الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والحال الثالثة : أن يستبقيها في يده أمانة لصاحبها فذلك له : لأنه لما جاز أن يتملكها على صاحبها فأولى أن يحفظها لصاحبها ، ولا يلزمه تعريفها : لأن ما جاز تملكه سقط تعريفه ولا يلزمه إخبار الحاكم بها ولا الإشهاد عليها ، بل إذا وجد صاحبها سلمها إليه ، ولا ضمان عليه مدة إمساكها لصاحبها لو تلفت أو نقصت : لأن يده يد أمانة كالمعرف . وقال بعض أصحابنا وجها آخر : إنه يضمنها لأن إباحة أخذها مقصور على الأكل الموجب للضمان دون الائتمان ، وهكذا القول فيما حدث من درها ولبنها على المذهب لا يضمنه ، وعلى هذا الوجه يضمنه ، فإن أنفق عليها أكثر من مؤنة علوفتها ، فإن كان ذلك منه مع وجود حمى للمسلمين ترعى فيه فهو متطوع بالنفقة وليس له الرجوع بها ، وإن كان مع عدم الحمى ، فإن كان عن إذن الحاكم رجع بما أنفق ، وإن كان عن غير إذنه ، فإن كان قادرا على استئذانه لم يرجع بها ، وإن لم يقدر على استئذانه ، فإن لم يشهد لم يرجع ، وإن أشهد ففي رجوعه بها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجع للضرورة ، والثاني لا يرجع لئلا يكون حاكم نفسه ، فلو أراد بعد إمساكها أمانة أن يتملكها ففي جوازه وجهان : أحدهما له ذلك كالابتداء ، والثاني ليس له ذلك لاستقرار حكمها ، فأما إن أراد أن يتملك درها ونسلها من غير أن يتملك أصلها ، لم يكن له ذلك وجها واحدا لأنه فرع يتبع أصله ، فلو أرسلها بعد إمساكها أمانة ، لزمه الضمان إلا أن يدفعها إلى حاكم فلا يضمن ، ولو نوى تملكها ثم أراد أن يرفع ملكه عنها لتكون أمانة لصاحبها ، لم يسقط عنه ضمانها ، وفي ارتفاع ملكه عنها وجهان : أحدهما لا يرتفع ملكه : لأن الملك لا يزول إلا بقبول المتملك ، فعلى هذا يكون مالكا لما حدث من درها ولبنها لبقائها على ملكه ، والوجه الثاني : يرتفع ملكه عنها مع بقاء ضمانها ، وذلك أحوط لمالكها ، فوجه ذلك أنه لما جاز أن [ ص: 8 ] يتملكها من غير بذل مالكها ، جاز أن يزول ملكه عنها من غير قبول متملكها ، فعلى هذا يكون الحادث من درها ونسلها ملكا لربها تبعا لأصلها ، وعليه ضمانه كالأصل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية