مسألة : قال
الشافعي : " وأقل من يعطى من أهل السهم ثلاثة : لأن الله تعالى ذكر
[ ص: 534 ] كل صنف جماعة ، فإن أعطى اثنين وهو يجد الثالث ضمن ثلث سهم ، وإن أخرجه إلى غير بلده لم يبن لي أن عليه إعادة : لأنه أعطى أهله بالاسم وإن ترك الجوار " .
قال
الماوردي : اعلم أن قسم الصدقة يختلف فيها حال العامل وحال رب المال من وجهين :
أحد الوجهين : أن
nindex.php?page=treesubj&link=3247على العامل فيما يقسمه أن يعم به جميع أهل السهمان ، ويجوز لرب المال أن يقتصر في كل صنف على ثلاثة فصاعدا والفرق بينهما قد ذكرناه وهو أن العامل يقسم جميع الصدقات ، فلزمه أن يعم بها جميع أهل السهمان ورب المال يقسم بعض الصدقات ، فجاز أن يقتصر على بعض أهل السهمان .
والوجه الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=3247على العامل أن يقسم سهم كل صنف على قدر حاجاتهم ولا يجوز أن يساوي بينهم مع تفاضلهم في الحاجة ولا أن يفاضل بينهم مع تساويهم في الحاجة ، ورب المال يقسم ذلك على خياره مع تسوية وتفضيل ولا يلزمه أن يقسمه بينهم على قدر الحاجة ، والفرق بينهما أن العامل لما لزمه أن يعم جميع أهل السهمان لزمه التسوية بينهم بحسب الحاجة ، ورب المال لما لم يلزمه أن يعم جميع أهل السهمان لم يلزمه التسوية بينهم بحسب الحاجة وكان على خياره في قدر العطاء كما كان على خياره في تميز العطاء ، فإذا ثبت الفرق بين هذين الوجهين فقد مضى الكلام فيما يتولاه العامل ، فأما رب المال فلا يجوز أن يقتصر من الصنف الواحد على أقل من ثلاثة إذا وجدوا : لأن الله تعالى ذكر كل صنف بلفظ الجمع المطلق وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : آية 160 ] وأقل الجمع ثلاثة فرقا بين الجمع والتثنية ، أما الجمع بين الأصناف كلهم فيستوي فيه العامل ورب المال ، فلا يجوز لرب المال أن يخل بصنف منهم إذا قدر عليه في بلده كالعامل ، والفرق بين هذا وبين ألا يلزمه استيعاب كل صنف ، بخلاف العامل : لأن الله تعالى جعل كل زكاة لجميع الأصناف ولم يجعلها لجميع كل صنف .
فإذا تقرر أن الواجب عليه أن يعطي ثلاثة من كل صنف كان بالخيار بين التسوية بينهم والتفضيل اعتبارا بالحاجة ، فأي هذه الثلاثة فعل أجزأه ، فإن قسمها على اثنين مع وجود الثالث ضمن حصة الثالث ، وفي قدر ما ضمنه قولان :
أحدهما : ثلث ذلك السهم وهو المنصوص عليه في هذا الموضع اعتبارا بالتسوية عند ترك الاجتهاد في التفضيل .
والقول الثاني : يضمن أقل ما يجزئ اعتبارا بما جعل من الخيار ، والله أعلم بالصواب .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " وَأَقَلُّ مَنْ يُعْطَى مِنْ أَهْلِ السُّهُمِ ثَلَاثَةٌ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ
[ ص: 534 ] كُلَّ صِنْفِ جَمَاعَةٍ ، فَإِنْ أَعْطَى اثْنَيْنِ وَهُوَ يَجِدُ الثَّالِثَ ضَمِنَ ثُلُثَ سَهْمٍ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لَمْ يَبِنْ لِيَ أَنَّ عَلَيْهِ إِعَادَةً : لِأَنَّهُ أَعْطَى أَهْلَهُ بِالِاسْمِ وَإِنْ تَرَكَ الْجِوَارَ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ قَسْمَ الصَّدَقَةِ يَخْتَلِفُ فِيهَا حَالُ الْعَامِلِ وَحَالُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3247عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا يُقَسِّمُهُ أَنْ يَعُمَّ بِهِ جَمِيعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ ، وَيَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي كُلِّ صِنْفٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْعَامِلَ يُقَسِّمُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَعُمَّ بِهَا جَمِيعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَرَبُّ الْمَالِ يُقَسِّمُ بَعْضَ الصَّدَقَاتِ ، فَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ السُّهْمَانِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3247عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يُقَسِّمَ سَهْمَ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَهُمْ مَعَ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْحَاجَةِ وَلَا أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَهُمْ مَعَ تَسَاوِيهِمْ فِي الْحَاجَةِ ، وَرَبُّ الْمَالِ يُقَسِّمُ ذَلِكَ عَلَى خِيَارِهِ مَعَ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا لَزِمَهُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ لَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَكَانَ عَلَى خِيَارِهِ فِي قَدْرِ الْعَطَاءِ كَمَا كَانَ عَلَى خِيَارِهِ فِي تَمَيُّزِ الْعَطَاءِ ، فَإِذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ الْعَامِلُ ، فَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِذَا وُجِدُوا : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ كُلَّ صِنْفٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [ التَّوْبَةِ : آيَةَ 160 ] وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَرْقًا بَيْنَ الْجَمْعِ وَالتَّثْنِيَةِ ، أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ كُلِّهِمْ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ ، فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخِلَّ بِصِنْفٍ مِنْهُمْ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ كَالْعَامِلِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَلَّا يَلْزَمَهُ اسْتِيعَابُ كُلِّ صِنْفٍ ، بِخِلَافِ الْعَامِلِ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كُلَّ زَكَاةٍ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِجَمِيعِ كُلِّ صِنْفٍ .
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ صِنْفٍ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَالتَّفْضِيلِ اعْتِبَارًا بِالْحَاجَةِ ، فَأَيُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَعَلَ أَجَزَأَهُ ، فَإِنْ قَسَّمَهَا عَلَى اثْنَيْنِ مَعَ وُجُودِ الثَّالِثِ ضَمِنَ حِصَّةَ الثَّالِثِ ، وَفِي قَدْرِ مَا ضَمِنَهُ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : ثُلُثُ ذَلِكَ السَّهْمِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اعْتِبَارًا بِالتَّسْوِيَةِ عِنْدَ تَرْكِ الِاجْتِهَادِ فِي التَّفْضِيلِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَضْمَنُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ اعْتِبَارًا بِمَا جُعِلَ مِنَ الْخِيَارِ ، واللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .