الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        33456 - قال : وسمعت مالكا يقول في المريض الذي يوصي ، فيستأذن ورثته في وصيته وهو مريض ، ليس له من ماله إلا ثلثه ، فيأذنون له أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه : أنه ليس لهم أن يرجعوا في ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 56 ] ولو جاز ذلك لهم ، صنع كل وارث ذلك فإذا هلك الموصي ، أخذوا ذلك لأنفسهم ، ومنعوه الوصية في ثلثه ، وما أذن له به في ماله .

                                                                                                                        قال : فأما أن يستأذن ورثته في وصية يوصي بها لوارث في صحته ، فيأذنون له ، فإن ذلك لا يلزمهم ، ولورثته أن يردوا ذلك إن شاءوا ، وذلك أن الرجل إذا كان صحيحا كان أحق بجميع ماله ، يصنع فيه ما شاء ، إن شاء أن يخرج من جميعه خرج فيتصدق به ، أو يعطيه من شاء ، وإنما يكون استئذانه ورثته جائزا على الورثة إذا أذنوا له حين يحجب عنه ماله ، ولا يجوز له شيء إلا في ثلثه ، وحين هم أحق بثلثي ماله منه ، فذلك حين يجوز عليهم أمرهم وما أذنوا له به ، فإن سأل بعض ورثته أن يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل ، ثم لا يقضي فيه الهالك شيئا ، فإنه رد على من وهبه ، إلا أن يقول له الميت : فلان ، لبعض ورثته ، ضعيف وقد أحببت أن تهب له ميراثك فأعطاه إياه فإن ذلك جائز إذا سماه الميت له .

                                                                                                                        قال : وإن وهب له ميراثه ، ثم أنفذ الهالك بعضه وبقي بعض ، فهو رد على الذي وهب ، يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي أعطيه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        33457 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

                                                                                                                        33458 - ( أحدها ) : قول مالك : إن أذن الورثة للمريض في حال مرضه أن يوصي لوارثه ، أو بأكثر من ثلثه ، فهو لازم لهم إلا أن يكونوا ممن يخاف دخول [ ص: 57 ] الضرر عليهم من منع رفد ، وإحسان ، وقطع نفقة ومعروف ، ونحو هذا إن امتنعوا ، فإن كان ذلك لم يضرهم إذنهم ، وكان لهم الرجوع فيما أذنوا فيه بعد موته ، روى ذلك ابن القاسم وغيره عنه ، وإن استأذنهم في صحته ، فأذنوا له لم يلزمهم بحال من الأحوال .

                                                                                                                        33459 - ( والقول الثاني ) : إن أذن لهم في الصحة والمرض سواء ، ويلزمهم إذنهم بعد موته ، ولا رجوع لهم ، روي ذلك عن الزهري ، وربيعة ، والحسن ، وعطاء ، وروي ذلك عن مالك ، والصحيح عنه ما في موطئه ، وهو المشهور عنه من مذهبه .

                                                                                                                        33460 - ( والقول الثالث ) : إن إذنهم ، وإجازتهم لوصيته في صحته ومرضه سواء ، ولا يلزمهم شيء منه ، إلا أن يجيزوا ذلك بعد موته حين يجب لهم الميراث ، ويجب للموصى له الوصية; لأنه قد يموت من مرضه ، وقد لا يموت ، وقد يموت ذلك الوارث المستأذن قبله ، فلا يكون وارثا ، ويرثه غيره ، ومن أجاز ما لا حق له فيه ، ولم يجب له ، فليس فعله ذلك بلازم له .

                                                                                                                        33461 - وممن قال ذلك الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، وسفيان الثوري .

                                                                                                                        33462 - وروي ذلك عن ابن مسعود ، وشريح ، وطاوس .

                                                                                                                        33463 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية