فصل : وأما فهذا الكتاب مقصور عليه والأصل فيه قوله تعالى : المستحق لصرف الزكاة إليه خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ التوبة : 103 ] أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم ، فكان في هذه الآية وجوب لأدائها من غير ذكر لمستحقها ، وقال تعالى : وفي أموالهم حق للسائل والمحروم [ الذاريات : 19 ] ، فأما السائل فهو الذي يسائل الناس لفاقته .
[ ص: 470 ] وفي المحروم خمسة تأويلات :
أحدها : أنه المتعفف الذي لا يسأل [ الناس شيئا ولا يعلم بحاجته ] وهو قول قتادة .
والثاني : أنه المحارف الذي لا يتيسر له مكسبه ، وهو قول عائشة .
والثالث : أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وهو قول ابن عباس .
والرابع : أنه المصاب بزرعه وثمره [ يعينه من لم يصب ] ، وهو قول ابن زيد .
والخامس : أنه المملوك ، وهو قول عبد الرحمن بن حميد .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، وقال - صلى الله عليه وسلم - أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : معاذ ، بشر ولا تنفر ويسر ولا تعسر ، ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك فأعلمهم أن في أموالهم حقا يؤخذ من أغنيائهم فيرد على فقرائهم ، فدل ما ذكرنا من الكتاب والسنة على أن الزكاة مصروفة في ذوي الفقر والحاجة من غير حرفة ولا تعيش ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمنا أنه من اجتهاده ، إلى أن كان ما رواه يا الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال : ذو الخويصرة اليماني فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ويلك ، فمن يعدل إذا لم أعدل ؟ ! فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، ائذن لي فأضرب عنقه ، فقال : دعه ، فأنزل الله تعالى : ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون [ التوبة : 58 ] ، ثم إن الله تعالى نزه نبيه عن هذا العتب وتولى قسمها بين أهلها فقال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسما إذ جاءه إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : 60 ] الآية إلى قوله تعالى : فريضة من الله والله عليم حكيم [ التوبة : 60 ] أي عليم بالمصلحة حكيم في القسمة ، فعند ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تعالى لم يرض في قسمة الأموال بملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسمها بنفسه ، فصار كالفيء والغنيمة . مال الزكوات مقسوما في أهله بنص الكتاب
وروى زياد بن الحرث الصدائي فقال : . أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته فجاءه رجل فقال : أعطني من الصدقة ، فقال : إن الله تعالى لم يرض في الصدقة بحكم نبي ولا غيره حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك حقك