجرح ثلثها ، وتكون فيه من الحرية بقدر ذلك .

                                                                                                                        35093 - فأما منفعة الورثة ، فإنه ينحط من الدين عنهم بمقدار تلك الزيادة ; لأنه لا ميراث إلا بعد الدين .

                                                                                                                        [ ص: 399 ] 35094 - فهذه مذاهب أصول هؤلاء الفقهاء أئمة الفتوى في جناية المدبر .

                                                                                                                        35095 - وكل ما يفرع منها يسهل رده عليه بفضل الله وعونه ، وبالله التوفيق ، ولا شريك له .




                                                                                                                        الخدمات العلمية