فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=13840القول في الرد
وإذ قد مضى الكلام في ذوي الأرحام فالرد ملحق به : لأن الخلاف فيهما واحد ، وكل من قال بتوريث ذوي الأرحام قال بالرد ، وكل من منع من توريث ذوي الأرحام منع من الرد .
nindex.php?page=treesubj&link=13841والرد : هو أن تعجز سهام الفريضة عن استيفاء جميع التركة ، فلا يكون معهم عصبة كالبنت التي فرضها النصف إذا لم يشاركها غيرها ، وقد بقي النصف بعد فرضها فهل يرد عليها أم يكون لبيت المال وليس لها غير فرضها ؟ اختلف الفقهاء : فمذهب
الشافعي أن الباقي من التركة بعد سهام ذوي الفروض يكون لبيت المال ولا يرد على ذوي الفروض إذا كان بيت المال موجودا ، وبه قال
زيد بن ثابت وهو مذهب
مالك وأهل المدينة وداود .
وقال
أبو حنيفة : يرد ما فضل من سهام ذوي الفروض عليهم وهم به أولى من بيت المال ، وبه قال
علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - وأكثر التابعين والفقهاء على خلاف بينهم في مستحقي الرد منهم ، واستدلوا جميعا بوجوب الرد وتقديمهم على بيت المال بما تقدم من عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ الأنفال : 75 ] وبما روي أن
[ ص: 77 ] سالما مولى أبي حذيفة قتل يوم
اليمامة فترك أمه فورثها
عمر - رضي الله عنه - ماله كله ، قالوا : ولأن كل مناسب ورث بعض المال مع غيره جاز أن يرث جميعه إذا انفرد بنفسه كالعصبة ، قالوا : ولأنه لما جاز أن ينفقوا من فروضهم بالعدل عند زيادة الفروض على التركة جاز أن يزادوا بالرد عند عجز الفروض عن التركة .
ودليلنا هو أن الله تعالى لما قسم فروض ذوي الفروض سماه في ثلاث آي من كتابه ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923566قد أعطى الله كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ، فدل على أن من سمى له فرضا فهو قدر حقه ، وذلك يمنع من الزيادة عليه ، ولأن كل من لم يورث مع غيره إلا بالفرض لم يورث مع عدم غيره إلا ذلك الفرض كالزوج والزوجة : لأنه لا يرد عليهما بوفاء ، ولأن كل قدر حجب عنه الشخص مع وجود من هو أبعد منه حجب عنه وإن انفرد به كالمال المستحق بالدين والوصية ، ولأن كل من تجردت رحمه عن تعصيب لم يأخذ بها من تركة حقين : كالأخت للأب والأم لا تأخذ النصف لأنها أخت الأب ، والسدس لأنها أخت الأم ، فأما الجواب عن الآية فقد مضى .
وأما استدلالهم بأن
عمر - رضي الله عنه - أعطى ميراث
سالم إلى أمه فلمصلحة يراها من يتولى مصالح بيت المال كما دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ميراث الخزاعي إلى الكبر من
خزاعة .
وأما قياسهم على العصبة فالمعنى فيهم إنما يستحقونه غير مقدر وليس كذلك ذوو الفروض لأنه مقدر .
وأما قولهم : إنه لما جاز أن ينفقوا بالعدل جاز أن يزادوا بالرد ، فالجواب عنه للزيادة جهة يستحقها وهي بيت المال فلم يجز ردها ، ولما لم يكن للنقص جهة تمام جاز عولها ، ألا ترى أن أهل الدين والوصايا إذا ضاق بهم دخل العول عليهم ولو زاد عنهم لم يجز الرد عليهم ؟
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=13840الْقَوْلُ فِي الرَّدِّ
وَإِذْ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ فَالرَّدُّ مُلْحَقٌ بِهِ : لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ بِالرَّدِّ ، وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَنَعَ مِنَ الرَّدِّ .
nindex.php?page=treesubj&link=13841وَالرَّدُّ : هُوَ أَنْ تَعْجِزَ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ عَنِ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ ، فَلَا يَكُونُ مَعَهُمْ عَصَبَةٌ كَالْبِنْتِ الَّتِي فَرْضُهَا النِّصْفُ إِذَا لَمْ يُشَارِكْهَا غَيْرُهَا ، وَقَدْ بَقِيَ النِّصْفُ بَعْدَ فَرْضِهَا فَهَلْ يُرَدُّ عَلَيْهَا أَمْ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ فَرْضِهَا ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ : فَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مَوْجُودًا ، وَبِهِ قَالَ
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَدَاوُدَ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يُرَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بِهِ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَبِهِ قَالَ
عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي مُسْتَحِقِّي الرَّدِّ مِنْهُمْ ، وَاسْتَدَلُّوا جَمِيعًا بِوُجُوبِ الرَّدِّ وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [ الْأَنْفَالِ : 75 ] وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ
[ ص: 77 ] سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ فَتَرَكَ أُمَّهُ فَوَرَّثَهَا
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَالَهُ كُلَّهُ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ كُلَّ مُنَاسِبٍ وَرِثَ بَعْضَ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَرِثَ جَمِيعَهُ إِذَا انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ كَالْعَصَبَةِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُنْفِقُوا مِنْ فُرُوضِهِمْ بِالْعَدْلِ عِنْدَ زِيَادَةِ الْفُرُوضِ عَلَى التَّرِكَةِ جَازَ أَنْ يُزَادُوا بِالرَّدِّ عِنْدَ عَجْزِ الْفُرُوضِ عَنِ التَّرِكَةِ .
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَسَّمَ فُرُوضَ ذَوِي الْفُرُوضِ سَمَّاهُ فِي ثَلَاثِ آيٍ مِنْ كِتَابِهِ ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923566قَدْ أَعْطَى اللَّهُ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ سَمَّى لَهُ فَرْضًا فَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُوَرَّثْ مَعَ غَيْرِهِ إِلَّا بِالْفَرْضِ لَمْ يُوَرَّثْ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ إِلَّا ذَلِكَ الْفَرْضَ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ : لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِوَفَاءٍ ، وَلِأَنَّ كُلَّ قَدْرٍ حُجِبَ عَنْهُ الشَّخْصُ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ حُجِبَ عَنْهُ وَإِنِ انْفَرَدَ بِهِ كَالْمَالِ الْمُسْتَحَقِّ بِالدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَجَرَّدَتْ رَحِمُهُ عَنْ تَعْصِيبٍ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا مِنْ تَرِكَةٍ حَقَّيْنِ : كَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا تَأْخُذُ النِّصْفَ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْأَبِ ، وَالسُّدُسُ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْأُمِّ ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَقَدْ مَضَى .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْطَى مِيرَاثَ
سَالِمٍ إِلَى أُمِّهِ فَلِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا مَنْ يَتَوَلَّى مَصَالِحَ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا دَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَ الْخُزَاعِيِّ إِلَى الْكِبَرِ مِنْ
خُزَاعَةَ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَصَبَةِ فَالْمَعْنَى فِيهِمْ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ذَوُو الْفُرُوضِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُنْفِقُوا بِالْعَدْلِ جَازَ أَنْ يُزَادُوا بِالرَّدِّ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ لِلزِّيَادَةِ جِهَةٌ يَسْتَحِقُّهَا وَهِيَ بَيْتُ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ رَدُّهَا ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّقْصِ جِهَةَ تَمَامٍ جَازَ عَوْلُهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا إِذَا ضَاقَ بِهِمْ دَخَلَ الْعَوْلُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ زَادَ عَنْهُمْ لَمْ يَجُزِ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ ؟