مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ويجوز
nindex.php?page=treesubj&link=10960نكاح المريض " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا تزوج امرأة صح نكاحها ولها الميراث والصداق ، إن لم يزد على صداق مثلها .
فإن زاد ، ردت الزيادة إن كانت وارثة وأمضيت في الثلث إن كانت غير وارثة .
وهكذا
nindex.php?page=treesubj&link=10960المريضة إذا نكحت رجلا صحيحا صح نكاحها وورثها الزوج وعليه صداقها ، إن كان مهر المثل فيما زاد .
فإن نكحته بأقل من صداق مثلها بالمحاباة فالنقصان وصية له فترد إن كان وارثا ، وتمضي في الثلث إن كان الزوج غير وارث .
وقال
مالك : نكاح المريض فاسد لا يستحق به ميراثا ولا يجب فيه صداق إلا أن يكون قد أصابها فيلزمه مهر المثل من الثلث مقدما على الوصايا .
وكذلك نكاح المريضة فاسد ولا ميراث للزوج .
وقال
الزهري : النكاح في المرض جائز ولا ميراث . وقال
الحسن البصري : إن ظهر منه الإضرار في تزويجه لم يجز ، وإن لم يظهر منه الإضرار وظهر منه الحاجة إليه في خدمة أو غيرها جاز .
ودليل من منع منه شيئان :
أحدهما : وجود التهمة بإدخالهم الضرر على الورثة ، فصار كالمتلف لماله في مرضه .
والثاني : مزاحمتهم لميراثها ودفعهم على ما ترثه ولدان صار لها ، فصار كالمانع للورثة من الميراث .
ودليلنا عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] ولم يفرق بين صحيح ومريض ، وروي عن
معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال في مرضه : " زوجوني لئلا ألقى الله عزبا " .
وروي عن
ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام ما أحببت إلا أن تكون لي زوجة " .
وروى
هشام بن عروة عن أبيه أن
الزبير - رضي الله عنه - دخل على
قدامة يعوده فبصر
[ ص: 280 ] عنده بجارية ، فقال
قدامة : زوجني بها ، فقال : ما تصنع بها وأنت على هذه الحالة ؟ فقال : إن أنا عشت فبنت
الزبير ، وإن مت فهم أحق من يرثني .
ولأن كل من لم يمنع من التسري بالإماء لم يمنع من نكاح الحرائر كالصحيح .
ولأنه فراش لا يمنع منه الصحيح ، فوجب ألا يمنع منه المريض كالاستمتاع بالإماء ، ولأنه عقد فلم يمنع منه المرض كالبيع والشراء ، ولأنه لا يخلو عقده من أن يكون لحاجة ، أو لشهوة ، فإن كان لحاجة لم يجز منعه ، وإن كان لشهوة فهي مباحة له كما أبيح له أن يلتزم بما شاء من أكل أو لبس .
فأما الجواب عن استدلالهم بالتهمة ودخول الضرر فهو أن التهمة تبعد عمن هو في مرض موته ؛ لأنه في الأغلب يقصد وجه الله - عز وجل - ، والضرر لا يمنع من جواز العقود كالبيع ، ولأنه إن كان ضررا لورثته فهو منفعة لنفسه وهو أحق بمنفعة نفسه من منفعة ورثته .
فأما الجواب عن استدلالهم بأن فيه مزاحمة لبعض الورثة " ودفعا " لبعضهم فهو أن ما لم تمنع الصحة منه لم يمنع المرض منه كالإقرار بوارث وكالاستيلاء للأمة .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَيَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=10960نِكَاحُ الْمَرِيضِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً صَحَّ نِكَاحُهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ ، إِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا .
فَإِنْ زَادَ ، رُدَّتِ الزِّيَادَةُ إِنْ كَانَتْ وَارِثَةً وَأُمْضِيَتْ فِي الثُّلُثِ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ وَارِثَةٍ .
وَهَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10960الْمَرِيضَةُ إِذَا نَكَحَتْ رَجُلًا صَحِيحًا صَحَّ نِكَاحُهَا وَوَرِثَهَا الزَّوْجُ وَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا ، إِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا زَادَ .
فَإِنْ نَكَحَتْهُ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا بِالْمُحَابَاةِ فَالنُّقْصَانُ وَصِيَّةٌ لَهُ فَتُرَدُّ إِنْ كَانَ وَارِثًا ، وَتَمْضِي فِي الثُّلُثِ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ وَارِثٍ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : نِكَاحُ الْمَرِيضِ فَاسِدٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِيرَاثًا وَلَا يَجِبُ فِيهِ صَدَاقٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَهَا فَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ مِنَ الثُّلُثِ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصَايَا .
وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمَرِيضَةِ فَاسِدٌ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ .
وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ : النِّكَاحُ فِي الْمَرَضِ جَائِزٌ وَلَا مِيرَاثَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنْ ظَهَرَ مِنْهُ الْإِضْرَارُ فِي تَزْوِيجِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الْإِضْرَارُ وَظَهَرَ مِنْهُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِي خِدْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ .
وَدَلِيلُ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ شَيْئَانِ :
أَحَدُهُمَا : وُجُودُ التُّهْمَةِ بِإِدْخَالِهِمُ الضَّرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ ، فَصَارَ كَالْمُتْلِفِ لِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ .
وَالثَّانِي : مُزَاحَمَتُهُمْ لِمِيرَاثِهَا وَدَفْعُهُمْ عَلَى مَا تَرِثُهُ وِلْدَانٌ صَارَ لَهَا ، فَصَارَ كَالْمَانِعِ لِلْوَرَثَةِ مِنَ الْمِيرَاثِ .
وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [ النِّسَاءِ : 3 ] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَحِيحٍ وَمَرِيضٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ : " زَوِّجُونِي لِئَلَّا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا " .
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : " لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إِلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مَا أَحْبَبْتُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لِي زَوْجَةٌ " .
وَرَوَى
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ عَلَى
قُدَامَةَ يَعُودُهُ فَبَصُرَ
[ ص: 280 ] عِنْدَهُ بِجَارِيَةٍ ، فَقَالَ
قُدَامَةُ : زَوِّجْنِي بِهَا ، فَقَالَ : مَا تَصْنَعُ بِهَا وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ؟ فَقَالَ : إِنْ أَنَا عِشْتُ فَبِنْتُ
الزُّبَيْرِ ، وَإِنْ مِتُّ فَهُمْ أَحَقُّ مَنْ يَرِثُنِي .
وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ التَّسَرِّي بِالْإِمَاءِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ كَالصَّحِيحِ .
وَلِأَنَّهُ فِرَاشٌ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الصَّحِيحُ ، فَوَجَبَ أَلَّا يُمْنَعَ مِنْهُ الْمَرِيضُ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالْإِمَاءِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْمَرَضُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَقْدُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ ، أَوْ لِشَهْوَةٍ ، فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ لِشَهْوَةٍ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَهُ كَمَا أُبِيحُ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ لُبْسٍ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالتُّهْمَةِ وَدُخُولِ الضَّرَرِ فَهُوَ أَنَّ التُّهْمَةَ تَبْعُدُ عَمَّنْ هُوَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ يَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَالضَّرَرُ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَ ضَرَرًا لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ مَنْفَعَةٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ مَنْفَعَةِ وَرَثَتِهِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ فِيهِ مُزَاحَمَةً لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ " وَدَفْعًا " لِبَعْضِهِمْ فَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ تَمْنَعِ الصِّحَّةُ مِنْهُ لَمْ يَمْنَعِ الْمَرَضُ مِنْهُ كَالْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ وَكَالِاسْتِيلَاءِ لِلْأَمَةِ .