الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب كتابة العبد المشترك قال ( وإذا كان العبد بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب نصيبه بألف درهم ويقبض بدل الكتابة فكاتب وقبض بعض الألف ثم عجز فالمال للذي قبض عند أبي حنيفة ، وقالا : هو مكاتب بينهما وما أدى [ ص: 198 ] فهو بينهما ) وأصله أن الكتابة تتجزأ عنده خلافا لهما بمنزلة الإعتاق ، لأنها تفيد الحرية من وجه فتقتصر على نصيبه عنده للتجزؤ ، وفائدة الإذن أن لا يكون له حق الفسخ كما يكون له إذا لم يأذن ، وإذنه له بقبض البدل إذن للعبد بالأداء فيكون متبرعا بنصيبه عليه فلهذا كان كل المقبوض له . وعندهما الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل لعدم التجزؤ ، فهو أصيل في النصف وكيل في النصف فهو بينهما والمقبوض مشترك بينهما فيبقى كذلك بعد العجز .

[ ص: 197 ]

التالي السابق


[ ص: 197 ] باب كتابة العبد المشترك )

لما فرغ من كتابة عبد غير مشترك شرع في كتابة العبد المشترك لأن الأصل عدم الاشتراك كذا في غاية البيان .

وقال أكثر الشراح : ذكر كتابة الاثنين بعد كتابة الواحد لأن الاثنين بعد الواحد . أقول : الوجه الأول هو الراجح ، لأن الوجه الثاني لا يتمشى في المسألة الأولى من هذا الباب على قول أبي حنيفة رحمه الله ، بخلاف الوجه الأول تأمل تقف ( قوله وإذا كان العبد بين رجلين ) قال بعض الشراح : وفي بعض النسخ بين شريكين وهي أولى ا هـ . أقول : وجه الأولوية أن حكم هذه المسألة يعم ما إذا كان العبد بين رجلين وما إذا كان بين رجل وامرأة أو بين امرأتين ، ولفظ شريكين ينتظم الكل .

إما بجعل الشريك فعيلا بمعنى مفعول من شركه في كذا فإن كلا من المتشاركين في أمر شارك فيه ومشروك والفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، أو بصيرورة لفظ الشريك من عداد الأسماء الجامدة كما قالوا في لفظ التابع ونحوه حتى جعلوا التوابع جمع تابع من هذه الحيثية فيتناول المذكر والمؤنث على السوية . ثم إن صاحب العناية لما أخذ بنسخة : بين شريكين حيث قال : قال : وإذا كان العبد بين شريكين فسر بعض الفضلاء قوله شريكين برجلين حيث قال : أي بين رجلين .

أقول : هذا أمر عجيب إذ لا شك أن حكم هذه المسألة غير مختص بما إذا كان العبد بين رجلين فتخصيص لفظ يتحمل العموم للرجلين وغيرهما بالرجلين مما لا وجه [ ص: 198 ] له هاهنا أصلا ، ولو فسر لفظ رجلين في نسخة بين رجلين بالشريكين مطلقا تغليبا للذكور على الإناث لكان له وجه وجيه لاقتضاء المقام إياه فكيف بالعكس ( قوله وأصله أن الكتابة تتجزأ عنده خلافا لهما بمنزلة الإعتاق لأنها تفيد الحرية من وجه فتقتصر على نصيبه عنده للتجزؤ . وفائدة الإذن أن لا يكون له حق الفسخ كما يكون له إذا لم يأذن )

قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : وأصل هذا الاختلاف أن الكتابة تتجزأ عنده خلافا لهما كالإعتاق لأنها تفيد الحرية من وجه فتقتصر على نصيبه عنده ، والإذن لا يفيد الاشتراك في الكتابة ، وإنما يكون فائدته انتفاء ما كان له من حق الفسخ إن كاتبه بغير إذنه ا هـ كلامه . وقال بعض الفضلاء في تفسير قوله والإذن لا يفيد الاشتراك في الكتابة : أي على مذهبهما ا هـ .

أقول : هذا خبط ظاهر لأن الإذن يفيد الاشتراك في الكتابة على مذهبهما قطعا ; ألا يرى إلى قولهما في تعليل مذهبهما في هذه المسألة أن الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل لعدم التجزؤ فهو أصيل في النصف وكيل في النصف فهو بينهما والمقبوض مشترك بينهما فيبقى كذلك بعد العجز ا هـ . ولعل قوله على مذهبهما وقع سهوا من قلم الناسخ وكان الصحيح على مذهبه . ثم إن صاحب العناية بعد أن شرح [ ص: 199 ] دليلي الطرفين في هذه المسألة بالتمام قال : وكأن المصنف مال إلى قولهما حيث أخره ا هـ .

وقال بعض الفضلاء : فيه كلام ، لأنه يأبى عنه ترجيح قول أبي حنيفة في كتاب العتاق ا هـ . أقول : الذي مر في كتاب العتاق مسألة العتاق والمذكور هاهنا مسألة الكتابة واستلزام ترجيح قول أبي حنيفة في مسألة الإعتاق ترجيحه في مسألة الكتابة ممنوع ، سيما إذا كانت كتابة أحد الشريكين بإذن الآخر كما نحن فيه ، فمن أين يثبت الإباء ، ولئن سلم الاستلزام بناء على كون الأصل في كلتا المسألتين هو التجزؤ وعدمه فترجيح قوله هناك لم يكن بالتصريح به ، بل إنما فهم من تأخير دليله في البيان ، وقد عكس الأمر هاهنا ، ففهم منه ترجيح قولهما لا محالة ، ولما وقع التدافع بين الكلامين حملنا الثاني على الرجوع عن الأول كما هو المخلص في أمثال هذا فلا محذور تدبر




الخدمات العلمية