الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يعطي زوجته : لأن نفقتها تلزمه ، فإن أدانوا أعطاهم من سهم الغارمين وكذلك من سهم ابن السبيل : لأنه لا يلزمه قضاء الدين عنهم ولا حملهم إلى بلد أرادوه ، فلا يكونون أغنياء عن هذا به كما كانوا به أغنياء عن الفقر والمسكنة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام قي الأقارب المناسبين ، فأما الزوجة فلا يخلو حالها من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تكون مقيمة ، أو مسافرة ، فإن كانت مقيمة لم تخل من أن تكون مطيعة أو ناشزة ، فإن كانت مطيعة تلزمه نفقتها ولم يجز أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين : لأنها غنية به ، وإن كانت ناشزة لم تلزمه نفقتها وسقطت عنه بالنشوز ، ولا يجوز أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين ، وإن لم يكتسب لقدرته على الكفاية ، فأما إعطاء الزوجة من سهم العاملين فليست ممن يستعمل على الزكاة فيعطاه .

                                                                                                                                            وأما من سهم المؤلفة فلا يجوز أن تعطى : لأن المؤلفة هم الرجال المقاتلة ، ولو قيل : يعطى لكان مذهبا : لأن ما يقصد من حسن إسلام الرجل وترغيب قومه في الإسلام موجود في المرأة .

                                                                                                                                            وأما إن كانت مكاتبة أو غارمة جاز أن تعطى من سهم الرقاب والغارمين : لأنه لا يلزمه قضاء دينها وأداء كتابتها . وأما من سهم سبيل الله ، فلا يجوز أن تعطاه : لأنها ليست من أهل الجهاد . وأما من سهم بني السبيل فسنذكر حكم سفرها ، فلا يخلو أن تسافر وحدها أو مع زوجها ، فإن سافرت مع زوجها فلا يخلو أن يكون بإذنه أو بغير إذنه ، فإن كان بإذنه فلا يعطيها من سهم ابن السبيل : لأن مؤنة حمولتها تلزمه لأجل إذنه ، وإن كان بغير إذنه فلها النفقة لكونها معه ولا يلزمه حمولتها لخروجها بغير إذنه ولا يجوز أن يعطيها من سهم بني السبيل كراء حمولتها : لأنه سفر معصية . وإن سافرت وحدها ، فلا يخلو أن يكون بإذنه أو بغير إذنه ، فإن كان بغير إذنه ، فلا نفقة لها ؛ لكونها ناشزة ، ويجوز أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين بخلاف المقيمة الناشزة .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن المقيمة إذا نشزت قدرت على النفقة بتعجيل المطاوعة ، ولا يجوز أن يعطيها من سهم بني السبيل : لأنه سفر معصية ، وإن كان سفرها بإذنه فعلى ضربين :

                                                                                                                                            [ ص: 537 ] أحدهما : فيما يختص بزوجها ، فعليه نفقتها وحمولتها ، فلا يجوز أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين ولا من سهم بني السبيل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون فيما يختص بها ففي وجوب نفقتها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : تجب عليه ، فعلى هذا لا يجوز أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين لغناها به ، ويجوز أن يعطيها من سهم بني السبيل : لأن حمولتها لا تلزمه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا نفقة لها ، فعلى هذا يجوز أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين ، ويجوز أن يعطيها من سهم بني السبيل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية