الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 544 ] فصل : وأما القسم الثالث الذي يختلف فيه الضمان باختلاف حال الدافع إن كان إماما أو مالكا فهو مسألة الكتاب ، وهو أن يدفعها إلى من يستحقها بالفقر والمسكنة فيبين غير مستحق ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : ألا يستحقها لعدم الفقر .

                                                                                                                                            والثاني : ألا يستحقها مع وجود الفقر لسبب يمنع من جواز الأخذ .

                                                                                                                                            فأما الضرب الأول فهو أن يدفعها إلى رجل ظن به فقرا فبان غنيا ، فإن كان الدافع لم يجتهد عند الدفع ضمن إماما أو مالكا : لأن ترك الاجتهاد تفريط ، وإن كان قد اجتهد عند الدفع نظر ، فإن كان الدافع لها إماما أو واليا عليها من قبل الإمام لم يضمن : لأنه أمير عليها لم يفرط فيها ، ولكن له استرجاعها من الآخذ لها إن كان حيا ومن تركته إن كان ميتا ، سواء شرط عند الدفع أنها زكاة أو لم يشرط : لأن الوالي لا يدفع من الأموال إلا ما وجب ، وإن كان الدافع لها هو رب المال ففي وجوب ضمانه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يضمن كالإمام .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يضمن ، بخلاف الإمام والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن للإمام عليها ولاية ليست لرب المال فلم يضمنها إلا بالعدوان .

                                                                                                                                            والثاني : أن الإمام بريء الذمة من ضمانها قبل الدفع فلم يضمنها إلا بتفريط ظاهر .

                                                                                                                                            ورب المال مرتهن الذمة بضمانها قبل الدفع ؛ فلم يبرأ منها إلا باستحقاق ظاهر .

                                                                                                                                            والثالث : أن الإمام لا يقدر على دفعها إلى مستحقها إلا بالاجتهاد دون اليقين فلم يضمن إذا اجتهد ورب المال يقدر على دفعها إلى مستحقها بيقين وهو الإمام مضمونة إذا دفعها بالاجتهاد .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذا نظر في رب المال ، فإن شرط عند الدفع أنها زكاة كان له استرجاعها من الآخذ لها إذا كان غنيا وإن لم يشترط ذلك عند الدفع نظر في الآخذ لها ، فإن صدقه أنها زكاة لزمه ردها وإن لم يصدقه لم يلزمه ردها ، بخلاف الإمام : لأن رب المال قد يعطي فرضا وتطوعا فلم يسترجع إلا بشرط ، والإمام لا يعطي إلا فرضا واجبا ، فجاز أن يسترجع بغير شرط ، ولأن للإمام ولاية على أهل السهمان ، فكان قوله عليهم مقبولا وليس لرب المال عليهم ولاية فلم يقبل قوله عليهم ، فكان هذا فرقا بين الإمام ورب المال في جواز الاسترجاع عند عدم الشرط ، لكن اختلف أصحابنا هل يكون لرب المال إحلاف المدفوع إليه أنه لا يعلم أن ما أخذه تعجيل أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : له إحلافه : لأنه لو علم لزمه الرد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ليس له إحلافه : لأنه هو المفرط حيث لم يشترط ، ولكن لو قال رب المال : شرطت التعجيل ، وقال المدفوع إليه : لم يشترط ، كان له إحلافه وجها لوجه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية