الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن زرع المشتري الأرض أخذها الشفيع ، والزرع للزارع ، ويؤدي قيمة الشجر والنخل قائما مع ثمن الأرض ، وإلا فلا شفعة له نفيا للضرر ، ولأنه غرس بشبهة ، ولا كراء للمستحق في الزرع ، إلا أن يكون في إبان الزراعة فله كراء المثل ، وإن استحق نصف الأرض وأشفع فله كراء ما استحق إن قام في الإبان لبقاء المنفعة ولا كراء له فيما أشفع ، وإن ابتاع أرضا بزرعها الأخضر [ ص: 363 ] فاستحق رجل نصف الأرض وأشفع بطل البيع في النصف المستحق ، وفي نصف الأرض لانفراده بغير أرض ، ويرد البائع نصف الثمن ، وله نصف الزرع ، وإن أخذ الشفيع نصف الأرض لم يشفع في نصف الزرع ، وإن لم يأخذ خير المبتاع بين رد ما بقي بيده وأخذ الثمن لذهاب ما له بال من الصفقة ، وبين التمسك بنصف الأرض ونصف الزرع ، ويرجع بنصف الثمن لأنه حقه .

                                                                                                                في التنبيهات : قوله : إذا اشترى أرضا بزرعها أخضر إلى قوله : ولا يشفع في نصف الزرع ، هو في أكثر النسخ ، قال الأصيلي : ولم يقرأها استحق ، وهو قوله : ويرد الزرع كله إلى بائعه ، ونظر قيمة الزرع من قيمة الأرض ; فإن كان ربع قيمة الثمن فللمستحق أخذ نصف الأرض بالشفعة بربع الثمن ونصف الربع ، لأن الزرع إذا بيعت الأرض لا يتبعها إلا أن يشترط ، فهو غير الأرض ، وكذلك قسمت القيمة بين الأرض والزرع ، ألا ترى لو بيعت الأرض بزرعها صغيرا فاستحقت كلها من غير شفعة فالزرع كله للبائع ، والثمن كله للمشتري ، وفي كتاب محمد : يرجع الزرع كله للبائع وهو غلط ، والصواب : تمسك المشتري بنصف الزرع المقابل لنصف الشفعة ، لأنه لم ينقض فيه البيع ، لأن الأخذ بالشفعة بيع جديد ، وعليه حملوا مذهب المدونة ، وسحنون يرى أن استحقاق الأرض وفسخ البيع في المستحق منها ويبقى الزرع لصفقة جمعت حلالا وحراما ، وكرجل باع أرضا وزرعها الذي لم يبد صلاحه من آخر في صفقة فإنه يفسد كله ، واستدل شيوخنا من قوله في الكراء للمستحق في الزراعة : أن مشتري الشقص إذا أكراه لمدة طويلة ثم استشفع : أن الكراء للمكتري إلى مدته ، ويخير الشفيع بين الرضا بذلك كعيب حدث أو يترك الشفعة ، أفتى به ابن مغيث وغيره من فقهاء ( طليطلة ) وأفتى ابن عتاب وغيره من فقهاء ( قرطبة ) أن له فسخ الكراء ، لقوله في الاستحقاق : أن للمستحق فسخ الكراء ، ولابن عتاب أيضا : إن أكرى عالما بالشفيع فسخ إلا في المدة اليسيرة كالشهر بخلاف الطويلة ، إلا أن يكون المكتري زرع فحتى يحصد ، وإن لم يعلم لم يفسخ إلا في المدة الطويلة بخلاف سنة ونحوها ، لقوله في كتاب الجعل في كراء الوصي : أرض يتيمة لمدة فتجعل احتلامه ، قال صاحب النكت : إذا استحق نصف الأرض وأخذ النصف [ ص: 364 ] الآخر بالشفعة : للمشتري أخذ الزرع المقابل للنصيب المستشفع به لعدم نقض العقد فيه ، وعهدته على المشتري ، وقال محمد : يبطل البيع في الزرع كله ويرد للبائع ، والأول أصوب ، قال ابن يونس : قال محمد : لا يأخذ مستشفع الأرض إلا بزرعها ، ولا النخل إلا بما فيه من الطلع ، لأن الشفعة بيع من البيوع ، ولا يحل بيع الأرض واستثناء ذلك للبائع .

                                                                                                                وقال أشهب : إذا أراد الأخذ أخذها بما فيها من البذر بثمن الشقص وقيمة الزرع على الرجاء والخوف ، وإلا فلا شفعة له ; فإن برز الزرع من الأرض فلا شفعة فيه ، وقال محمد : بل يأخذها إذا لم يبرز زرعها بالثمن وقيمة ما أنفق في البذر والعلاج ، وإن استحق نصف الأرض ونصف الزرع الأخضر فالشفعة فيهما ولا يأخذها بغير زرعها ، قال أشهب : وهو كآلة الحائط ورقيقه ، ومن قال خلاف ذلك فهو غير صواب ، ورواه عن مالك ، ولم يختلف قول ابن القاسم إذا اشترى الأرض بعد بروز الزرع وبعد إبار الثمرة أن الشفعة في الجميع ، ولم يختلف أيضا قبل البروز والإبان أن ذلك للشفيع ، ويغرم الثمن والنفقة ، وإن كره المشتري بقية الصفقة لكثرة ما استحق : قال ابن القاسم : يبدأ بتخيير الشفيع ; فإن لم يشفع خير المشتري ، وأشهب يبدأ بتخيير المشتري ; فإن تماسك ففيه الشفعة ، وأنكر ابن عبدوس قول أشهب في الزرع : الشفعة كآلة الحائط ، وقال بقول ابن القاسم : لا شفعة في الزرع ، وفرق بأن الزرع ليس مما يقوم الأرض . وفي النوادر : قال أصبغ : لو حفر في الدار بئرا فلم يخرج الماء فسرب سربا فلم يجد الماء لم يكن على الشفيع في ذلك شيء ، وإنما عليه فيما هو زيادة في الدار ، قال ابن القاسم : وأشهب إن اشترى وديا صغارا فقام الشفيع وقد صارت بواسق فله الشفعة بالثمن . قال محمد : وله الثمرة إن لم تتبين وعليه قيمة السقي والعلاج ; فإن استغلها سنين فإنما على الشفيع السقي في السنة التي قدم فيها [ ص: 365 ] إن لم تيبس ووجبت له شفعته . وقال سحنون : ليس عليه غرم شيء إلا الثمن ، لأن المنفق أنفق على مال نفسه ، ولا يرجع بشيء مما أنفق مما ليس بقائم في النخل . نظائر : قال العبدي : تؤخذ الثمرة في خمس مسائل : في الشفعة ، والمستحق مع الأرض إلى اليبس ، فإذا يبست فلا يأخذانها ، وكذلك إذا تولدت بعد الشراء ، وترد في الفاسد ، والرد بالعيب ما لم تطب فإذا طابت فللمبتاع ، وتؤخذ في الفلس ما لم تزايل الأصول .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية