الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أوصى بعتق عبد فلم يقبل فلا قول له ؛ لأن العتق حق لله تعالى ، ويعتق ما حمله الثلث ، وإن أوصى أن تباع جارية ممن يعتقها فأبت وهي من جواري الوطء ، ذلك لما يدخل عليها في ذلك من الضرر ، ولا يتزوجها بعد ذلك إلا أوباش الناس فهو كمن أوصى بضرر ، وإن لم تكن من جواري الوطء بيعت ممن يعتقها ، وقيل : تباع للمعتق مطلقا تحصيلا لمصلحة العتق ولا يلتفت إلى قولها ، قال صاحب النكت : إذا أوصى بعتقها لم يقبل منها كانت من جواري الوطء أم لا ، بخلاف وصيته ببيعها ممن يعتقها ، والفرق : أن الوصية بالعتق مصلحة فلا بد من نفاذها ، وفي البيع أراد مصلحة الورثة بالثمن والجارية بالبيع فلها كراهة ذلك . قال ابن يونس : قال أصبغ : إذا قال لورثته : أعتقوها فقالت : لا أحب ، فهو مثل : بيعوها ممن يعتقها في القياس ، واستحسن عتقها إن حملها الثلث ، وإن لم يحملها أو كان أوصى بعتق بعضها قبل قولها ، أما لو قال : إن مت فهي حرة نفذ العتق كما لو باشر عتقها . قال مالك : وإذا أوصى بتخييره بين البيع والعتق فله اختيار كل واحد منهما بعد اختيار الآخر ما لم يبع أو تقوم ؛ لأن الأصل إبقاء تخييره ما لم يتعلق به حق لله أو لآدمي ، فإن قال : بيعوني من فلان ، فلهم بيعه في السوق توفيرا للثمن الذي هو حقهم ، ولا يوضع منه شيء ، وإن أراد البيع وأرادوا قيمته ليس ذلك لهم إلا برضاه ، فإن الموصي قد يقصد بالبيع تخليصه من عداوتهم ، وإن رضي بترك البيع والقيمة ، لهم بيعه ؛ لأنه شأن الأملاك . وروى عنه أبو زيد : إن اختار العتق أو البيع له الرجوع ما لم يوقفه السلطان وشهد العدول بذلك .

                                                                                                                [ ص: 82 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز شراؤه ابنه في مرضه إن حمله الثلث ، ويعتق ويرث لتقدم حريته الموت ، فإن أعتق عبده واشترى ابنه وقيمته الثلث بدئ الابن لجمعه بين قربتي العتق وصلة الرحم ، وإن أوصى بشراء ابنه بعد موته اشترى وعتق في ثلثه ، وإن لم يقل : فأعتقوه ، لدخوله في ملكه في الوصية ، ولو كان عبدا كان ولاؤه له ، والولاء فرع الملك . قال التونسي : إن قيل : إذا اشترى ابنه كيف يرثه وهو إنما يعتق بعد الموت والتقويم ؟ قال : قال عبد الملك : القياس : عدم الإرث ، ومنع أصبغ إرثه ؛ لأن التقويم واعتبار الوصايا بعد الموت ، ومالك يراه لما خرج من الثلث ؛ لأنه لم يزل حرا كما أن غلة المبتل وثمرة النخل لا تقوم ، بل الأصول وتتبعها الغلات على أحد القولين كان الحكم تقدمها ، ويلزم على قول مالك في تقديم الابن على عتق العبد كما لو اشتراه صحيحا أنه لو تقدم شراء العبد على شراء الابن أن يقدم الابن وهو بعيد ، لأن الابن إذا قلنا يعتق من الثلث فلا بد من الترتيب ، فكيف يبطل شراء الابن عتقا متقدما ؟ قال أشهب : ولو اشترى ابنه وأخاه في مرضه واحدا بعد واحد فالأول أولى لتقدم استحقاقه ، أو في صفقة : فقياس قول مالك : يتحاصان . قال : وأرى تبدئة الابن وعتقه وتوريثه ، قال ابن يونس : إن اشترى ابنه بماله كله عتق منه ما حمله الثلث ، فإن كان يعتق على الوارث عتق الباقي عليه . وقال ابن وهب : إن اشترى من يحجب ابن الوارث ورث جميع المال . فإن كان لا يرث غيره جاز شراؤه لكل المال ، ويعتق ويرث ما بقي ، وإن كان لا يحجب وشارك في الميراث لا يشتريه إلا بالثلث ولا يرثه ؛ لأنه إنما يعتق بعد الموت . وقد جاز المال لغيره ، وقال أشهب : لا يشتريه إلا بالثلث كان يحجب أم لا ، ولا يرث ، وقال عبد الملك : كل من يجوز له استلحاقه يجوز له شراؤه بجميع المال ، شارك في الميراث أم لا ؛ لأنه لو استلحقه ثبت نسبه وميراثه ، ويمتنع [ ص: 83 ] شراؤه غير الابن والأباء والأمهات والأخوات والأخوة ؛ لأنه لا يستلحقهم ، وقاله المدنيون ، وعن مالك : يشتري الأب وغيره من الثلث ويرثه ، وعن أشهب : ليس له شراء ابنه بماله كله إذا لم يكن معه مشارك في الميراث أو يكون من يرث في رق الولد ، ويحجبه الولد الحر ، فأما مع المشارك فلا يشتريه إلا بالثلث ، وكذلك من يعتق عليه ، وأنكر قول مالك : أنه لا يشتريه إلا بالثلث ولم يقصد . قال اللخمي : اختلف في الأباء والأبناء والأم والأخوة والأخوات والجدات كالاختلاف في الولد : هل يعتقون من رأس المال أو من الثلث ؟ فعن أشهب : من رأس المال ، وعنه : ذلك إذا لم يكن معه وارث ؛ لأنهم أولى بماله وخصص عبد الملك هذا بالابن فيعتق من رأس المال فيرث ؛ لأنه له استلحاقه بخلاف غيره . وقيل : يختص برأس المال الولد وولد الولد كان له ولد آخر أم لا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : أوصى بعتق أمته بعد موته بسنة ، والثلث يحملها ، فما ولدت بعد موته وقبل السنة يعتقون بعتقها ، وكذلك المكاتبة والمدبرة بعد العقد ، وأرش خراجها وقيمة مثلها قبل السنة للورثة ؛ لأنها ملكهم فيها ، وما أفادت بعطية أو كسب لا ينزع منها كالمعتقة إلى أجل يتبعها مالها ، وقيل : ينزع إذا لم يقرب الأجل ؛ لأنها رقيق . فإن جنت خير الورثة في فداء الخدمة بجميع الجناية ، أو يسلموا الخدمة للمجني عليه ويقاص بها في الجناية ، فإن وفت قبل السنة رجعت للخدمة بقية السنة ، وإن بقي من الأرش شيء بعد السنة عتقت وأتبعت به ، وللوارث عتقها قبل السنة ؛ لأن الحق له في الخدمة ، والولاء للموصي ؛ لأنه المنشئ للعتق من ثلثه ، وإن كانا وارثين فأعتق أحدهما سقط حقه من الخدمة وحده ، وبقيته حر ، ويخدم الآخر إلى تمام الأجل . قال التونسي : من أعتق في صحته إلى أجل ثم مات فالأقرب أن للوارث انتزاع المال .

                                                                                                                [ ص: 84 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : أوصى لعبده بثلث ماله ، وقيمته الثلث ، عتق جميعه ؛ لأنه ملكه ثلث نفسه ، فيعتق على نفسه كما يعتق على الشريك المعتق ، وما فضل من الثلث فللعبد ، وإن لم يحمله عتق منه ما يحمله ، وله مال استتم منه عتقه ، ( كما يقوم على غيره ، وكذلك إن أوصى له بالسدس وقيمته السدس عتق ) رواه ابن القاسم ، وروى ابن وهب : لا يعتق فيما بيده ويوقف بيده ؛ لأن العتق على الغير لنفي الضرر عن الشريك وهو لا يضر نفسه . قال : قالمالك : فإن لم يترك غير العبد وأوصى بثلث ماله ، وبيد العبد ألف دينار لا يعتق إلا بثلثه ولا يعتق فيما بيده بل يوقف بيده ؛ لأن الموصي أوصى بعتق ثلثه ، فالتكميل إنما يتعين على السيد وهو معسر ، بخلاف إذا كان له مال وأوصى له بثلث المال . وكذلك إذا كان للعبد امرأة حرة ، وولدها منه أحرار فأوصى السيد لجميعهم بثلث ماله عتق العبد في ذلك ؛ لأن ولده ملك بعضه ، لكونه من جملة الثلث ( وملك هو من نفسه للبعض ) . قال صاحب النكت : قال بعض القرويين في مسألة الوصية لأولاد العبد : إن لم يقبل الأولاد عتق ما أوصى لهم به من أبيهم ، وإن لم يقبلوه على الاختلاف ، وإن قبلوا ما أوصي لهم به من أبيهم دون المال ، كمل عتقه في ذلك المال ، وإن كان عليهم دين فالمال في دينهم ، أما لو أوصي لهم من أبيهم فالعتق أولى من الدين . قال ابن أبي زيد : ينبغي على قول مالك إن لم يقبل الولد الوصية من أبيهم وقبلوا الوصية في بقية الثلث : أن يعتق عليهم ما وقع لهم من ثلث أبيهم ولا يكمل عليهم ، وعلى قول أشهب : لا يعتق حصتهم من رقبته إلا أن يقبلوها فيتم عليهم باقيه . قال التونسي : إذا أوصى له بثلث تركته ، عتق ثلثه في نفسه ويكمل عتقه فيما أوصى له به من بقية ماله ، ويبدأ على الوصايا إلى تمام رقبته ، وما فضل فهو له ، وإن أوصى له بثلث [ ص: 85 ] نصيبه ومائة دينار لم يبدأها في الثلث وحاص بها أهل الوصايا ، قاله مالك ، وقال سحنون : لا يبدأ إلا في الوجهين إلا بثلث نفسه ، ويحاص بما سوى ذلك ؛ لأنها وصية كغيرها . قال ابن القاسم : إذا أوصى لعبده بثلث ماله ولأجنبي بثلث ، يتحاصان ، فما صار للعبد عتق فيه ، أو أخذه ولا يبدأ العبد ؛ لأنه عتق على نفسه . قال التونسي : ولا فرق في الحقيقة بين الوصية له بثلثه أو بثلث نفسه وبمائة دينار ، بل ينبغي التبدئة فيهما لأجل العتق وبدأه عبد الملك في نفسه في الثلث ولم يبدأه في المائة ، ولم يبدأه ابن القاسم في بقية الثلث مع قوله : إنه يعتق فيه ، وهو يدل على أن ذلك ليس من جهة الميت ؛ فلهذا عتق على العبد ، وهو غير قادر على رد عتق ثلث نفسه ، وإذا أجاز ذلك وأجاز عتقه في بقية الثلث ؛ لأنه عتق على نفسه ، لزم عليه إذا وهب رجل لعبده نصفه وعليه من الدين ما يستغرق النصف الآخر أن يقوم النصف على العبد إن كان له مال ، ولو أوصى له بنصف نفسه أن يكمل ، وقال أصبغ : وإن أوصى له بربع نفسه وثلث ما يبقى من ماله سوى العبد : فإن قال : لم يعتق إلا ربع العبد ، ولا يعتق نفسه في بقية الثلث ، وإن لم يقل : دخل في ذلك بقية رقبته ثم يقوم على العبد ما بقي من رقبته إن عجز منها شيء في مال نفسه ، فقد بين أنه إذا قال : سوى العبد أنه كالموصى له بمال مع ثلث رقبته ، وأنه لا يقوم في ذلك ، وإن لم يقل : يقوم في مال نفسه وبقية الثلث ، وينبغي على قوله أن لا يقوم في مال نفسه ؛ لأن مال نفسه ليس هو الوصية . فإن أوصى لعبده بشيء بعينه فلم يحمله الثلث قطع له فيه ولم يعتق على القولين ، وإذا أوصى له بخدمة أو سكنى ولم يحملها الثلث قطع له بالثلث شائعا . وعتق في ذلك ، فإن أوصى له بدنانير تخرج من الثلث حاضرة لا يحتاج إلى بيع العبد أخذها إذا حملها الثلث ، [ ص: 86 ] وإن لم تحضر كلها واحتيج إلى بيع العبد لتكميلها . ولا يتم الثلث الآن للعبد : رجع ذلك كله عتقا فيعتق من العبد ثلث جميع الميت ، وكذلك لو أوصى له بدراهم ودنانير ولم تقل من ثمنه ، وليس له إلا العبد ، عتق منه بقدر ذلك ، وليس للورثة إعطاء ذلك ، ولا يعتق العبد ، وإن وصى له بثلث دين عليه شاهد ، حلف معه كحلف الورثة ، ولو أوصى له بعتقه لم يحلف له مع شاهد يقوم للميت ليعتق فيه ، والصورتان تئولان إلى عتق ، وفي كتاب ابن سحنون في عبد له امرأة وأربعة أولاد أحرار أوصى سيده بثلث ماله لجميعهم : تطلق عليه امرأته إن قبلت والثلث بين الولد والأبوين أسداس ، للعبد الثلث من نفسه ، ولبنيه أربعة أسداس ، ويعتق نصيبه ونصيبهم ، وبيد الزوجة سدس ثلث ينضم إلى ما يقع له ولبنيه من بقية الثلث ، فإن وسع بقية العبد عتق ، وإلا فما وسع من ذلك وإن كان فيه ، وما عتق في سهمه وسهم بنيه ويبقى سهم المرأة ، فإن بقي للعبد ولبنيه من الثلث بقية فهي على خمسة أجزاء ، عتق سدس المرأة فيما للعبد من بقية الثلث ، فإن لم يف عتق باقيه على بنيه فيما لهم من ذلك وغيره إن قبلوا الوصية ، ولا يقوم على العبد باقيه في مال إن كان له على مقتضى رواية ابن وهب عن مالك ، قال : وفيه نظر ؛ لأنه جعل ثلثي الورثة من العبد تقوم على العبد وعلى بنيه ، ولم يبدأ بالتقويم على العبد ، فإن عجز قوم على بنيه فيما ورثوا في غيره ، والتحقيق : لا فرق بين ثلثي الورثة وسدس المرأة ، وينبغي على مذهب ابن القاسم لو لم يقبل الولد الوصية في رقبة أبيهم أن يعتق ذلك عليهم وأن لا يقوم عليهم في بقية الثلث كمن أوصى لولده بمن يعتق عليه أنه يعتق ولا يقوم عليه ، وعلى قول غيره : لا يعتق عليهم منه شيء ، قال سحنون : فإن أوصى لعبده بثلث ماله وللعبد ولد رقيق للسيد فالأب أولى بالثلث يعتق فيه ، فإن بقي منه شيء دخل فيه الابن بالعتق ما بلغ الثلث ، ثم قال : الذي يعتق على بنيه ما صار لهم منهم في الوصية ، ويأخذ ما بقي مالا مع أن مذهبه أنه إذا أوصى لعبده بثلثه إنما يعتق ثلثه بلا تقويم على نفسه فكيف قال [ ص: 87 ] هاهنا يستتم في بقية الثلث ، وإذا حمل عليه في بقية الثلث على قوله كمل عليه ابنه في بقية الثلث . قال ابن يونس : قال ابن كنانة : أوصى بأن يباع منه بعشرة لأخيه وللعبد بقية نفسه ، بيع منه بما ذكر لأخيه ، وعتق باقيه إن حمل الثلث ، ويقوم في ذلك بماله . قال ابن القاسم : أوصى أن يباع بثلاثين منها لفلان عشرة فبيع بذلك فأكثر لا يزاد على العشرة ، أو بأقل وأكثر من عشرين فله ما زاد على عشرين ، أو بعشرين لم يكن له شيء ؛ لأنه إنما أوصى له بالزائد عليها ، وقيل : له ثلث ما بيع به مطلقا بأقل من ثلاثين ؛ لأنه له بثلث ثلاثين ، وقال أشهب : له عشرة ولو لم يبع إلا بها فأقل ؛ لأنه أوصى له بها . قال مالك : وإذا قال : ثلث عبدي له وله مائة دينار ، ليس له أن يأخذ بالمائة في نفسه عتقا ؛ لأنه إنما أوصى له بها مالا . قال ابن القاسم : لو أوصى له بثلث ماله وأوصى بعتق عبد آخر بيد الموصى بعتقه ؛ لأنه عتق على الميت ، وذلك عتق على نفسه . قال ابن القاسم : وإن أوصى بثلث ماله لابن عبده والابن حر كبير ، وقبل الوصية عتق عليه أبوه ، أو لم يقبل عتق ثلث الأب ؛ لدخوله في ملكه فهو أولا يفتقر إلى القبول ، وإن كان صغيرا عتق ثلثه فقط ، وإن أوصى له بثلث ماله وفي التركة أخوه فليس له أن ينكب عنه حذر العتق ، بل إن قبل عتق عليه كله ، ورد للورثة بقية القيمة ، وله قبول الوصية إلا ثلث أخيه ، ولا يلزمه عتق باقيه بل يعتق ثلثه لدخوله في ماله .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : أوصى بخدمة عبده سنة ، لا يبيعه الورثة على القبض بعد سنة ؛ لأنه معين بتأخر قبضه فهو غرر ، وإذا أوصى بخدمة أو غلة نخل أو السكنى سنة ، جعل في الثلث قيمة الرقاب ، فإن حملها نفذت الوصايا ، وإلا خير الورثة في إجازة ذلك أو يقطع الموصى له بثلث الميت في كل شيء بتلا ، قال صاحب التنبيهات : لو لم يعلم المشتري بذلك حتى انقضت السنة بأن يشتريه ويودعه فيسافر . ثم يقدم فيعلم ويرضى قيل : يفسد لوقوعه أولا فاسدا على الخلاف في [ ص: 88 ] علم أحد المتعاقدين بالفساد . وعلى القول بجوازه يخير في التمسك ، ولا كراء له في السنة ، أو يقسم البيع ؛ لأنه عيب . قال التونسي : إنما جعلت الرقبة في الثلث ؛ لأن الميت أخرجها عن الورثة مع الخدمة مع إمكان عدم الرجوع إليهم ، وأوصى مع ذلك بوصايا قومت الخدمة بقدرها وحوصص بها ؛ لأن الرقبة هاهنا سقط إخراجها عن الورثة ، ويصير إنما له مال يحاصص به وهو قيمة الخدمة ، وهو حكم الغلات كلها . قال ابن يونس : قال محمد : لو قال : عبدي لفلان بعد سنة ، أو يخدم فلانا سنة ، أو هو لفلان ، فأصل مالك : أنه متى زاد على ثلثه وأبى الورثة الإجازة فإنهم يخرجون لأرباب الوصايا من ثلث الميت من عين أو دين أو غيرهما إلا في خصلة واحدة اختلف قول مالك فيها : دابة بعينها أو عبد بعينه وضاق الثلث ، فقال مرة : كما تقدم ، وعنه : يعطى مبلغ ثلث التركة في ذلك المعين لاختصاص الوصية به ، قال : وهو الصواب الذي يثبت عليه قول مالك ، ومن قال : يخدم فلانا سنة ثم هو حر فلم يقبل فلان ، خدم الورثة ثم عتق ، ولو وهبها العبد أو باعها منه فهو قبول ، ويعتق مكانه لسقوط الخدمة المانعة من العتق ، وإن كان غائبا أجره له السلطان وعتق بعد الأجل إلا أن يريد في الكفالة والحضانة فينتظر ويكتب إليه أو يخرج العبد إليه . فإن انقضت السنة من يوم موت الموصي عتق خدم أم لا ، كما لو قال مالك : لو قال لعبده : اخدمني سنة وأنت حر فأبق أو مرض حتى مضت السنة عتق ، أو قال : عبدي حر بعد عشرين سنة فإنما يحسب من يوم الموت دون الوصية ، وإذا أوصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر بعد موته ، فنفقته على المخدم ؛ لأنه الحائز له ولمنافعه الآن ، وكذلك ما تلده جاريته في حياته لرجل ، وبرقبتها لآخر ، فالنفقة على من له الولد ، وزكاة الفطر هل هي على المخدم أو صاحب الرقبة وهو مذهب الكتاب ؟ قولان . قال اللخمي : حساب السنة في الغائب من يوم الموت محمول على أن الموصي اعتقد أنه حاضر ، وإلا فالسنة من يوم وصول العبد إليه ، [ ص: 89 ] وخدمة ما بين وصوله إليه للورثة ، ونفقته عليهم ، والموصي : يخدم فلانا حياته يخدم ولدها معها . وكذلك ولد المخدم من أمته بعد الوصية ؛ لأن الخدمة تقرير لما أوصى به ، وأما نحو ثلاث سنين وهو يرضع لا يبلغ الخدمة قبل الحرية . عتق الولد الآن ، لعدم الفائدة في إيقافه ، إذ لا خدمة له في ذلك الأجل ، وإن كان المرجع لرجل فالولد له من الآن . قال صاحب التنبيهات : عن مالك : في نفقة المخدم ثلاث روايات : على المخدم في مال نفسه ، فإن لم يكن له مال فعلى من له الخدمة ، وفي الكتاب : زكاة الفطر على ربه ، وإن جعل رقبته لآخر : فعلى صاحب الرقبة . وقال أشهب : على من له الخدمة فيهما .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية