الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا ترك ابني عم أحدهما أخ لأم ، فللذي هو أخ للأم السدس فرضا بالأم والباقي بينهما بالتعصيب ، وبه قال علي وزيد - رضي الله عنهما - وهو الظاهر من قول عمر وقول أبي حنيفة ومالك والفقهاء .

                                                                                                                                            وروي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : المال كله لابن العم الذي هو [ ص: 116 ] أخ لأم ، وبه قال شريح وعطاء والحسن وابن سيرين والنخعي وأبو ثور استدلالا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " وبنو الأم يتوارثون دون بني العلات " ولأنهما قد استويا في الإدلاء بالأب واختص أحدهما بالإدلاء بالأم فصار كالأخوين أحدهما لأب وأم وآخر لأب ، فوجب أن يقدم من زاد إدلاءه بالأم على من تفرد بالأب .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس [ النساء 12 ] ، فأوجب هذا الظاهر ألا يزاد بهذه الإخوة على السدس ، ولأن السبب المستحق به الفرض لا يوجب أن يقوى به التعصيب بعد أخذ الفرض كابني عم أحدهما زوج ، ولأن ولادة الأم توجب أحد الأمرين إما استحقاقا بالفرض أو تقديما بالجميع ولا توجب كلا الأمرين من فرض وتقديم ، ألا ترى أن الإخوة المتفرقين إذا اجتمعوا اختص الإخوة للأم بالفرض واختص الإخوة للأب والأم بالتقديم في الباقي على الإخوة للأب ولم يجز أن يشاركوا باقيهم الإخوة للأم لتنافي اجتماع الأمرين في الإدلاء بالأم ، وكذلك ابن العم إذا كان أخا لأم لما استحق بأمه فرضا لم يستحق بها تقديمه على ابن العم ، ولأن اجتماع الرحم والتعصيب إذا كانا من جهة واحدة وجب التقديم كالإخوة للأب والأم في تقديمهم على الإخوة للأب ، وإن كانا من جهتين لم يوجبا التقديم ، والأخ للأم إذا كان ابن عم فيعصبه من جهة الإدلاء بالجد ورحمه بولادة الأم فلم يوجب التقدم ، وفي هذا انفصال عن استدلالهم بالإخوة للأب والأم .

                                                                                                                                            فأما الخبر فمحمول على الإخوة : لأن الرواية : أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ، فإذا تقرر أنهما في الباقي بعد السدس سواء ، وإنما ذلك في المال ، فأما ولاء الموالي فمذهب الشافعي أن ابن العم الذي هو أخ لأم يقدم به على ابن العم الذي ليس بأخ لأم : لأنه لما لم يرث بأمه من الولاء فرضا استحق به تقديما : لأن الإدلاء بالأم إذا انضم إلى التعصيب وجب قوة على مجرد التعصيب إما في فرض أو تقديم ، فلما سقط الفرض في الولاء ثبت التقديم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية