[ ص: 333 ] الباب الثاني في صفة الآخذ وفي الكتاب : الشفعة على قدر الأنصباء دون العدد  ، وقاله ( ش )   وابن حنبل  ، وقال ( ح ) : على عدد الرءوس . لنا : أنها سبب الملك فتتبعه ، ككسب العبد وثمر الثمرة وأرش الجناية وأجرة الدار . احتج بأنها للضرر المستمر فتستحق بالملك والضرر مستو ، ولأن الشفعة تستحق بالقليل كما تستحق بالكثير إذا انفرد إجماعا ، فكذلك إذا اجتمعا ولأن الدية على عدد رءوس الجانين لا بقدر الجنايات ، والغنيمة بقدر الرءوس لا بقدر القتال ، فكذلك هاهنا ، ولأن قوله - عليه السلام - : ( الجار أحق بسقبه   ) يقتضي التسوية بين المتجاورين ، وقوله - عليه السلام - : ( الشفعة للشريك الذي لم يقاسم   ) يقتضي التسوية لاستوائهم في هذا الوصف ، كما لو قلنا : الدار لإخوتك ، استووا في الاستحقاق . 
والجواب عن الأول : أن الشريك إذا باع ملكه سقطت شفعته ، فدل على أن نصيبه هو الموجب لشفعته ، فتقسم على قدر الأنصباء ، ولأن الضرر يختلف باختلاف الأنصباء في المطالبة بالقسمة فيفترق الملك وينقص ، وغرم أجرة القاسم فالأكثر يتضرر أكثر . 
 [ ص: 334 ] والجواب عن الثاني : أنه يبطل بالابن وابن الابن يستويان إذا انفردوا في أخذ جميع المال ، وإذا اجتمعا سقط ابن واختلف الحكم ، وكذلك الابن والأب . 
والجواب عن الثالث : أن السبب ثمة زهوق الروح لا ملكهم لأموالهم ، ونسبة هذا السبب إليهم نسبة مستوية ، فيستوون ، والغنيمة لا تستحق إلا بالقتال ، لأن من لم يقاتل يساوي المقاتل ، بخلاف الشفعة فتستحق بالملك كما تقدم . 
والجواب عن الرابع : أن الحديثين وردا في معرض بيان من له الشفعة  لا بيان أحوال الشفعة ، والقاعدة : أن النصوص إذا وردت لمعنى لا يستدل بها في غيره ، لأن المتكلم لم يقصده ، كقوله - عليه السلام - : ( فيما سقت السماء العشر   ) لا يستدل به على أن في الخضر الزكاة ، لأن المقصود بيان الجزء الواجب لا ما تجب فيه الزكاة ، وهي قاعدة جليلة لا ينبغي للفقيه أن يهملها . 
نظائر : قال  أبو عمران     : ثلاثة مسائل تختص بالأنصباء دون الرءوس : الشفعة ، وزكاة الفطر على العبد المشترى ، والتقويم في العتق ، وستة مسائل تختص بالرءوس دون الأنصباء : أجرة القاسم ، وكنس المراحيض ، وحراسة أعدال المتاع ، وبيوت الغلات ، وأجرة السقي على المشهور ، وحارس الدابة ، والصيد ، لا تعتبر كثرة الكلاب ، زاد  العبدي  في نظائره : كنس السواقي . 
( تفريع ) 
قال  اللخمي     : قال  محمد     : الشفعة كعبد بين ثلاثة ، الثلث والسدس والنصف ، فأعتق صاحب النصف والسدس معا ; فإنه يقوم عليهما أرباعا على الأنصباء ، وقال  عبد الملك     : بل بالسوية لأنه لو اعتبر كثرة النصيب لقوم جميع الرقيق منه على القليل وكثير النصيب ، وعلى هذا تكون الشفعة ، لأن الضرر اللاحق لقليل النصيب أكثر في المقاسمة ; فإن نصيبه قد يقل فلا يشفع به بعد القسمة ، وهذا إذا كانت فيما ينقسم ، وإن كانت فيما لا ينقسم وحكم بها فيه فهي على العدد ، ولا تراعى الأنصباء لأنها إنما   [ ص: 335 ] جعلت لدفع الضرر في طلب المشتري البيع ، ويستوي في ذلك القليل والكثير ، قال صاحب التنبيهات : وعن  مالك     : هي على عدد الرءوس : يتحصل ثلاثة أقوال : قولان  لمالك  في الرءوس والأنصباء ، وتفرقة  اللخمي  فيما ينقسم . 
فرع 
في الكتاب : إذا اختلفا في الثمن صدق المبتاع  ، لأنه مدعى عليه إخراج ملكه بما لا يرضى إلا أن يأتي بما لا يتغابن بمثله فلا يصدق إلا أن يكون ملكا ولعلها :  مالكا     . يرغب في الدار المجاورة له فيصدق ، لأن شأنه أن يبدل كبر العرصة ; فإن أقاما بينة وكانا في العدالة سواء سقطتا وصدق المبتاع ، لأنه صاحب اليد . في التنبيهات : قوله : لأنه صاحب اليد : قيل : مفهومه : لو كانت في يد الشفيع كان خلاف ذلك فاتت أم لا ، وقال في كتاب الرواحل : يصدق المكتري لقبضه الراحلة ، ولأن تسليم الشقص للشفيع كتسليم الشفعة للمشتري ، ويختلف هل يصدق بنفس تسليمها أو حتى يبين بها أو حتى تفوت ؟ قال  التونسي     : يصدق المشتري ولم يقل يحلف أم لا ، قال  محمد     : إذا ادعى الشفيع حضور المبايعة حلف المشتري ، وإن لم يحقق لا يحلف ، لأن أيمان التهم لا تلزم إلا من تليق به التهمة ، وقال  أشهب     : يصدق المشتري بغير يمين إذا أتى بما يشبه صدق مع يمينه ، وإن اختلف البائع والمشتري في الثمن تحالفا وتفاسخا وبطلت الشفعة ، ويشبه إن رضي الشفيع بكتب عهدته على البائع أن يأخذ شقصه كما قيل : لو باع الشقص من غائب أخذ على أحد القولين منه ; فإن جاء المشتري فأنكر قيل : تبقى عهدته على البائع إن شاء ، واستحسنه  محمد  ، وقيل : يرد الشقص ، قال  التونسي     : إن نكل المشتري لما حلف البائع  وجب البيع على المشتري بما قال البائع ، ويأخذ الشفيع بقول المشتري مؤاخذة له بإقراره ، قال : وفيه نظر ، لأنه إنما خلص الشقص بزيادة البائع ، لأن المشتري لو حلف انتقض البيع ، فكأنه ابتدأ البيع بالأكثر ، ولو غرم المشتري على   [ ص: 336 ] الشقص غرما    : قال : يحتمل أن يأخذ الشفيع بالثمن والغرم ، وقد اختلف فيمن فدى شيئا من اللصوص هل يأخذه ربه بالغرم أم لا ؟ وإذا اختلف الشفيع والمشتري لا يشفع لتصديق البائع لأحدهما لاتهامه في نقل العهدة عن نفسه إذا استحق الشقص ، ولو شهد للمشتري فلا تهمة إلا من باب شهادته على فعل نفسه لتضرره بإقراره أن الذي يرجع عليه من عهدة الشقص أكثر مما قال الشفيع ; فإن أتى الشفيع والمشتري بما لا يشبه  فأعدل الأقوال : يحلفان لتساويهما ، ويأخذ الشفيع بالقيمة ; فإن نكل أحدهما صدق الحالف ; فإن طال الزمان حتى نسيا الثمن وقال المشتري : لا أعرفه لطول الزمان وغيبة الشفيع ، سقطت الشفعة للتعذر ، ولو شهدت بينة المشتري بمائة وبينة الشفيع بخمسين ; فإن كان في مجلس واحد تكاذبا على أحد القولين فيقضي بأعدلهما ، وإن تكافأتا سقطتا وصدق المشتري ، وعلى القول الآخر : تقدم بينة المشتري لأنها زادت ما لم تعلمه الأخرى ، أو في مجلسين كانا بينتين يشفع بما يريد ، وله الأخذ بالخمسين ، لأنه يحمل على أنه أقاله ، ثم اشترى ثانيا منه أو من غيره ، ولو كانت دار في يد رجل وأقام غيره بينة بشرائها من المدعي    ; فإن وقتتا حكم بأقربهما وقتا وإلا تحالفا وقسمت بينهما إن لم تكن في يد واحد منهما ، وإلا هي لصاحب اليد بعد حلفه ; فإن كان شقصا وهو في يد أحدهما فحلف أخذ الشفيع بالثمن الذي أقر به ، أو بأيديهما أخذ من كل واحد نصفه بالثمن الذي أقر أنه اشتراه به ، قال  ابن يونس     : قوله في الكتاب : إذا تكافأت العدالة سقطتا ، قال   سحنون     : تقدم بينة المبتاع لأنها زادت كاختلاف المتبايعين في الثمن ، قال   سحنون     : وإذا لم يقيما بينة وظهر للحاكم مجاوزة الثمن إلى حد الحيلة لقطع الشفعة رد إلى الأشبه . 
وإن ادعى الشفيع علم الثمن  قضي له مع يمينه إلى أن يأتي بأقل من القيمة ، وإذا قال البائع : بعت بمائتين ، وقال المبتاع : مائة ، وقال الشفيع : خمسين ، أو لم يدع شيئا ولم يفت بطول الزمان أو تغير سوق أو هدم أو بيع أو نحو ذلك وهي بيد المبتاع أو البائع : ففي الكتاب : يصدق البائع ويترادان بعد التحالف ، وتبطل الشفعة ، وليس له أن يأخذها بمائتين ، وتمنع من رد البيع لأنه لا شفعة حتى يتم البيع ، فتكون العهدة على المبتاع . وهاهنا هي على   [ ص: 337 ] البائع ، ألا ترى أنه لا شفعة في هبة الثواب إلا بعد العوض ، وقيل : لو رضي بالعهدة على البائع شفع ، قال  اللخمي     : إذا كان الثمن عرضا واختلفا في قيمته وصفه أهل المعرفة وأخذ بتلك القيمة ، وإن نقص سوقه أو زاد فالقيمة يوم الشراء ، وإن اختلفا في مقدار نقص السوق أو زيادته صدق المشتري ، ومتى أشكل أمر التغير صدق مدعي تبقيته عملا بالاستصحاب ، وإن هلك العرض واختلفا في صفته  صدق المشتري إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق الشفيع ، وإن أتى بما لا يشبه : قال  ابن دينار     : ومن اشترى أرضا فقام الشفيع وادعى عدم القسمة صدق ، لأن الأصل : بقاء الملك مشتركا ، وقاله  ابن القاسم  ، وكذلك لو قال : اشتريت بعد القسم ، وإذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن في خمسين ومائة  تحالفا وتفاسخا وسقطت الشفعة ; فإن نكل البائع وحلف المشتري غرم خمسين وشفع بها الشفيع ; فإن نكل المشتري وحلف البائع أخذ بمائة . واختلف بما يشفع ، فقال  أشهب     : بخمسين لأنها التي أقر بها المشتري ، ويقول : ظلمني البائع بيمينه ، ولو رجع المشتري إلى ما قاله البائع ما قبل منه ، وقال  عبد الملك     : بمائة لأنه الثمن المحلوف به ; فإن أحب الشفيع قبل فسخ العقد الأخذ بمائة فله على قول  ابن القاسم  ، وليس له عند  أشهب  قياسا على قولهم : إذا استحق بعض الأرض وكان ذلك عيبا يوجب للمشتري الرد قال الشفيع : أنا آخذه ، وقال المشتري : أرد ، قدم  ابن القاسم  الشفيع ،  وأشهب     : المشتري للعهدة التي تكتب عليه ، وله الشفعة قبل التحالف أو بعد يمين أحدهما وبعد أيمانهما على القول بأن البيع منعقد حتى يحكم بفسخه ، ولو اختلفا بعد فوت الشقص  صدق  ابن القاسم  المشتري وأشفعه بخمسين ، وقال  أشهب     : يتحالفان ويغرم المشتري قيمته يوم البيع إلا أن يكون أكثر مما ادعى البائع أو أقل مما قاله المشتري ، ثم يشفع بما يستقر من القيمة ، فجعل الشفعة بالقيمة ، لأن أيمانهما عنده فسخ للعقد ، والقيمة بدل من رد العين فهي الثمن ، بخلاف إذا حلف ونكل المشتري   [ ص: 338 ] لبقاء العقد ، وإذا قال المشتري : نسيت الثمن لطول المدة ، أو مات المشتري وقالت الورثة : لا علم عندنا ، أو كان الشفيع غائبا أو صغيرا : سقطت الشفعة عند  ابن القاسم  ، وإن كان على غير ذلك : فالشفعة بالقيمة عنده إذا لم يعقد ، وقال  عبد الملك     : إذا جاء الشفيع إلى ولد المبتاع بعد طول المدة  حلف الولد على نفي العلم وشفع بالقيمة ، وكذلك لو كان صبيا وقال : لا أدري الثمن ، حلف ; فإن نكل : حلف الشفيع إن شاء ، وقيل للمبتاع : متى أحببت حقك فخذه ، وإن حلف فله القيمة يوم أسلمه إلى الشفيع ، وإن قال الشفيع : لا أقبضه لاحتمال كثرة ثمنه ، فلا بد من يمين المبتاع : أنه ما علم ، وقيل : إذا اختلفا فجاء المشتري بما لا يشبه ، أو جهل الثمن ، شفع بالقيمة يوم البيع ، وإن أقر المالك بالبيع وأنكر الآخر الشراء  صدق في عدم الشراء ، لأنه الأصل ولا شفعة ، وفي كتاب  محمد     : بعت من فلان الغائب ، إن بعدت الغيبة شفع لإقراره أنه أولى منه ; فإن قدم وأقر كتبت العهدة عليه ، وإن أنكر حلف ورجع الشقص للبائع ، وقال  محمد     : أحب إلي أن لا يرجع لإقرار البائع أن الشفيع أحق منه ، وتكتب عهدة الثمن على البائع ، قال  اللخمي     : وقول  محمد  أصوب ، والحاضر مثله له الشفعة ، لأن المالك مقر بانتقال ملكه ، وأن الشفعة واجبة للشفيع ، وأن المشتري ظلمه بجحوده ، وخالفنا ( ح ) فقال : إذا أقر المالك بالبيع وأنكر المشتري ( كذا ) وأشار الناسخ بالهامش إلى أنه سقط من هنا شيء . لنا : أن المشتري أصل الشفيع ولم يثبت فلا يثبت . احتج بأن في إقراره حقا للمشتري والشفيع ، وإن لم يقبل المشتري حقه بقي حق الشفيع ، ولأن الفرع قد يثبت حيث لا يثبت أصله ، كإقرار أحد الأخوين بأخ ثالث يثبت الإرث دون النسب . 
والجواب عن الأول : أن الذي لم يثبت أصل لما بقي ، فينتفي الباقي لانتفاء أصله ، بخلاف إذا أقر لرجلين فكذبه أحدهما . 
والجواب عن الثاني : أن إقرار الأخ معناه : أنت مستحق لما في يدي فقبل   [ ص: 339 ] والبائع يقول : أنت تستحق على المشتري فهو مقر على الغير فافترقا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					