[ ص: 68 ] كتاب الفرائض
حقيق بمن علم أن الدنيا منقرضة وأن الرزايا قبل الغايات معترضة ، وأن المال متروك لوارث ، أو مصاب بحادث ، أن يكون زهده فيه أقوى من رغبته ، وتركه له أكثر من طلبته ، فإن النجاة منها فوز ، والاسترسال فيها عجز ، أعاننا الله على العمل بما نقول ، ووفقنا لحسن القبول إن شاء الله .
ولما علم الله عز وجل أن صلاح عباده فيما اقتنوه مع ما جبلوا عليه من الضن به والأسف عليه أن يكون مصرفه بعدهم معروفا ، وقسمه مقدرا مفروضا ليقطع بينهم التنازع والاختلاف ، ويدوم لهم التواصل والائتلاف ، جعله لمن تماست أنسابهم وتواصلت أسبابهم لفضل الحنو عليهم ، وشدة الميل إليهم ، حتى يقل عليه الأسف ، ويستقل به الخلف ، فسبحان من قدر وهدى ، ودبر فأحكم ، وقد كانت كل أمة تجري من ذلك على عادتها ،
nindex.php?page=treesubj&link=34052وكانت العرب في جاهليتها يتوارثون بالحلف والتناصر كما يتوارثون بالأنساب : طلبا للتواصل به ، فإذا تحالف الرجلان منهم قال كل واحد منهما لصاحبه في عقد حلفه : هدمي هدمك ، ودمي دمك ، وسلمي سلمك ، وحربي حربك ، وتنصرني وأنصرك . فإذا مات أحدهما ورثه الآخر ، فأدرك الإسلام طائفة منهم فروى جبير بن مطعم قال : قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923562nindex.php?page=treesubj&link=30581لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ، فجعل الحلف في صدر الإسلام بمنزلة الأخ للأم فأعطي السدس ، ونزل فيه ما حكاه أكثر أهل التفسير في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=33والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم [ النساء : 33 ] ، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم [ الأحزاب : 6 ] .
[ ص: 68 ] كِتَابُ الْفَرَائِضِ
حَقِيقٌ بِمَنْ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَرِضَةٌ وَأَنَّ الرَّزَايَا قَبْلَ الْغَايَاتِ مُعْتَرِضَةٌ ، وَأَنَّ الْمَالَ مَتْرُوكٌ لِوَارِثٍ ، أَوْ مُصَابٌ بِحَادِثٍ ، أَنْ يَكُونَ زُهْدُهُ فِيهِ أَقْوَى مِنْ رَغْبَتِهِ ، وَتَرْكُهُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ طِلْبَتِهِ ، فَإِنَّ النَّجَاةَ مِنْهَا فَوْزٌ ، وَالِاسْتِرْسَالَ فِيهَا عَجْزٌ ، أَعَانَنَا اللَّهُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا نَقُولُ ، وَوَفَّقَنَا لِحُسْنِ الْقَبُولِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ صَلَاحَ عِبَادِهِ فِيمَا اقْتَنَوْهُ مَعَ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّنِّ بِهِ وَالْأَسَفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَصْرِفَهُ بَعْدَهُمْ مَعْرُوفًا ، وَقَسْمَهُ مُقَدَّرًا مَفْرُوضًا لِيَقْطَعَ بَيْنَهُمُ التَّنَازُعَ وَالِاخْتِلَافَ ، وَيَدُومَ لَهُمُ التَّوَاصُلُ وَالِائْتِلَافُ ، جَعْلَهُ لِمَنْ تَمَاسَّتْ أَنْسَابُهُمْ وَتَوَاصَلَتْ أَسْبَابُهُمْ لِفَضْلِ الْحُنُوِّ عَلَيْهِمْ ، وَشِدَّةِ الْمَيْلِ إِلَيْهِمْ ، حَتَّى يَقِلَّ عَلَيْهِ الْأَسَفُ ، وَيَسْتَقِلَّ بِهِ الْخَلَفُ ، فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ وَهَدَى ، وَدَبَّرَ فَأَحْكَمَ ، وَقَدْ كَانَتْ كُلُّ أُمَّةٍ تَجْرِي مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=34052وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا يَتَوَارَثُونَ بِالْحِلْفِ وَالتَّنَاصُرِ كَمَا يَتَوَارَثُونَ بِالْأَنْسَابِ : طَلَبًا لِلتَّوَاصُلِ بِهِ ، فَإِذَا تَحَالَفَ الرَّجُلَانِ مِنْهُمْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي عَقْدِ حِلْفِهِ : هَدْمِي هَدْمُكَ ، وَدَمِي دَمُكَ ، وَسِلْمِي سِلْمُكَ ، وَحَرْبِي حَرْبُكَ ، وَتَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُكَ . فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وِرِثَهُ الْآخَرُ ، فَأَدْرَكَ الْإِسْلَامَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ : قَالَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923562nindex.php?page=treesubj&link=30581لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً ، فَجَعَلَ الْحَلِفَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَأُعْطِيَ السُّدُسَ ، وَنَزَلَ فِيهِ مَا حَكَاهُ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=33وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [ النِّسَاءِ : 33 ] ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ الْأَحْزَابِ : 6 ] .