فصل : وإن كان  الطلاق في المرض   ، فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يكون غير مخوف فحكمه حكم الطلاق في الصحة على ما مضى .  
والضرب الثاني : أن يكون مخوفا ، فعلى ضربين :  
أحدهما : أن يتعقبه صحة ، فيكون حكمه حكم الطلاق في الصحة ، وبه قال  أبو حنيفة   ومالك      .  
وقال  زفر بن الهذيل      : هو طلاق في المرض يرث فيه ، وهذا خطأ : لأن ما يتعقبه الصحة فليس بمخوف ، وإنما ظن به الخوف .  
والضرب الثاني : ألا يتعقبه الصحة ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون الموت حادثا عن طريق غيره كمريض غرق ، أو أحرق ، أو سقط عليه حائط ، أو افترسه سبع ، فهذا حكم الطلاق فيه كحكم الطلاق في الصحة ، وبه قال  أبو حنيفة   ، وقال  مالك      : هو طلاق في المرض يرث فيه ، وهذا خطأ : لأن حدوث الموت من غيره يرفع حكمه .  
والضرب الثاني : أن يكون حدوث الموت منه فهو الطلاق في المرض ، فإن كان  الطلاق رجعيا   توارثا في العدة ، سواء مات الزوج أو الزوجة ، وإن كان  الطلاق بائنا   ، فإن ماتت الزوجة لم يرثها إجماعا ، وإن مات الزوج فقد اختلف الفقهاء في ميراثها على مذاهب شتى حكى  الشافعي   منها أربعة مذاهب جعلها أصحابنا أربعة أقاويل له ، قولان منها نصا ، وقولان منها تخريجا .  
أحدهما : لا ميراث لها منه كما لا ميراث له منها ، وبه قال من الصحابة  علي بن أبي طالب   وعبد الرحمن بن عوف   وابن الزبير      - رضي الله عنهم - ومن التابعين  ابن أبي مليكة   ، ومن الفقهاء  المزني   وداود   ، ونص عليه  الشافعي   في الجديد .  
والمذهب الثاني : أن لها الميراث ما لم تنقض عدتها ، فإن انقضت فلا ميراث لها ، وبه قال من الصحابة  عمر   وعثمان      - رضوان الله عليهما - ومن التابعين  عروة   وشريح   ، ومن الفقهاء  أبو حنيفة   وصاحباه  وسفيان الثوري   وهو القول الثاني  للشافعي   قاله نصا .  
 [ ص: 150 ] والمذهب الثالث : أن لها الميراث ما لم تتزوج ، وإن انقضت عدتها ، فإن تزوجت فلا ميراث لها ، وبه قال من الصحابة  أبي بن كعب      - رضي الله عنه - ومن التابعين  عطاء   ، ومن الفقهاء  ابن أبي ليلى   وجعله أصحابنا قولا ثالثا  للشافعي   تخريجا .  
والمذهب الرابع : أن لها الميراث أبدا ، وإن تزوجت وهو قول  مالك   وكثير من فقهاء  المدينة   ، وجعله أصحابنا قولا رابعا  للشافعي   تخريجا ، فإذا قيل : لا ترث فدليله ما رواه بعض أصحابنا  البغداديون   عن  الشافعي   في بعض أماليه في كتاب الرجعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  لا ترث مبتوتة  ، وهذا الحديث إن كان ثابتا سقط به الخلاف ، ولأنها فرقة تمنع من الميراث في حالة الصحة ، فوجب أن تمنع من الميراث في حال المرض كاللعان ، ولأن كل طلاق يمنع من ميراث الزوج منع من ميراث الزوجة كالطلاق في الصحة ، ولأن استحقاق الميراث فرع على ثبوت العقد ، فلما ارتفع العقد بطلاق المريض كان سقوط الميراث أولى ، وإذا قيل : ترث ، فدليله ما  روي أن  عبد الرحمن بن عوف   طلق زوجته  تماضر بنت الأصبغ الكلابية  في مرضه ثلاثا ، قال  أبو سلمة بن عبد الرحمن      : ثم مات بعد تسعة أشهر فورثها  عثمان بن عفان      .  
وروى  إبراهيم التميمي   أن  عبد الله بن مكمل   طلق امرأته ، وكان به الفالج فمات بعد سنة ، فورثها  عثمان بن عفان      - رضي الله عنه     - وهاتان القضيتان من  عثمان   عن ارتياء واستشارة الصحابة لا سيما زوجة  عبد الرحمن   مع إشهار أمرها ومناظرة الصحابة فيها ، فإن قيل : فقد روى  ابن أبي مليكة   عن  عبد الله بن الزبير   أنه قال : أما أنا فلا أرى أن تورث مبتوتة ، قلنا : ما ادعينا في المسألة إجماعا فيرتفع ، بخلاف  ابن الزبير   ، وإنما قلنا : هو قول الأكثرين ، ولأنه لما كان المريض ممنوعا من التصرف فيما زاد على الثلث لما فيه من إضرار الوارث ، فكان أولى أن يكون ممنوعا من إسقاط الوارث ، ولأن  التهمة في الميراث   تهمتان : تهمة في استحقاقه ، وتهمة في إسقاطه ، فلما كانت التهمة في استحقاقه وهي تهمة القاتل رافعة لاستحقاقه الميراث وجب أن تكون التهمة في إسقاطه بالطلاق رافعة لإسقاط الميراث .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					