مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله - : " فإن كان رجل جلد ، يعلم الوالي أنه صحيح مكتسب ، يغني عياله أو لا عيال له يغني نفسه بكسبه لم يعطه " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال ،  المكتسب بصنعته قدر كفايته وكفاية عياله لا يكون فقيرا   وتحرم عليه الزكاة وإن لم يكن له مال . وقال  أبو حنيفة      : لا تحرم عليه الزكاة ، وإن كان مكتسبا حتى يملك نصابا تجب فيه الزكاة ، أو ما يبلغ قيمته نصابا ؛ فجعل الفقر معتبرا بعدم النصاب وإن      [ ص: 491 ] كان قادرا على كفايته بنفسه ، وجوز له أخذ الزكاة وجعل الغناء معتبرا بملك النصاب وإن عجز عن كفايته وحظر عليه أخذ الزكاة استدلالا لقوله تعالى :  إنما الصدقات للفقراء والمساكين      [ التوبة : 60 ] والفقير هو العادم ، وهذا عادم وإن كان مكتسبا ، وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم  فميز الأغنياء بأخذ الصدقة منهم وميز الفقراء بدفع الصدقة إليهم ، فوجب أن يكون من تؤخذ منه الصدقة غنيا ، وإن كان غير مكتسب ، ومن تدفع إليه فقيرا ، وإن كان مكتسبا .  
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  من سألنا أعطيناه  وقال :  أعطوا السائل ولو جاء على فرس  وقد سأل المكتسب ، فوجب أن يعطى ، ولأنه لا يملك نصابا ولا قيمته ، فوجب أن يكون فقيرا تحل له الصدقة قياسا على غير المكتسب ، ولأنه لما لم يكن المكتسب غنيا في وجوب الحج والتكفير بالعتق لم يكن غنيا في تحريم الزكاة ، ولأنه لما حلت الزكاة من سهم الغارمين حلت له من سهم الفقراء والمساكين ، ودليلنا ما رواه  الشافعي   عن  سفيان بن عيينة   عن  هشام بن عروة   عن أبيه عن  عبيد الله بن عدي   أن رجلين أخبراه أنهما  أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه من الصدقات فصعد النظر فيهما وصوب وقال : " إن شئتما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب "  فجعل  الكسب كالغنى بالمال في تحريم الصدقات      .  
وروى  سالم بن أبي الجعد   عن  أبي هريرة   قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي قدرة  فحرم الصدقة بالقدرة على الكسب كما حرمها بالغنى ، ولأنه مستديم القدرة على كفايته ، فوجب أن تحرم عليه الزكاة بالفقر والمسكنة كالقادر على نصاب ، أو كالمشتغل لوقف ؛ ولأن  من حرمت عليه المسألة حرمت عليه الصدقة   كالغني ، ولأنه لما كان الاكتساب كالغنى في سقوط نفقته عن والديه ومولوديه ووجوبها عليه لوالديه ومولوديه كان كالغنى في تحريم الصدقات .  
فأما الجواب عن الآية فهو أن الفقر ليس العدم وإنما هو الحاجة ؛ والمكتسب غير محتاج . وأما الجواب عن قوله :  أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم  فهو أنه قد يكون في الناس من لا تؤخذ منه ولا تدفع إليه فهو مالك ما لا يزكى ، فكذلك المكتسب ، فجاز أن يكون منهم من تؤخذ منه فتدفع إليه وهو مالك ما يزكى إذا كان غير مكتسب .  
وأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - :  من سألنا أعطيناه  فهو أن معناه من أظهر لنا الفقر قبلنا منه : لأن الأصل في الناس العدم .  
 [ ص: 492 ] وأما قوله :  أعطوا السائل ولو جاء على فرس  ، فهو دليلنا : لأن  أبا حنيفة   يمنعه إذا كان ثمن فرسه نصابا ونحن نعطيه إذا كان محتاجا .  
وأما قياسه على غير المكتسب فالمعنى فيه الحاجة ، والمكتسب غير محتاج .  
وأما قوله : " لما لم يكن الاكتساب كالمال في وجوب الحج والتكفير بالعتق كذلك في تحريم الزكاة " فهو فاسد بنفقات الأقارب التي يجعل الاكتساب فيها كالمال ، ثم وجوب الحج والتكفير بالعتق يتعلقان بوجود المال والمكتسب غير واجد وتحريم الزكاة يتعلق بالكفاية والمكتسب مكتف ، وبالله التوفيق .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					