[ ص: 185 ] كتاب الوصايا
إن الله تعالى قدر لخلقه آجالا وبسط لهم فيها آمالا ، ثم أخفى عليهم حلول آجالهم وحذرهم غرور آمالهم ، فحقيق
nindex.php?page=treesubj&link=24223على الإنسان أن يكون مباهيا للوصية حذرا من حلول المنية . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 180 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=181فمن بدله بعدما سمعه [ البقرة : 181 ] . إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182غفور رحيم [ البقرة : 182 ] .
أما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم فيعني : فرض عليكم . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إذا حضر أحدكم الموت ، يعني : أسباب الموت . " إن ترك خيرا " يعني : مالا . قال
مجاهد : الخير في القرآن كله المال :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وإنه لحب الخير لشديد [ العاديات : 8 ] المال
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي [ ص : 32 ] المال .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا [ النور : 33 ] المال .
وقال
شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84إني أراكم بخير [ هود : 184 ] ، يعني : الغنى . وقال
الشافعي : الخير كلمة تعرف ما أريد بها المخاطبة .
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7أولئك هم خير البرية [ البينة : 7 ] . فقلنا : إنهم خير البرية بالإيمان والأعمال الصالحة لا بالمال . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7أولئك هم خير فقلنا إن الخير المنفعة بالأجر وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] . فقلنا : إنه إن ترك مالا : لأن المال هو المتروك ، ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف وفي الأقربين في هذا الموضع ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الأولاد الذين لا يسقطون في الميراث ، دون غيرهم من الأقارب الذين يسقطون .
والثاني : أنهم الورثة من الأقارب كلهم .
والثالث : أنهم كل الأقارب من وارث وغير وارث ، فدل ذلك على وجوب الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف .
واختلفوا في ثبوت
nindex.php?page=treesubj&link=14250حكمها فقال بعضهم : كان حكمها ثابتا في الوصية للوالدين والأقربين حقا واجبا ، وفرضا لازما ، فلما نزلت آية المواريث نسخ منها الوصية للوالدين وكل
[ ص: 186 ] وارث ، وبقي فرض الوصية لغير الورثة في الأقربين على حاله وهو قول
طاوس وقتادة والحسن البصري وجابر بن زيد .
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=33607وصى بثلثه لغير قرابته فقد اختلفوا ، فقال
طاوس : يرد الثلث كله على قرابته ، وقال
قتادة : يرد ثلث الثلث على قرابته وثلثا الثلث لمن أوصى له به .
وقال
جابر بن زيد : رد ثلثا الثلث على قرابته وثلث الثلث لمن أوصى به .
واختلفوا في قدر
nindex.php?page=treesubj&link=14290المال الذي يجب عليه أن يوصي منه على أقاويل :
أحدها : أنه ألف درهم ، وتأولوا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا [ البقرة : 183 ] ألف درهم ، وهذا قول
علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
والثاني : خمسمائة ، وهذا قول
النخعي .
والثالث : يجب في قليل المال وكثيره وهو قول
الزهري ، فهذا قول من جعل حكم الآية ثابتا . وذهب الفقهاء وجمهور أهل التفسير إلى أنها منسوخة بالمواريث . واختلفوا بأية آي نسخت ، فقال
عبد الله بن عباس : نسخت بآية الوصايا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون [ النساء : 7 ] وقال آخرون : نسخت بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [ الأنفال : 75 ] . وسنذكر دليل من أثبتها ومن نسخها فيما بعد .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه [ البقرة : 182 ] وأصل الجنف في كلام العرب : الجور والعدول عن الحق . ومنه قول الشاعر :
هم المولى وقد جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور
وفي تأويل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182جنفا أو إثما ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الجنف : الميل والإثم : أن يأثم في إثرة بعضهم على بعض ، وهذا قول
عطاء وابن دريد .
والثاني : أن الجنف : الخطأ ، والإثم : العمد .
والثالث : أن الرجل يوصي لولد بنيه وهو يرد بنيه ، وهذا قول
طاوس .
واختلفوا في تأويل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فأصلح بينهم فلا إثم عليه [ البقرة : 182 ] على أربعة أوجه :
أحدها : أن تأويلها : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=26711حضر مريضا وهو يوصي عند إشرافه على الموت ، فخاف أن يخطئ في وصيته ، فيفعل ما ليس له أو يعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له ، فلا حرج
[ ص: 187 ] على من حضره ، فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته ، بأن يأمره بالعدل في وصيته ، وهذا قول مجاهد .
والثاني : أن تأويلها : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=26711خاف من أوصياء الميت جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت ، فأصلح بين ورثته وبين الموصى لهم فيما أوصى لهم به ، فيرد الوصية إلى العدل والحق ، فلا إثم عليه ، هذا قول
ابن عباس وقتادة .
والثالث : أن تأويلها : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=26711خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته لورثته عند حضور أجله ، فأعطى بعضهم دون بعض ، فلا إثم على من أصلح بين الورثة في ذلك ، وهذا قول
عطاء .
والرابع : أن تأويلها : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=26711خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لمن لا يرثه لم يرجع نفعه على من يرثه فأصلح بين ورثته فلا إثم عليه ، وهذا قول
طاوس .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله [ النساء : 12 ] ، فلا ضرار في الوصية أن يوصي بأكثر من الثلث ، والإضرار في الدين أن يبيع بأقل من ثمن المثل ويشتري بأكثر منه .
وقد روى
عكرمة عن
ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
الإضرار في الوصية من الكبائر .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب [ البقرة : 132 ] الآية .
وروى
الشافعي عن
مالك عن
نافع عن
ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923635ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين ، إلا ووصيته عند رأسه مكتوبة .
وروى
شهر بن حوشب عن
أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923636إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة سبعين سنة ، ثم يوصي فيجنف في وصيته فيختم له بشر عمله ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار سبعين سنة ، ثم يوصي فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
أعجز الموصي أن يوصي كما أمره الله .
وروى
أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل المدينة سأل عن البراء بن معرور فقالوا : [ ص: 188 ] هلك وأوصى لك بثلث ماله ، فقبله ورده على ورثته . وقيل إنه كان
nindex.php?page=treesubj&link=14287أول من أوصى بالثلث ،
nindex.php?page=treesubj&link=2204وأول من وصى بأن يدفن إلى القبلة ، ثم صارا جميعا سنة متبوعة .
والوصية على ثلاثة أقسام : قسم لا يجوز ، وقسم يجوز ولا يجب ، وقسم مختلف في وجوبها .
فأما الذي لا يجوز :
nindex.php?page=treesubj&link=14273فالوصية للوارث .
وروى
شرحبيل بن مسلم قال : سمعت أبا أمامة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923566إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث .
وأما التي تجوز ولا تجب
nindex.php?page=treesubj&link=33607فالوصية للأجانب ، وهذا مجمع عليه ، فقد
أوصى البراء بن معرور للنبي - صلى الله عليه وسلم - بثلث ماله فقبله ، ثم رده على ورثته .
وأما التي اختلف فيها :
nindex.php?page=treesubj&link=33606فالوصية للأقارب .
ذهب
أهل الظاهر مع من قدمنا ذكره في تفسير الآية إلى وجوبها للأقارب ، تعلقا بظاهر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 180 ] وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من مات من غير وصية ، مات ميتة جاهلية .
وبقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923641ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة .
والدليل على أنها غير واجبة للأقارب والأجانب ، ما روى
ابن عباس وعائشة وابن أبي ليلى - رضي الله عنهم - :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوص . وروى
الشافعي عن
سفيان عن
الزهري عن
عامر بن سعد عن أبيه
سعد بن أبي وقاص قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923643مرضت عام الفتح مرضا أشرفت منه على الموت ، فأتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني ، فقلت يا رسول الله : إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثني إلا ابني ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا ، قلت : فبالشطر . قال : لا ، قلت : فالثلث ؟ قال : الثلث . والثلث كثير ، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خيرا من أن تدعهم عالة يتكففون الناس
فاقتصر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوصية على ما جعله خارجا مخرج الجواز لا مخرج الإيجاب ، ثم بين أن غنى الورثة بعده أولى من فقرهم .
[ ص: 189 ] وروى
أبو زرعة عن
أبي هريرة قال : قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923644يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل ؟ قال : أن تتصدق وأنت صحيح حريص ، تأمل الغنى وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان
فلما جعل الصدقة في حال الصحة أفضل منها عند الموت ، ثم لم تكن في حال الصحة واجبة فأولى ألا تكون عند الموت واجبة .
وروى
ابن أبي ذؤيب عن
شرحبيل عن
أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923645لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق بمائة عند موته ، ولأن الوصية لو وجبت لا جبر عليها ، ولأخذت من ماله إن امتنع منها كالديون والزكوات ، ولأن الوصايا عطايا فأشبهت الهبات .
فأما الآية فمنع الوالدين من الوصية مع تقديم ذكرها فيها دليل على نسخها .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - :
من مات من غير وصية مات ميتة جاهلية فمحمول على أحد أمرين .
وأما على من كانت عليه ديون حقوق لا يوصل إلى أربابها إلا بالوصية ، فتصير الوصية ذكرها وأداؤها واجبة .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923646ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده فهذا خارج منه مخرج الاحتياط ، ومعناه : ما الحزم لامرئ . على أن
نافعا قال
لابن عمر بعد أن روى هذا الحديث حين حضره الموت : هلا أوصيت ؟ قال : أما مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه في حياتي ، وأما رباعي ودوري فما أحب أن يشارك ولدي فيها أحد . فلو علم وجوب الوصية لما رواه ولما تركها .
[ ص: 185 ] كِتَابُ الْوَصَايَا
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لِخَلْقِهِ آجَالًا وَبَسَطَ لَهُمْ فِيهَا آمَالًا ، ثُمَّ أَخْفَى عَلَيْهِمْ حُلُولَ آجَالِهِمْ وَحَذَّرَهُمْ غُرُورَ آمَالِهِمْ ، فَحَقِيقٌ
nindex.php?page=treesubj&link=24223عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مُبَاهِيًا لِلْوَصِيَّةِ حَذِرًا مِنْ حُلُولِ الْمَنِيَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ الْبَقَرَةِ : 180 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=181فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ [ الْبَقَرَةِ : 181 ] . إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : 182 ] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ فَيَعْنِي : فُرِضَ عَلَيْكُمْ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، يَعْنِي : أَسْبَابَ الْمَوْتِ . " إِنْ تَرَكَ خَيْرًا " يَعْنِي : مَالًا . قَالَ
مُجَاهِدٌ : الْخَيْرُ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ الْمَالُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [ الْعَادِيَاتِ : 8 ] الْمَالُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي [ ص : 32 ] الْمَالُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [ النُّورِ : 33 ] الْمَالُ .
وَقَالَ
شُعَيْبٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=84إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ [ هُودٍ : 184 ] ، يَعْنِي : الْغِنَى . وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ : الْخَيْرُ كَلِمَةٌ تُعْرَفُ مَا أُرِيدَ بِهَا الْمُخَاطَبَةُ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [ الْبَيِّنَةِ : 7 ] . فَقُلْنَا : إِنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَا بِالْمَالِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ فَقُلْنَا إِنَّ الْخَيْرَ الْمَنْفَعَةُ بِالْأَجْرِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [ الْبَقَرَةِ : 180 ] . فَقُلْنَا : إِنَّهُ إِنْ تَرَكَ مَالًا : لِأَنَّ الْمَالَ هُوَ الْمَتْرُوكُ ، ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي الْأَقْرَبِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُمُ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ لَا يَسْقُطُونَ فِي الْمِيرَاثِ ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَسْقُطُونَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمُ الْوَرَثَةُ مِنَ الْأَقَارِبِ كُلِّهِمْ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُمْ كُلُّ الْأَقَارِبِ مِنْ وَارِثٍ وَغَيْرِ وَارِثٍ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ
nindex.php?page=treesubj&link=14250حُكْمِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَانَ حُكْمُهَا ثَابِتًا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ حَقًّا وَاجِبًا ، وَفَرْضًا لَازِمًا ، فَلِمَا نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ نُسِخَ مِنْهَا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَكُلُّ
[ ص: 186 ] وَارِثٍ ، وَبَقِيَ فَرْضُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ فِي الْأَقْرَبِينَ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ
طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ .
فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33607وَصَّى بِثُلُثِهِ لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ
طَاوُسٌ : يَرُدُّ الثُّلُثَ كُلَّهُ عَلَى قَرَابَتِهِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : يَرُدُّ ثُلُثَ الثُّلُثِ عَلَى قَرَابَتِهِ وَثُلُثَا الثُّلُثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ .
وَقَالَ
جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : رَدَّ ثُلُثَا الثُّلُثِ عَلَى قَرَابَتِهِ وَثُلُثَ الثُّلُثِ لِمَنْ أَوْصَى بِهِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=14290الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ مِنْهُ عَلَى أَقَاوِيلَ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [ الْبَقَرَةِ : 183 ] أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَالثَّانِي : خَمْسُمِائَةٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
النَّخَعِيِّ .
وَالثَّالِثُ : يَجِبُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ وَهُوَ قَوْلُ
الزُّهْرِيِّ ، فَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ حُكْمَ الْآيَةِ ثَابِتًا . وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْمَوَارِيثِ . وَاخْتَلَفُوا بِأَيَّةِ آيٍ نُسِخَتْ ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : نُسِخَتْ بِآيَةِ الْوَصَايَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ [ النِّسَاءِ : 7 ] وَقَالَ آخَرُونَ : نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=75وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [ الْأَنْفَالِ : 75 ] . وَسَنَذْكُرُ دَلِيلَ مَنْ أَثْبَتَهَا وَمَنْ نَسَخَهَا فِيمَا بَعْدُ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [ الْبَقَرَةِ : 182 ] وَأَصْلُ الْجَنَفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْجَوْرُ وَالْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ . وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
هُمُ الْمَوْلَى وَقَدْ جَنَفُوا عَلَيْنَا وَإِنَّا مِنْ لِقَائِهِمُ لَزُورُ
وَفِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182جَنَفًا أَوْ إِثْمًا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْجَنَفَ : الْمَيْلُ وَالْإِثْمُ : أَنْ يَأْثَمَ فِي إِثْرَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
عَطَاءٍ وَابْنِ دُرَيْدٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْجَنَفَ : الْخَطَأُ ، وَالْإِثْمَ : الْعَمْدُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الرَّجُلَ يُوصِي لِوَلَدِ بَنِيهِ وَهُوَ يَرُدُّ بَنِيهِ ، وَهَذَا قَوْلُ
طَاوُسٍ .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=182فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [ الْبَقَرَةِ : 182 ] عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ تَأْوِيلَهَا : فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26711حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي عِنْدَ إِشْرَافِهِ عَلَى الْمَوْتِ ، فَخَافَ أَنْ يُخْطِئَ فِي وَصِيَّتِهِ ، فَيَفْعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ يَعْمِدَ جَوْرًا فِيهَا فَيَأْمُرَ بِمَا لَيْسَ لَهُ ، فَلَا حَرَجَ
[ ص: 187 ] عَلَى مَنْ حَضَرَهُ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ ، بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ فِي وَصِيَّتِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ تَأْوِيلَهَا : فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26711خَافَ مِنْ أَوْصِيَاءِ الْمَيِّتِ جَنَفًا فِي وَصِيَّتِهِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا أَوْصَى لَهُمْ بِهِ ، فَيَرُدُّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، هَذَا قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ تَأْوِيلَهَا : فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26711خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي عَطِيَّتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ ، فَأَعْطَى بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ ، فَلَا إِثْمَ عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا قَوْلُ
عَطَاءٍ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّ تَأْوِيلَهَا : فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26711خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي وَصِيَّتِهِ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ لَمْ يَرْجِعْ نَفْعُهُ عَلَى مَنْ يَرِثُهُ فَأَصْلَحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ
طَاوُسٍ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [ النِّسَاءِ : 12 ] ، فَلَا ضِرَارَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرِ مِنَ الثُّلُثِ ، وَالْإِضْرَارُ فِي الدَّيْنِ أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَيَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ .
وَقَدْ رَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [ الْبَقَرَةِ : 132 ] الْآيَةَ .
وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923635مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ مَكْتُوبَةٌ .
وَرَوَى
شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923636إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ يُوصِي فَيَجْنَفُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ سَبْعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ يُوصِي فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
أَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ .
وَرَوَى
أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالُوا : [ ص: 188 ] هَلَكَ وَأَوْصَى لَكَ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَقَبِلَهُ وَرَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ . وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=14287أَوَّلَ مَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=2204وَأَوَّلَ مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُدْفَنَ إِلَى الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ صَارَا جَمِيعًا سُنَّةً مَتْبُوعَةً .
وَالْوَصِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ لَا يَجُوزُ ، وَقِسْمٌ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا .
فَأَمَّا الَّذِي لَا يَجُوزُ :
nindex.php?page=treesubj&link=14273فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ .
وَرَوَى
شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923566إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ .
وَأَمَّا الَّتِي تَجُوزُ وَلَا تَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=33607فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَجَانِبِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ
أَوْصَى الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَبِلَهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ .
وَأَمَّا الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=33606فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقَارِبِ .
ذَهَبَ
أَهْلُ الظَّاهِرِ مَعَ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إِلَى وُجُوبِهَا لِلْأَقَارِبِ ، تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ الْبَقَرَةِ : 180 ] وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً .
وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923641مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ ، مَا رَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - :
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوصِ . وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ عَنْ
سُفْيَانَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ
عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923643مَرِضْتُ عَامَ الْفَتْحِ مَرَضًا أَشْرَفْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا ، وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنِي ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَبِالشَّطْرِ . قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَالثُّلُثُ ؟ قَالَ : الثُّلُثُ . وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ، إِنَّكَ إِنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرًا مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ
فَاقْتَصَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا جَعَلَهُ خَارِجًا مَخْرَجَ الْجَوَازِ لَا مَخْرَجَ الْإِيجَابِ ، ثُمَّ بَيْنَ أَنَّ غِنَى الْوَرَثَةِ بَعْدَهُ أَوْلَى مِنْ فَقْرِهِمْ .
[ ص: 189 ] وَرَوَى
أَبُو زُرْعَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923644يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ ، تَأْمَلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ ، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ
فَلَمَّا جَعَلَ الصَّدَقَةَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ الْمَوْتِ ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَاجِبَةً فَأَوْلَى أَلَّا تَكُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَاجِبَةً .
وَرَوَى
ابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ عَنْ
شُرَحْبِيلَ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923645لِأَنْ يَتَصَدَّقَ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَوْ وَجَبَتْ لَا جَبْرَ عَلَيْهَا ، وَلَأُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ إِنِ امْتَنَعَ مِنْهَا كَالدُّيُونِ وَالزَّكَوَاتِ ، وَلِأَنَّ الْوَصَايَا عَطَايَا فَأَشْبَهَتِ الْهِبَاتِ .
فَأَمَّا الْآيَةُ فَمَنْعُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْوَصِيَّةِ مَعَ تَقْدِيمِ ذِكْرِهَا فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً فَمَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ .
وَأَمَّا عَلَى مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونُ حُقُوقٍ لَا يُوصَلُ إِلَى أَرْبَابِهَا إِلَّا بِالْوَصِيَّةِ ، فَتَصِيرُ الْوَصِيَّةُ ذِكْرُهَا وَأَدَاؤُهَا وَاجِبَةً .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923646مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ فَهَذَا خَارِجٌ مِنْهُ مَخْرَجَ الِاحْتِيَاطِ ، وَمَعْنَاهُ : مَا الْحَزْمُ لِامْرِئٍ . عَلَى أَنَّ
نَافِعًا قَالَ
لِابْنِ عُمَرَ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ : هَلَّا أَوْصَيْتَ ؟ قَالَ : أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَفْعَلُ فِيهِ فِي حَيَاتِي ، وَأَمَّا رِبَاعِي وَدُورِي فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُشَارِكَ وَلَدِي فِيهَا أَحَدٌ . فَلَوْ عَلِمَ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ لَمَا رَوَاهُ وَلَمَا تَرَكَهَا .