الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما ولد الزنا فحكمه حكم ولد الملاعنة في نفيه عن الزاني ولحوقه بالأم وعلى ما مضى من الاختلاف هل تصير الأم وعصبتها عصبة له أم لا ؟ غير أن توءم الزانية لا يرث إلا ميراث أخ لأم بإجماع أصحابنا ووفاق مالك ، وإن اختلفوا في توءم الملاعنة ، فإن ادعى الزاني الولد الذي ولدته الزانية منه ، فلو كانت الزانية فراشا لرجل كان الولد في الظاهر لاحقا بمن له الفراش ، ولا يلحق بالزاني لادعائه له : لقوله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش وللعاهر الحجر .

                                                                                                                                            فأما إن كانت الزانية خلية وليست فراشا لأحد يلحقها ولدها ، فمذهب الشافعي أن الولد لا يلحق بالزاني وإن ادعاه ، وقال الحسن البصري : يلحقه الولد إذا ادعاه بعد قيام البينة ، وبه قال ابن سيرين وإسحاق بن راهويه ، وقال إبراهيم النخعي : يلحقه الولد إذا ادعاه بعد الحد ويلحقه إذا ملك الموطوءة وإن لم يدعه ، وقال أبو حنيفة : إن تزوجها قبل وضعها ولو بيوم لحق به الولد ، وإن لم يتزوجها لم يلحق به ، ثم استدلوا جميعا مع اختلاف مذاهبهم بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يليط أولاد البغايا في الجاهلية بآبائهم في الإسلام ، ومعنى يليط ، أي : يلحق .

                                                                                                                                            قالوا : ولأنه لما كان انتفاء الولد عن الواطئ باللعان لا يمنع من لحوقه به بعد الاعتراف ، فكذلك ولد الزنا ، وهذا خطأ فاسد لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر ما شاء الله أن يذكر ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إني عاهرت بأمة في الجاهلية ، فقال - صلى الله عليه وسلم - لا اعتهار في الإسلام ، الولد للفراش وأيما رجل عاهر بأمة لا يملكها أو امرأة لا يملكها ، فادعى الولد فليس بولده ولا يرث ولا يورث ، ولأن ولد الزنا لو لحق بادعاء الزاني إياه للحق به إذا أقر بالزنا ، وإن لم يدعه كولد الموطوءة يشبه في إجماعهم على نفيه عنه مع اعترافه بالزنا دليل على نفيه عنه مع ادعائه له ، ولأنه لو لحق بالاعتراف لوجب عليه الاعتراف ، وقد أجمعوا على أن الاعتراف به لا يلزمه ، فدل على أنه إذا اعترف به لم يلحقه .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الحديث المروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يليط أولاد البغايا في الجاهلية بآبائهم في الإسلام ، فهو أن ذلك منه في عهار البغايا في الجاهلية دون عهار [ ص: 163 ] الإسلام ، والعهار في الجاهلية أخف حكما من العهار في الإسلام ، فصارت الشبهة لاحقة به ومع الشبهة يجوز لحوق الولد ، وخالف حكمه عند انتفاء الشبهة عنه في الإسلام .

                                                                                                                                            وأما ولد الملاعنة مخالف لولد الزنا ، والفرق بينهما أن ولد الملاعنة لما كان لاحقا بالواطئ قبل اللعان جاز أن يصير لاحقا به بعد الاعتراف : لأن الأصل فيه اللحوق والبغاء طارئ وولد الزنا لم يكن لاحقا به في حال فيرجع حكمه بعد الاعتراف إلى تلك الحال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية