الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ولو كان ما أوصى به عنه عن الحج تطوعا ، ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الوصية باطلة .

                                                                                                                                            والثاني : جائزة .

                                                                                                                                            فإذا قيل ببطلان الوصية ، كان الحج عن الأجير ، لا عن المستأجر عنه وفي استحقاقه للأجر قولان .

                                                                                                                                            فإذا قيل بجواز الوصية ، نظر مخرج كلامه فيها ، فله فيه أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقول أحجوا عني بمائة درهم من الثلث .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقول أحجوا عني بما اتسع له الحج من الثلث .

                                                                                                                                            والثالث : أن يقول : أحجوا عني بالثلث .

                                                                                                                                            والرابع : أن يقول أحجوا عني .

                                                                                                                                            فأما الحال الأول وهو أن يقول : أحجوا عني بمائة درهم من الثلث ، فلا يزاد عليها ولا ينقص ، مع احتمال الثلث لها .

                                                                                                                                            ثم لا يخلو إما أن يسمي من يحج بها ، أو لا يسميه ، فإن لم يسمه دفعت إلى من يحج بها واحدا من أفضل ما يوجد ، ثم لا تخلو المائة من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون بقدر أجرة المثل ، إما من بلده ، أو من الميقات ، فتدفع إلى وارث ، أو غير وارث ، لأنها وإن كانت في الثلث وصية ، فهي في مقابله عمل ، فلم تصر له وصية [ ص: 247 ] وصارت كالموصي يشتري عبدا يعتق عنه ، جاز أن يشتري من الوارث وإن كان ثمنه في الثلث ؛ لأنه في مقابله بدل .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون بقدر أجرة المثل ، فتدفع إلى أجنبي ولا يجوز أن تدفع إلى وارث ؛ لأن فيها وصية بالزيادة .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون أقل من أجرة المثل ، فإن وجد من يحج عنه أحججناه وارثا كان أو غير وارث ، فإن لم يوجد من يحج بها ، بطلت الوصية بالحج وعادت ميراثا ولم يزد في الثلث على أهل الوصايا ، كمن أوصى بمال لرجل ، فرد الوصية ، عادت إلى الورثة دون أهل الوصايا .

                                                                                                                                            وإن سمى من يحج بها بمائة لم يعدل بها عنه إلى غيره ، مع إمكان دفعها إليه ، ثم لا تخلو حالها من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون بقدر أجرة المثل فتدفع إلى المسمى لها وارثا كان أو غير وارث .

                                                                                                                                            فإن لم يقبلها المسمى بها ، دفعت حينئذ إلى غيره .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون أكثر من أجرة المثل ، فلا يخلو المسمى لها من أن يكون وارثا أو غير وارث .

                                                                                                                                            فإن كان وارثا فالزيادة على أجرة المثل وصية يمنع منها الوراث .

                                                                                                                                            فإن وصى بأجرة المثل منها ، دفعت إليه دون غير وردت الزيادة على الورثة .

                                                                                                                                            وإن لم يرض إلا بالمائة كلها ، منع منها ولم يجز أن تدفع إليه لما فيها من الوصية لها وعدل إلى غيره بأجرة المثل دون المائة ؛ لأن الزيادة على أجرة المثل وصية بمسمى ويعود الباقي ميراثا .

                                                                                                                                            وإن كان المسمى غير وارث دفعت إليه المائة إن قبلها وإن لم يقبلها عدل إلى غيره بأجرة المثل وعادت الزيادة عليها ميراثا .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تكون المائة أقل من أجرة المثل ، فإن قنع المسمى بها ، دفعت إليه وارثا كان أو غير وارث .

                                                                                                                                            وإن لم يقنع بها ووجد غيره مما يقنع بها ، دفعت إليه ؛ لأنه ليس فيها وصية للمسمى فتبطل بالعدول وإن لم يوجد من يحج عادت ميراثا ولم يرجع إلى الثلث .

                                                                                                                                            فأما إن عجز الثلث عن احتمال المائة كلها ، أخرج منها قدر ما احتمله الثلث فيصير هو القدر الموصى به ، فيكون على ما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية