الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما أبو حنيفة فاستدل على أن القاتل إذا كان صبيا أو مجنونا ورث ، وهكذا من قتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه فاقتضى عموم ذلك رفع الأحكام عنه .

                                                                                                                                            [ ص: 86 ] قال : ولأن كل عقوبة تعلقت بالقتل سقطت عن الصبي والمجنون كالقود ، ودليلنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس لقاتل شيء .

                                                                                                                                            ولأن موانع الإرث يستوي فيها الصغير والكبير والمجنون والعاقل كالكفر والرق ، ولأنه قتل مضمون وجب أن يمنع الإرث كالبالغ العاقل ، ولأن كل فعل لو صدر عن الكبير قطع التوارث ، فإذا صدر عن الصغير وجب أن يقطع التوارث .

                                                                                                                                            أصله فسخ النكاح ، ولأن منع القاتل من الإرث لا يخلو أن يكون بمكان الإرث ، فهو ما يقوله من صنع الإرث لكل من انطلق عليه الاسم أو يكون لأجل التهمة ، فقد يخفى ذلك من الخاطئ والمجنون والصبي لاحتمال قصدهم ولظاهرهم بما ينفي التهمة عنهم ، فلما خفي ذلك منهم صار التحريم عاما كالخمر التي حرمت ، ولأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، فحسم الله تعالى الباب في تحريم قليلها وكثيرها ، وإن كان قليلا لا يصد لاشتباه الأمر بما يصد .

                                                                                                                                            فأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : رفع القلم عن ثلاث فإنما أراد به رفع المأثم ، وليس رفع الإرث متعلقا برفع المأثم ، كالخاطئ والنائم لا مأثم عليهما ، ولو انقلب نائم على مورثه فقتله لم يرثه بوفاق من أبي حنيفة ، وهكذا الجواب عن قولهم : إن منع الإرث عقوبة ، فأشبه القود : لأن الخاطئ لا عقوبة عليه وكذلك المسلم يمنع من ميراث المسلم وإن لم يستحق العقوبة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية