الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثالث : صفة القسمة : قال صاحب المقدمات : القسم إما أن يتبع في رقاب أو منافع ، وقسم رقاب أموال ثلاثة : قرعة بعد التقويم ، وتعديل ومراضاة بعد تعديل وتقويم ، ومراضاة بغير تقويم ولا تعديل ، ولكل صفة أحكام تخصها [ ص: 197 ] فيخص الأول : إجبار الممتنع عنها عليها ، وتختص بالجنس الواحد من العقار أو الحيوان أو العروض لئلا يعظم الغرر بالقرعة في المختلفات دون المكيل والموزون ، ولا يجمع سهم اثنين لما فيه من توقع تكرر القرعة وزيادة الغرر ، ويرجع فيها بالعين لعدم الدخول على التفاوت ، ولا تدخل في المكيل والموزون لإمكان قسمه بغير غرر القرعة بالمكيال والميزان ، ويخص الثانية : جوازها في الأجناس والمكيل والموزون لعدم القرعة ، إلا في صنف يمتنع التفاضل فيه ، فإن الرضا فيه بغير المماثل حرام ، ويرجع فيها بالغبن لما تقدم ، وتختص الثالثة بعدم الرجوع بالغبن مع جوازها في موارد الثانية ؛ لأن التزام عدم التعديل رضا بالتفاوت وهي بيع اتفاقا ويحكم فيها بحكم البيع في الاستحقاق والرد بالعيب وسائر الأحكام المتعلقة بالبيع ، واختلف في الأولين : فالمشهور أنهما بيع ، وقاله ( ش ) و ( ح ) ؛ لأن كل واحد يعوض عن الشافع فيما أخذه شريكه الشافع مما أخذه لشريكه . وهذا هو حقيقة البيع ، وقال سحنون وابن حنبل تمييز حق ، قال صاحب التنبيهات : وهو الصحيح من مذهبنا وأقوال أئمتنا ، وإن كان مالك أطلق عليهما : بيع ، واضطرب فيها رأي ابن القاسم لقسم الصحابة رضوان الله عليهم البقر والإبل المذبوحة عن سبع ، وبيع لحوم القرب حرام ؛ ولأن القرعة والإجبار ينافيان البيع لاشتراط الرضا فيه ؛ ولأن تعويض المعين عن الشائع لو كان بيعا لكان قبض طعام السلم والديون بيعا ، فيلزم بيع الطعام قبل قبضه ، وبيع المؤجل في الذمم بالمعجل ، وصرف ما في الذمم قبل حلوله ( بجواز تعجيل الدين قبل أجله ) بل هذا أولى بالبيع ، فإن عين ما أخذ لم يكن له فيه ملك . والمقاسم كان يملك فيما أخذ نصيبا .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أنه مستثنى من القسم للضرورة ، وتوسعة على الناس في التقريب .

                                                                                                                [ ص: 198 ] والجواب عن الثاني : إن الرضا قول يشترط فيه البيع لدفع الضرر كالأخذ بالشفعة وبيع مال المفلس .

                                                                                                                تنبيه : لا يمكن القول بأنها بيع مطلقا ، فإن عين ما أخذ له فيه حصة قبل القسم ، وهي الآن باقية له فلم يعاوض فيها .

                                                                                                                نظائر : قال العبدي : يجبر الإنسان على بيع ماله في سبع مسائل : الماء للعطشان ، فإن تعذر الثمن أجبر بغير ثمن ، ومن انهارت بئره وخاف على زرعه الهلاك يجبر جاره على سقيه بغير ثمن ، وقيل : بالثمن والمحتكر يجبر على بيع طعامه . وجار الطريق إذا أفسدها السيل ، وكذلك الساقية إذا أفسدها السيل يؤخذ مكانها بالقيمة من جار الساقية ، وإذا ضاق المسجد يجبر من قاربه على البيع ليوسع للناس ، وصاحب الفدان في فدن الجبل إذا احتاج الناس إليه ليخلصهم لأجل وعره ، وصاحب الفرس أو الجارية يبطلها السلطان فإن لم يدفعها إليه جبر الناس فإنه يجبر هو تغليبا لأحد الضررين ، والإنسان مضطر للخلاص من سوء الشركة والاستقلال بملكه من غير مزاحم فتعين الإجبار ، وإن كان القسم بيعا .

                                                                                                                وعن الثالث : أن المستحق في السلم والديون حقيقة مطلقة تجب على المديون بعينها في معين ليحصل الإقباض ، وهذه الحقيقة لم ينتقل عنها إلى غيرها فما وجد معنى المعاوضة ، وفي القسم كل واحد من نصفي الدار لزيد فيه حق شائع [ ص: 199 ] عاوض عن أحد الشائعين بالآخر فتقرر معنى المبيع ، قال : والأظهر : أن الأولى تميز بخلاف الثانية ، ودليل القرعة قوله تعالى : ( فساهم فكان من المدحضين ) وقوله تعالى : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) وفي مسلم أن رجلا أعتق ستة أعبد بموته فأسهم - عليه السلام - بينهم فأعتق ثلثهم ، وقال عليه السلام : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا ) وإنما وقعت القرعة في تلك الصور تطييبا للقلوب وإقرارا لحق الورثة عن المعتق ، وهذا متحقق في القسم وما يوجبه الحكم يجوز التراضي عليه من غير حكم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية