الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " والكافرون " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : " الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر " ، وهو قول الجمهور ، وحكي عن معاذ بن جبل ومعاوية أن المسلم يرث الكافر ولا يرث الكافر المسلم ، وبه قال محمد ابن الحنفية وسعيد بن المسيب ومسروق والنخعي والشعبي وإسحاق بن راهويه استدلالا بما روي عن معاذ أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : الإسلام يزيد ولا ينقص قالوا : وكما يجوز للمسلم أن ينكح الذمية ولا يجوز للذمي أن ينكح المسلمة ، [ ص: 79 ] ولأن أموال المشركين يجوز أن تصير إلى المسلمين ، فهذا أولى أن تصير إليهم إرثا ، ولا يجوز أن تصير أموال المسلمين إلى المشركين قهرا ، فلم يجز أن تصير إليهم إرثا .

                                                                                                                                            ودليلنا رواية علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يتوارث أهل ملتين .

                                                                                                                                            وروي عن الزهري قال : كان لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - فلما ولي معاوية - رحمه الله تعالى - ورث المسلم من الكافر وأخذ بذلك الخلفاء حتى قام عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - فراجع السنة الأولى ، ثم أخذ بذلك يزيد بن عبد الملك ، فلما قام هشام بن عبد الملك أخذ بسنة الخلفاء ، ولأن كل ملتين امتنع العقل بينهما امتنع التوارث بينهما ، كالكافر والمسلم ، ولأن التوارث مستحق بالولاية وقد قطع الله الولاية بين المسلم والذمي ، فوجب أن ينقطع به التوارث ، ولأن بعد ما بين المسلم والذمي أعظم مما بين الذمي والحربي ، فلما لم يتوارث الذمي والحربي لبعد ما بينهما ، كان أولى أن لا يتوارث المسلم والذمي ، فأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : الإسلام يزيد ولا ينقص ففيه تأويلان ، وكل واحد منهما جواب .

                                                                                                                                            أحدهما : أن الإسلام يزيد بمن أسلم من المشركين ولا ينقص بالمرتدين .

                                                                                                                                            والثاني : أن الإسلام يزيد بما يفتح من البلاد .

                                                                                                                                            وأما النكاح فغير معتبر بالميراث ، ألا ترى أن المسلم ينكح الحربية ولا يرثها ، وقد ينكح العبد الحرة ولا يرثها ، وأما أخذ أموالهم قهرا فلا يوجب ذلك أن تصير إلينا إرثا : لأن المسلم لا يرث الحربي وإن غنم ماله ، وهم يقولون إنه يرث الذمي ولا يغنم ماله ، فلم يجز أن يعتبر أحدهما بالآخر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية